مقاهي المؤانسة... شحنة عاطفة مدفوعة لصينيات عانسات

06 يونيو 2023
حققت خدمات المؤانسة والمواساة نجاحاً جيداً في الصين (Getty)
+ الخط -

في وقت خلقت فيه ظروف الحياة الاقتصادية في الصين وواقع عزوف الشباب عن الزواج جيلاً يضم مئات الآلاف من الفتيات العانسات، ابتكرت شركات تجارية طرقاً للاستثمار في ما يعتبره البعض نوعاً من المعاناة، مع رفع شعار محاولة تخفيف آلام الوحدة لدى النساء، وشعورهن بأنه غير مرغوب بهن لأسباب مختلفة في مجتمع ذكوري
وبين أبرز الابتكارات إنشاء سلسلة مقاه خاصة بالفتيات العانسات تقدم خدمات للمؤانسة والمواساة من خلال فريق من الشباب. وتدفع النساء اللواتي يحصلن على هذه الخدمات أجراً يحدد بالساعة. 
وتشمل خدمات الشباب مع الزبائن النساء الجلوس معهن على الطاولة والاستماع باهتمام إلى همومهن ومشاكلهن، علماً أن قيمة الجلسة الواحدة قد تصل إلى حوالي 400 يوان، أي ما يعادل 60 دولاراً. 
وتشمل الخدمات أيضاً إمكان حجز مساعد شخصي لمرافقة المرأة في رحلات تسوّق خارجية تعرف باسم خدمة "صديق ليوم واحد". 
ويفيد القائمون على المشروع بأن الخدمات المقدمة تهدف إلى منح النساء نوعاً من الاهتمام الذكوري الذي يرغبن به. ومعظم العملاء النساء متعلمات ومثقفات لا ينشدن أي نوع من النزوات، بل يملكن رغبة حقيقية في الشعور بالذات وبأنهن مقبولات في المجتمع، وأن هناك من يستمع إليهن ويهتم بهن، ولو لفترة زمنية قصيرة. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

عشرات المقاهي
يقول وانغ وانغ الذي يملك مقهى يقدم خدمة المؤانسة للنساء في مدينة شنغهاي، لـ"العربي الجديد": "افتتح المقهى عام 2021، وكان الأول من نوعه في المدينة في ذلك الوقت، بينما تنتشر اليوم عشرات المقاهي التي تقدم نفس الخدمة في المدن الكبرى، مثل بكين وتيانجين، وشينزن. وأصل الفكرة من اليابان التي تعاني أيضاً من مشكلة عزوف الشباب عن الزواج، لكن تبقى الصين الدولة الأكبر على صعيد عدد السكان، وتضم نسبة عنوسة قياسية تصل إلى 77 في المائة، وكذلك المعدل الأدنى حالياً للإقبال على الزواج منذ تأسيس جمهورية الصين الحديثة عام 1945. ودفعت كل هذه العوامل إلى تخصيص مقاهٍ لمؤازرة الإناث، ومنحهن الشعور بالذات من خلال توفير خدمات تليق بأهمية ما يمثلنه في المجتمع بعيداً عن الإطار الذكوري الذي يحاول أن يحدّ من قيمتهن ومكانتهن في المجتمع". 

شروط
ويوضح أن إدارة المقهى تشترط ألا يقل عمر الزائرات عن 27 عاماً، في حين لا تفسح المجال أمام المراهقات اللواتي ما زلن في مقتبل العمر للانضمام إلى مجموعة الرواد، باعتبار أنه ما زالت أمامهن فرصة لإيجاد شركاء حياة خارج حدود المقهى. ويقول: "مع الإقبال الحالي الواسع تحوّل الترويج لهذه الخدمات عبر المنصات الإلكترونية، وأصبح في الإمكان حجز مكان في المقهى في وقت مسبق، واختيار مواصفات الشاب النادل على صعيد الطول والمظهر العام، وحتى اللغة أو اللهجة التي يتحدث بها. وعموماً ساهم هذا النوع من المقاهي في الحدّ، بنسبة لا بأس بها، من الإحباطات التي تمر بها هذه الفئة العمرية من النساء في المجتمع الصيني، لكن ذلك يبقى غير كافٍ على المدى البعيد، إذ يجب أن تدفع الحكومة في اتجاه تسهيل الارتباط بين الجنسين من خلال تخفيف أعباء وتكاليف الزواج، وتقديم حوافز ذات قيمة للأزواج تتناسب مع حجم الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهونها في حياتهم.

معدلات قياسية للعنوسة في الصين (وانغ زهاو/ فرانس برس)
معدلات قياسية للعنوسة في الصين (وانغ زهاو/ فرانس برس)

فسحة للتنفيس
من جهتها، تقول شو يان (29 عاماً)، الموظفة العزباء التي تعمل في شركة لإنتاج ألعاب الفيديو بمدينة شنغهاي، وتتردد على مقاهي المؤانسة في المدينة لـ"العربي الجديد": "أعتبر هذه المقاهي فسحة للتنفيس عن ضغوط الحياة والعمل، وأنا فشلت شخصياً على مدار السنوات الماضية في العثور على شريك حياة لأسباب عدة منها اختلال التوازن بين الجنسين، وعدم وجود رغبة حقيقية لدى الشباب في الارتباط، وطمع بعض الرجال بالنساء الموظفات، أو تفضيلهم صغيرات السن على من تقدمن في العمر. لذا فقدت الأمل في الزواج، وعندما قرأت عن هذه المقاهي، شعرت بأنها تمثل بديلاً معقولاً لي كونها توفر شحنة مؤقتة من المشاعر التي تحتاجها المرأة في أوقات محددة".
تضيف: "حتى الأزواج لا تخلو حياتهم من منغصات، علماً أنه من غير المنطقي أن تكون الحياة الزوجية وردية على طول الخط، فهناك الكثير من الاختلافات في وجهات النظر بين الجنسين التي قد تعرقل الحياة اليومية المشتركة بينهما، لذا أعتقد بأن هذه المقاهي تختصر كل المتاعب والمنغصات التي ترافق العلاقات الزوجية، وتقتصر على توفير شحنة عاطفة يمكن أن تمد المرأة بطاقة إيجابية لأسابيع وأشهر، وهذا ما أحتاجه شخصياً من الرجل". 

حل ناقص
في المقابل، تشدد لي ليانغ، في حديثها لـ"العربي الجديد" على أن "فكرة المؤانسة مدفوعة الأجر لاقت رفضاً شديداً منذ إعلان توفيرها من قبل مقاه خاصة قبل عامين، لأنها تتناقض مع قيم المجتمع الصيني والعادات والتقاليد الموروثة". 
تتابع: "نحن على يقين بأن مجتمعنا ما زال أبوياً، وأن نسبة العنوسة عالية جداً، وأيضاً أن بعض المتزوجات يعتبرن أقل سعادة في علاقاتهن مع أزواجهن مقارنة بمجتمعات أخرى. كما ندرك أن الخيارات محدودة خصوصاً للنساء في مثل هذه الحالات، لكن فكرة مقاهي المؤانسة لا يمكن أن تشكل الحل الأمثل لمواجهة هذه المشاكل، بل ربما معول لهدم فكرة الارتباط والزواج لدى الشباب، كونها توفر بديلاً درامياً يخلو من أي مشاعر صادقة، فالطرفان يعلمان أنهما يشاركان في جلسة تمثيل بلا أي هدف مهم ومردود إيجابي. والشاب تحديداً سيجلس مع فتاة أخرى بعد دقائق معدودة من مغادرة المرأة التي دفعت الأجر المطلوب للجلوس معه خلال فترة محددة، ثم سينتقل إلى ممارسة الزيف نفسه مع امرأة أخرى، أما المرأة التي استأجرت الخدمة الأولى فستعود أدراجها إلى وحدتها وواقعها المر". 
تضيف: "الأسوأ في هذه الخدمة أنها تشكل فعلياً انتهاكاً مدفوع الثمن للمشاعر من قبل الضحية (المرأة) لأنها لا تملك ذاتها، وتتعلق بأوهام صنعها القائمون على هذه المقاهي بغرض تحقيق مكاسب مادية بعيداً عن أي اعتبارات أخرى".