بعض الغزيّين الذين أتاحت لهم الظروف العمل أو الدراسة في الخارج، والذين أرادوا قضاء عيد الفطر الماضي مع عائلاتهم في القطاع قبل العودة إلى أعمالهم وجامعاتهم، وجدوا أنفسهم يفرون من مكان إلى آخر بحثاً عن الأمان، بسبب العدوان الإسرائيلي.
كان المصوّر الفوتوغرافي حسام سالم أحد الذين دخلوا غزة في أول أيام العدوان الإسرائيلي، على أمل أن يقضي بعض الوقت مع أسرته قبل العودة إلى عمله في تركيا. لكن في اليوم الثاني من العدوان الإسرائيلي على القطاع، استأنف عمله من غزة التي كان قد تركها في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2018، بعدما حاول مراراً السفر إلى تركيا في محاولة للعمل.
غادر سالم غزة بعدما كان قد غطى أحداث مسيرات العودة التي اندلعت في 30 مارس/ آذار عام 2018 على مدار ستة أشهر، واستشهد صديقه المقرب الصحافي ياسر مرتجى خلال تغطية المسيرات. أراد السفر عله ينسى بعض ما ألم به.
يعمل سالم مصوّراً مع عدد من الوكالات والصحف الدولية منذ 12 عاماً. وعند انتقاله إلى تركيا عام 2018، غطى قضايا اللاجئين على الحدود التركية مع أوروبا وسورية. كان ينظر للعمل خارج قطاع غزة بإيجابية، وذلك قبل تفشي كورونا الذي أثر على كل شيء.
يقول سالم لـ"العربي الجديد": "حين أغلقت إسطنبول ثلاثة أسابيع للحدّ من تفشي كورونا، قررت تمضية عيد الفطر مع عائلتي، والذهاب إلى البحر برفقتها. لكن بدلاً من أن أقضي الوقت معها، وجدت نفسي أعمل على تغطية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لموقع قناة الجزيرة الإنكليزي وصحيفة نيويورك تايمز". يرى أن العدوان الأخير على غزة هو الأخطر، إذ إن بعض المجمعات السكنية كانت تقصف مرة واحدة، وهذا مرعب، فالناس كانوا يواجهون تشرداً جماعياً يحصل مرة واحدة بعد قصف مبنى أو تهديد مبنى سكني كبير. ويشير إلى أن عائلته تضررت بفعل العدوان الأخير، وقد قصفت قوات الاحتلال أهدافاً بالقرب من منزلها، كما استشهد أحد أقاربه خلال العدوان.
يضيف أن الكثير من الغزيين، بعدما فتحت بعض الدول، وخصوصاً تركيا، أبوابها أمامهم للدراسة والاستقرار، قرروا السفر إلى غزة بعد تخفيف تدابير الوقاية من فيروس كورونا خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، بهدف قضاء وقت قصير مع أسرهم. ويقول: "كثيرون يريدون السفر إلى خارج قطاع غزة للابتعاد عن شبح البطالة. البعض يجد غزة أفضل من الخارج، على عكس آخرين".
أما إسراء نوفل، فكانت تنوي قضاء أسبوعين مع والدتها خلال إجازة عيد الفطر قبل أن تعود لاستكمال رسالة الدكتوراه في ماليزيا. وصلت إلى غزة قبل أسبوع من حلول عيد الفطر، وكانت تنوي قضاء الوقت مع والدتها، هي التي لم تزر غزة منذ عام 2017، ليبدأ العدوان الإسرائيلي بعد أربعة أيام من وصولها.
أخلت أسرة نوفل منزلها القريب من منطقة أنصار، غرب مدينة غزة، بعد تهديد المنطقة بالكامل. تذكرت العدوان الإسرائيلي عام 2014، عندما اضطرت الأسرة إلى التوجه إلى منزل عمها القريب من شاطئ بحر الشيخ عجلين. لكن خلال هذا العدوان، انتقلوا إلى منزل خالهم الواقع في شارع الجلاء، وسط مدينة غزة.
كان برفقة نوفل أربع من صديقاتها اللواتي تشجعن للمجيء إلى غزة وقضاء الوقت مع أسرهن في ظل الإجازة التعليمية في ماليزيا. تقول نوفل لـ"العربي الجديد": "للأسف، كنا على موعد مع صدمة أخرى. حاولنا تناسي ما عشناه في حياتنا خلال وجودنا في ماليزيا. لكن يصعب على الفلسطينيين، وخصوصاً الغزيين، تناسي خوف وهموم كبروا معها. وكان العدوان الأخير قاسياً لأن الجميع مستهدفون والضربات عشوائية وشرسة. لكن الشيء الإيجابي الوحيد أنني كنت إلى جانب أمي".
أما محمد الجزار، الذي يعمل في إحدى الشركات التكنولوجية في دبي منذ خمس سنوات، ولم يزر غزة منذ ذلك الوقت، فقد وصل إلى القطاع في الخامس من مايو/ أيار هذا العام، أي قبل ستة أيام من العدوان الإسرائيلي، وواجه ظروفاً نفسية صعبة خلال العدوان برفقة أسرته التي تقيم في حي الرمال، وسط مدينة غزة، والذي تعرض لدمار ومجازر إسرائيلية عدة.
يقول الجزار لـ"العربي الجديد": "عندما كنت في دبي، نسيت أموراً كثيرة، مثل انقطاع الكهرباء والمياه والكثير من التفاصيل التي يحرم منها سكان قطاع غزة. إلا أن هذا العدوان كان صادماً بالنسبة لي، فقد ذكرني بكل المأساة التي عشتها طوال سنوات شبابي التي سلبها مني الاحتلال الإسرائيلي. وبدلاً من قضاء الوقت مع والديّ وأشقائي، رحت أتابع الأخبار والقصف. وصار زملائي في الشركة يحاولون الاطمئنان عليَ كلما سمعوا خبراً. ويسألونني: هل القصف بعيد عنك؟".