لم يؤثّر تحول "ملتقى الطفولة والبيئة"، الذي ينظمه "برنامج لكلّ ربيع زهرة" في قطر، إلى تقنية مؤتمرات الفيديو، في غناه المعرفي والتربوي، وجمعه أطفالاً من كلّ أنحاء العالم
فرضت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومات لمواجهة انتشار فيروس كورونا، تغييراً في أنماط الحياة اليومية، فأصبحت معظم الأعمال تنجز عن بعد، وتعقد الاجتماعات افتراضياً، حتى التعليم أصبح عبر المنصات الإلكترونية. "برنامج لكلّ ربيع زهرة"، عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، واصل تنظيم "ملتقى الطفولة والبيئة"، منسجماً مع إجراءات منع انتشار الفيروس، وحوّل اللقاء المباشر إلى لقاء عبر تقنية الاتصال المرئي، مستهدفاً إبراز طاقات الأطفال وتنمية مواهبهم أثناء فترة الحجر المنزلي.
يقول رئيس برنامج "لكلّ ربيع زهرة" سيف علي الحِجري، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنّ "ملتقى الطفولة والبيئة" هو ملتقى تربوي، تعليمي، ترفيهي، يجتذب الأطفال من عمر 6 أعوام إلى 14 عاماً، ويستفيد من طاقاتهم في الحجر المنزلي، طبقاً للاتجاهات التربوية، مع ربط المفاهيم المعرفية والتطبيقية بحياة النشء وبيئاتهم، بطريقة تجعلهم يدركون العلاقة بين هذه الحقائق وأهمية تبني سلوكيات واكتساب خبرات تؤدي إلى تحقيق الهدف المطلوب، وذلك من خلال اكتشاف إنجازات وإبداعات الأطفال ليس في قطر فحسب بل في العديد من الدول العربية والأجنبية، وتوسيع خبراتهم ومداركهم لكلّ ما هو مفيد. يؤكد على أهمية الدور الذي يلعبه "ملتقى الطفولة والبيئة" في التغيير الإيجابي لدى المشاركين لما يضمه من كادر تربوي كفوء ومضامين بيئية متنوعة ومبهجة، تتيح للنشء أسباب التفوق والإبداع، وتخلق روح العمل الجماعي، وتعزيز الخبرات، والوصول لتحقيق الشخصية القيادية.
ويوضح الحِجري أنّ الملتقى كان قبل مارس/ آذار 2020، ينظم بالاجتماع المباشر، لكنّه تحوّل إلى العالم الافتراضي نتيجة ما سببته جائحة كورونا، لافتاً إلى أنّ الهدف هو التعامل مع الأطفال، ليس من منطلق المعرفة بل من منطلق السلوك والقيم، لأنّ القضايا البيئية قيمية أكثر منها معرفية. ويضيف: "كان آباؤنا وأجدادنا بسطاء، لكنّهم كوّنوا أثراً إيجابياً في بيئتهم، لأنّهم كانوا مواطنين للبيئة وملتصقين بها، أما اليوم فالطفل يعيش حياة مدنية، فعلى سبيل المثال إذا مرض يصل إليه الدواء من الصيدلية القريبة من منزله، وهذا ما لم يكن متوفراً لأجدادهم، ممن كانوا يذهبون إلى الفيافي والحقول للبحث عن بذرة ما كانت توصف علاجاً. باختصار، كان الأجداد أكثر إيجابية بكلّ ما يتعلق بالبيئة". يتابع الحجري أنّ الأطفال المشاركين في الملتقى ينتمون إلى مختلف دول العالم، فثمة أطفال من كندا وبريطانيا والولايات المتحدة وسريلانكا والهند والجزائر والمغرب والأردن وفلسطين وموريتانيا وسورية، ويستضيف الملتقى متخصصاً في موضوع الحلقة الأسبوعية، والتي خصص يوم السبت باللغة العربية لها، ويوم الأحد باللغة الإنكليزية. ولتحقيق أهداف الملتقى، وضمان نجاحه، ينبغي تهيئة الظروف وفقاً لمشاركة النشء في إبراز إبداعاتهم وإنجازاتهم وأنشطتهم، ومشاركة الأسرة في تعزيز جهود الأبناء في الحفاظ على البيئة من منطلق مسؤولية الشراكة في تربية النشء، وغرس السلوك البيئي السليم، كما يقول. ويؤكد أنّ الملتقى يمنح الطفل المشارك ثلاث مرات، شهادة إنجاز وتميز، فيستمر ليصبح صديقاً، ثم يمنح شهادة أخرى، والطفل يعرض خلال الحلقة إنجازاته وإبداعاته، فهذا يلقي شعراً، وآخر يعرض مجسماً صنعه بأنامله، والجميع يتفاعلون ويبرزون طاقاتهم ومواهبهم.
وتتضمن الأنشطة التفاعلية التي يطرحها الملتقى خمسة محاور، فيناقش النشاط الاجتماعي، وبيئة الوطن من البر إلى البحر، ويشتمل على التعرف إلى البيئة التراثية، والبحرية، والنباتية، والحيوانية، والصحراوية، والصناعية. أما محور النشاط الثقافي والعلمي "المعرفة متعة وعمل"، فيعرّف النشء بمفهوم البيئة الطبيعية والمشيدة، وحقائق عن الماء وأهميتها، والمياه كقضية وأهمية الحفاظ عليها وحمايتها من التلوث، وترشيد الاستهلاك. كذلك، يسلط الضوء على الهواء، وضرورته، ودورة الغازات في الطبيعة، والتلوث، والمحيط الحيوي من نبات وحيوان، إذ يُعرّف الأطفال بالمحيط الحيوي وأهميته، ومظاهر ومخاطر تدهوره، ووسائل حمايته. وتحت بند "خبرة النفايات"، يجري تعريف الأطفال بكل ما يتعلق بالنفايات، مع التأكيد على ضرورة التقليل منها. وينظم الملتقى أسبوعياً أنشطة ثقافية توعوية بمضامين بيئية، تشتمل على القصة البيئية القصيرة والشعر، تحت عنوان "تأصيل الفنون وربطها بالبيئة".
ويتضمن النشاط الفني عدة فنون، أولها المسرح، نظراً لأهمية "أبي الفنون" الكبيرة كوسيلة فعّالة في ترقية الوعي ونشر المعرفة، وقد أثبتت التجارب دوره في غرس روح المسؤولية لدى الطفل. ثم الإنشاد، إذ يتدرب الأطفال على تذوق الموسيقى ومعرفتها وتوظيفها في الأعمال البيئية، وذلك لسهولة الاستيعاب وتوصيل المعلومة في قالب محبب. ويسعى نشاط الفنون التشكيلية إلى التذوق الفني والرؤية الجمالية لعناصر البيئة، وتنمية المهارات في الرسم والتركيب والبناء، والتعرف إلى تجارب الآخرين من خلال زيارة المتاحف والمعارض، واستغلال الخامات البيئية في تكوين الأعمال الفنية، كما استخدام المخلفات غير الضارة أيضاً. ويتيح محور فنون التصوير الضوئي والفيديو إرسال الصور ومقاطع الفيديو القصيرة من قبل المشارك، ليجري عرضها من خلال فعاليات البرنامج. وتجسد الأنشطة الرياضية مقولة "العقل السليم في الجسم السليم"، فتهدف إلى إدماج المفاهيم البيئية في الأنشطة الرياضية، وصولاً إلى رفع القدرات البدنية للأطفال، ورفع مستوى السلامة والجمال في البيئة الرياضية. والمرتكز الخامس هو التربية الغذائية، ويحمل شعار "الغذاء لا الدواء"، ويشتمل على الثقافة الغذائية، إذ يلاحظ انخفاض الوعي الغذائي لدى أفراد المجتمع بما ينعكس سلباً على صحة الأطفال، كالسمنة والنحافة وأمراض سوء التغذية والتسمم الغذائي، ويجري تدريب الصغارعلى اختيار الأغذية المتوازنة والملائمة وصولاً إلى الصحة والسلامة، وفقا للحِجري.
تجدر الإشارة إلى أنّ برنامج "لكل ربيع زهرة" أطلقته مؤسسة قطر عام 1999، لتختار في كلّ ربيع زهرة من الزهور الأصيلة التي تنمو في البيئة القطرية للاحتفال وتعريف الناشئة بها، ووصل البرنامج إلى 22 زهرة، تتنوّع بين النباتات الشاطئية والساحلية والبرية، واحتفى خلال 2020 بزهرة "الشويكة"، ومن المقرر أن يعلن عن زهرة العام الجاري، وهي "حسك أرضي"، وهو الاسم المحلي الشائع للنبتة، التي تعرف أيضاً بـ"ضرس العجوز" و"قطرب" و"عُرمُط"، وهي نبتة حولية سطحية تتمدد على الأرض كالحبال.