في تجمع بسنيا قرب بلدة حارم شمال غربي سورية قضت عشرات العائلات تحت حطام الأبنية نتيجة زلزال 6 فبراير/ شباط الجاري.
لم تصمد أبنية التجمع رغم أنها حديثة التشييد، وانهارت بلمح البصر، وسرقت معها أحلام عشرات من العائلات التي جمعت جلّ ثروتها وتعبها لتضعه في بيت يقيها صعوبات دفع الإيجار الشهري، ويحميها من قسوة الحياة في الخيام.
يقول الطفل محمد الحسن (12 عاماً) لـ"العربي الجديد": "أيقظني والدي ليلاً وهو يصرخ بحصول زلزال، ويطالب بمغادرة المكان فوراً، ثم انهار البناء بسرعة فوق رؤوس كثيرين لم يستطيعوا الخروج".
وأنقذت فرق الإغاثة عائلة محمد من تحت الركام، وأصيب أفرادها بجروح متفاوتة، فيما توفيت أخته البالغة ست سنوات.
وكان تجمع بسنيا السكني قد شيّد قبل أربع سنوات فقط، وبيعت شققه بأسعار رخيصة نسبياً لمهجرين من مختلف المناطق السورية، والذي كان بعضهم في مخيمات، وآخرون كان يسكنون بالإيجار واستطاعوا تأمين ثمن شراء شقة من عملهم أو من تلقيهم مساعدات أرسلها أقاربهم في الخارج. وهم وجدوا مكان التشييد مناسباً وآمناً بعيداً عن العمليات العسكرية.
يوضح محمد الخضر لـ"العربي الجديد": "اشتريت شقة في تجمع بسنيا بعدما مللت من الانتقال بين منزل وآخر ودفع إيجارات، لكنني لم أتوقع أن يكون بهذا السوء هندسياً، علماً أن أسعار البيع كانت جيدة حينها مقارنة ببقية المنازل ما شجعني على السكن في هذا المكان".
يضيف: "لا أعرف تحديداً إذا كانت معايير البناء سيئة بدرجة كبيرة أو أن قوة الزلزال في المنطقة كانت أكبر من مناطق أخرى. الآن خسرت منزلي والأثاث الذي جمعته لسنوات، ويجب أن أسكن مجدداً في خيمة".
ويقول خالد، وهو مهجر من كفرنبل، لـ"العربي الجديد": "حالفني الحظ بعدم شراء شقة في هذا التجمع، رغم أنني كنت حزمت أمري وتفقدت الشقة لكنني غيّرت رأيي في اللحظة الأخيرة، وأنا لا أدري ماذا شجعني على عدم السكن في هذا المكان، ربما مكتوب أن أموت في مكان آخر".
من جهته، يشير محمد العلي لـ"العربي الجديد" إلى أن "الناس رغبوا في الإقامة في تجمع بسنيا بسبب رخص أسعار شققه، فكان ملجأ لكثيرين ممن فقدوا الأمل في العودة إلى ديارهم بعد تهجير طويل، ويئسوا أيضاً من عدم قدرتهم على شراء منزل في مناطق أخرى بإدلب، وكان البناء جديداً وديكوراته جيدة، وكذلك التجهيز، ما حفّز كثيرين على اقتناء منازل".
يضيف: "يتألف التجمع من عدة أبنية متلاصقة يضم كل منها خمسة طوابق، ويقابلها من الطرف الآخر مجمع سكني بكتلة واحدة كان أكثر مقاومة من باقي الأبنية، وتماسك حتى غادره سكانه، بينما تهاوت بقية الأبنية فوراً. وقد هُدم هذا البناء أيضاً في اليوم التالي للزلزال لأنه كان مهدداً بالانهيار في أي لحظة".
وأعلن الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) إثر انتهاء عملياته سقوط أكثر من 400 شخص في تجمع بسنيا، ما عكس حجم الكارثة التي عاشتها المنطقة بسبب الزلزال، وكيف تحوّل خلال لحظات من تجمع سكني يضجّ بالحياة إلى كومة ركام دفن تحتها مئات من الضحايا.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي طالب ناشطون بمحاسبة القائمين على مشروع تجمع بسنيا ومشاريع سكنية أخرى، والتحقيق معهم للتأكد من احتمال حصول تقصير في المواد المستعملة في البناء، أما الجهات الرسمية فلم تصدر قراراً في هذا الشأن حتى الآن.
ويقول سامر الحمدو، وهو نازح من حمص، لـ"العربي الجديد": "يجب التحقيق مع كل المقاولين الذين نفذوا مشاريع سكنية. شاهدنا ما يكفي من آلام خلال هذه المدة، ولا نريد أن نعيش مآسي جديدة. واضح أن المنافسة دفعت البعض إلى التساهل باستخدام كميات مواد أسمنتية أقل في الأبنية، ما أدى إلى انهيار عدد كبير منها".
ويقول رامي الحمصي الذي يعمل في التجارة واحتاج إلى أربع سنوات لتأمين سعر بيته، لـ"العربي الجديد": "لا يمكن لمن يعرف المنطقة أن يصدق أنها أصبحت بهذا الشكل. حالفنا الحظ بعدم سقوط مجمعنا لحظة حصول الزلزال، لكن خسارتنا المادية لا تعوّض، وعدنا إلى نقطة الصفر".
أيضاً يقول حامد العبد الله لـ"العربي الجديد": "بعت ذهب زوجتي وسيارتي لاقتناء هذا البيت. كنت أظن أنني وفرت مائة دولار شهرياً كنت أدفعها لاستئجار منزل في سلقين غربي إدلب، وأنا لم أتوقع أن البناء هش بهذه الدرجة، إذ لم أواجه اختباراً مماثلاً سابقاً".
والآن سيبدأ الناجون من تجمع بسنيا رحلة نزوح جديدة بعدما حالفهم الحظ في البقاء على قيد الحياة، لكن هذه الرحلة لن تكون سهلة، فغالبية المقيمين في التجمع يملكون أعمالاً قريبة من المكان.
ويقول أبو مصطفى، وهو تاجر مواد غذائية في سلقين، لـ"العربي الجديد": "يجب أن أعثر على سكن قريب من سلقين، وبإيجار يتناسب مع دخل متجري، وهو أمر غير متوفر حالياً. أنا أمام خيار الإقامة في مركز إيواء أو نقل مكان عملي إلى منطقة أخرى، وهو أمر محفوف بالمخاطرة لأنه قد لا ينجح نتيجة المنافسة الشديدة".
وتوزع الناجون من مجمع بسنيا على منازل أقاربهم أو على مخيمات قريبة، في حين ما زال بعضهم في المستشفيات حتى انتهاء العلاج، لكنهم ينتظرون جميعهم مصيراً واحداً يقودهم نحو تهجير جديد.