مقتحمو المنطقة الخضراء في بغداد: "كل ما فيها مختلف عن خارجها"

31 اغسطس 2022
عربات توكتوك الشعبية أمام مبنى البرلمان بالمنطقة الخضراء (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

لم يتبق من اعتصامات أنصار التيار الصدري، التي استمرت شهراً كاملاً داخل المنطقة الخضراء في بغداد والتي تتجمع بها مباني الأحزاب والزعامات السياسية ومقار الحكومة، إلا الذكريات المبهرة لما فيها من مشاهد تناقض ما هو عليه حال العاصمة العراقية والمحافظات الأخرى، ومع تباين توصيفات المعتصمين، إلا أنهم أجمعوا على أنها منطقة محاطة بكل صنوف النعم والخدمات التي حرم منها العراقيون.

المئات من أنصار التيار، وهم من الطبقة الكادحة في المجتمع، أغلبهم لم يدخل المنطقة الخضراء سابقاً ولم يتمثل معالمها وحدائقها ومسابحها ومبانيها الفارهة، فكان الاعتصام فرصة لهم للإطلاع على عالم لم يروه إلا من خلال شاشات التلفاز.

وبعيون ملؤها الدهشة، يقول المعتصم جبار السويعدي، 30 عاماً ويعمل عتالاً في أحد الأسواق العراقية، لـ"العربي الجديد": "كنت أسمع عن المنطقة الخضراء وأرى بعض اللقطات منها في التلفاز، لكنني لم أكن أتصورها بهذه الحال عندما اعتصمت داخلها"، وأضاف: "الأبنية شاهقة والشوارع نظيفة ومعبدة، لا ترى فيها حفراً ومطبات كما في الشوارع خارجها، والتيار الكهربائي لا ينقطع، والمكيفات داخل قاعة البرلمان والقصر الجمهوري وحتى غرف الحراس فيها، مكيفة ومؤثثة بأجمل الأثاث".

وأشار السويعدي إلى أن "الخدمات التي حرم منها الشعب متوفرة بشكل كامل داخل الخضراء، لا يوجد أي نقص، لا يوجد طفح في المجاري، ولا أنقاض وسط الشوارع، ولا مكبات للنفايات، ولا حتى أراض ترابية، بل كلها مزروعة بالأشجار والورد الذي تفوح روائحه من مسافات بعيدة"، مؤكداً "حقيقة كأننا لم نكن داخل العراق، كل ما في الخضراء مختلف عن خارجها، لا يوجد أي وجه شبه ولا تصح المقارنة".

إلا أن الشاب حسن علي، 16 عاماً، لم يظهر إعجابه إلا بالمسابح داخل الخضراء، وقال لـ"العربي الجديد": "لا أقول إن هناك شيئا غير جميل داخل الخضراء، لكن ما أبهرني تلك المسابح داخل المباني الحكومية وحتى في منازل القيادات الحزبية داخل المنطقة.. إنها مسابح على أحدث الطرز العالمية، محاطة بالحدائق، وبمساحات واسعة، والمياه غزيرة ووفيرة فيها، رغم أن البلاد تعاني أزمة مياه قاتلة".

وأضاف: "خلال هذا الشهر كنت أقضي أغلب أوقاتي في السباحة، لقد وجدت متعتي بها، فأنا أعشق السباحة، لكن لا يوجد في منطقتي (مدينة الصدر)، إلا نهر قديم تحول إلى مكب للنفايات بعد أن انقطعت عنه المياه"، مؤكداً: "داخل الخضراء عرفنا لماذا يتقاتل السياسيون على السلطة، إنها تلك النعمة والترف والحياة الخاصة المختلفة التي يعيشونها بمعزل عن كل معاناة الشعب"، وأعرب عن أمنيته بأن "تعود الاعتصامات مجدداً، وأن أعود لتلك المسابح التي لا تفارق خيالي".

الناشط في الحراك المدني العراقي، علي العوادي، أكد أن "حجم الرفاهية لأحزاب السلطة داخل حصونهم المشيدة يتناقض مع حجم أدائهم"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أنه "من المفروض على تلك الأحزاب المنعمة داخل المنطقة الخضراء بكل وسائل الراحة، أن تؤدي شكر النعمة من خلال الإخلاص بالعمل، لكن ما نراه يتناقض مع ذلك"، مضيفاً: "إنهم يترفهون بكل تلك النعم، وينهبون أموال الشعب، ويتمسكون بالسلطة على حساب الشعب، ويجرون البلاد إلى أزمات سياسية وأمنية واقتصادية"، وشدد على أن "هؤلاء لديهم استعداد أن يقتل الشعب العراقي بأكمله مقابل بقائهم بالسلطة ووسط تلك النعم والخدمات".

والمنطقة الخضراء اسم دخيل على جغرافية بغداد، وتتألف عملياً من ثلاثة أحياء سكنية متجاورة على ضفاف نهر دجلة وسط بغداد، هي حي كرادة مريم الذي كان يضم العراقيين المسيحيين، وحي القادسية، وحي التشريع، فضلاً عن اقتطاع جزء بسيط من حي الحارثية.

وإلى جانب كونها أحياء سكنية، فإنها تضم عدة فنادق ومستشفى ومراكز تجارية وقصوراً ومباني لوزارات مختلفة بعضها يعود إلى عقود طويلة، فضلاً عن مساجد وكنائس ومدينة ألعاب وناديين رياضيين، وتضم أيضا منازل شخصيات سياسية ومقار لعدد من الأحزاب، كما تضم، بحكم توسطها بغداد، شبكة كبيرة من الطرق والأنفاق والجسور تربط جانبي العاصمة واحدهما بالآخر.

المساهمون