عادت مخاوف المعلمين السوريين في تركيا من الفصل بعد إبلاغ نحو 60 معلماً، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كانوا يعملون في 21 ولاية تركية، الاستغناء عن خدماتهم وإنهاء العقد الموسمي الموقّع بين المعلم من جهة، ومديرية التعليم مدى الحياة في وزارة التربية التركية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" من جهة أخرى.
وتختلف الأسباب بحسب مصادر متطابقة، بين تزوير شهادات الثانوية العامة أو عدم الالتزام بساعات الدوام، فيما الغالبية تتعلق بمخالفات القانون التركي. وتقول المعلمة وسام جمل لـ "العربي الجديد": "كنتُ في المدرسة يوم الجمعة في العاشر من الشهر الجاري، حين استدعتني المديرة لتبلغني بقرار إنهاء عقد التطوع من دون أن تذكر الأسباب، وطلبت مني التوقيع على إنهاء التعاقد، لكنني رفضت".
تتابع جمل أنها بدأت التعليم في ولاية أورفا التركية منذ عام 2014. "تخرجت من كلية التجارة في جامعة دمشق عام 2010، ولديّ سنوات من الخبرة في التعليم كوني مارست هذه المهنة في سورية. لكن لم تشفع لي السنوات الست في التعليم التي بدأتها من دون أجر، ثم بأجر 500 ليرة تركية (63 دولاراً أميركياً) قبل أن نخضع لثلاث دورات تأهيلية ونحصل على شهادة "A2" باللغة التركية. بعدها، أصبح راتبي في العام الأول من توقيع عقد التطوع 900 ليرة (113 دولاراً)، وزاد مع كل تجديد عقد حتى وصل إلى 2020 ليرة تركية اليوم".
وتشير جمل إلى أن العقد الموقع مع "يونيسف" لا يتضمن أي تأمين أو حقوق للمعلمين السوريين، بل وينفي عنهم صفة المعلّم، قائلة: "يصفنا العقد بالمتطوعين". وحول شكل الاعتراض الذي سلكته المعلمة المفصولة، تقول: "ذهبت إلى المدرسة وتقدمت بكل الأوراق التي تثبت التزامي بالعقد مع عريضة لتبيان أسباب الفصل، كما فعلت الشيء ذاته في مديرية التربية في مدينة أورفا، وأنتظر الرد".
من جهته، يرى المعلم السوري أحمد جميل نبهان أن العقد الموقّع أساساً بين المعلم السوري ومديرية التعليم مدى الحياة في التربية التركية و"اليونيسف" لا يتضمن أية حقوق ومعايير. وليس مستغرباً أن يكون الفصل من دون ذكر الأسباب؛ "للأسف، اسمنا متطوعين ولدينا عقد موسمي يجدد سنوياً". ويقول نبهان، الذي يتابع مع المديرية قضية فصل المعلمين: "تأتينا إجابات تتعلق بأسباب أمنية، فنتوقف عن السؤال. لكن هذه الإجابة عامة وحمالة أوجه، لذا نسعى مع اللجنة السورية التركية المشتركة ومديرية التربية والتعليم مدى الحياة لمعرفة الأسباب. ولا ننكر أن بعض المعلمين قد تقدموا أساساً بشهادات مزورة وبعضهم يرتكب مخالفات، لكن حبذا لو تذكر الأسباب في ظل تزايد المخاوف التي بدأت تشمل جميع المعلمين السوريين في تركيا".
يضيف جميل لـ "العربي الجديد": "بعض الشائعات تقول إنه سيكون هناك فصل تدريجي لتقليص عدد المعلمين إلى النصف، وبالتالي تزداد زيادة أجورنا المثبتة منذ العام الماضي، وهي الأجر الأقل في تركيا على الإطلاق. لكن على الأرجح، لن يكون هناك فصل جماعي كما بدأ يشاع، لأن للمعلم السوري بعد دمج التلاميذ السوريين في المدراس التركية، مهام تتعلق بالترجمة والتواصل مع الأهل والإشراف عليهم، وهي مهام لا يقوم بها المعلمون الأتراك".
بعض الشائعات تقول إنه سيكون هناك فصل تدريجي لتقليص عدد المعلمين إلى النصف
وفي حين يبلغ عدد المعلمين السوريين في تركيا 12.350 معلماً، يزيد عدد التلاميذ السوريين عن 78 ألفاً، يتعلمون في المدارس التركية الحكومية مجاناً، بعد عملية الدمج التدريجي التي استمرت خمس سنوات، قبل أن يتم إغلاق مراكز التعليم المؤقتة ويتحول جميع الطلاب السوريين للمدارس التركية منذ مطلع العام الدراسي الحالي.
ويرى المعلم حازم العلي، وهو في رابطة المعلمين السوريين، أن أسباب فصل المعلمين تتعلق بمخالفات لشروط العقد (تزوير) أو لمخالفات قانونية، وهي لأعداد محددة، مستبعداً خلال حديثه لـ "العربي الجديد" فصل المعلمين السوريين على الأقل، قبل أن ينتهي العقد الموقع مع "يونيسف" منتصف العام المقبل، علماً أنه قابل للتجديد.
ويكشف التربوي السوري أن ثمة مبالغات في ما يقوله بعض المعلمين: "حاولنا ضبط قضية الفصل عبر معرفة الأسماء ومواقع التدريس، ففوجئنا بأن تاريخ معظم المفصولين يعود لعام 2014، وقت بدأت تركيا التدقيق في شهادات الثانوية التي قدمها المعلمون". يتابع: "كنت ضمن اللجنة التي كلفتها مديرية التربية التحقق من تزوير الشهادات. وفعلاً، اكتشفنا العديد من شهادات الثانوية المزورة"، موضحاً أن لدى تركيا أسماء الحاصلين على شهادة الثانوية العامة في سورية حتى عام 2013. ولو كانت تملك قوائم بأسماء خريجي الجامعات، لتم اكتشاف تزوير أكثر. لكن نظام الأسد (الرئيس السوري بشار الأسد) لا يزود تركيا بتلك المعلومات".
ولا ينكر العلي أن لدى مديرية التعليم مدى الحياة خطة لتخفيف بعض الأعداد لأنهم فائضون عن الحاجة "تم طرح هذه الفكرة خلال اجتماع لنا بأنقرة" ولكن ليس كما يشاع وسيطاول الفصل المخالفين فقط.
وعلمت "العربي الجديد" أن رابطة المعلمين السوريين بالتعاون مع اللجنة السورية التركية المشتركة، تعد الآن قوائم بالمفصولين لتقديمها لمديرية التعليم مدى الحياة ومكتب منظمة "يونيسف" في أنقرة، لإعادة التدقيق وتبيان أسباب الفصل .
إلى ذلك، يقول عضو اللجنة السورية التركية المشتركة، جلال ديمير: "هناك تضخيم وخلط بين المفصولين منذ سنوات وأولئك الذين يتم إنهاء عقودهم اليوم. تمّ التأكد من أن المفصولين سابقاً قد ارتكبوا مخالفات وتزويرا وأقروا بالأمر. ولم يعلن عن أسمائهم كمزورين بناء على العقد الأخلاقي الموقع معهم في ذلك الوقت". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "مخالفة القوانين هي السبب الرئيسي للفصل اليوم، وهذا يشمل المعلمين الأتراك. وهناك تنسيق بين الدوائر التركية ووزارة التربية لمعرفة أسماء المخالفين وتقدير العقوبات بما فيها الفصل"، نافياً أن يكون هناك خطة لفصل المعلمين السوريين قبل انتهاء العقد القابل للتجديد، نظراً لحاجة المدارس التركية التي تضم طلاباً سوريين إلى معلمين سوريين.
ويؤكد ديمير أن قضية فصل المعلمين مدرجة على جدول اجتماع اللجنة المقبل، وأنه تواصل مع المعنيين في العاصمة أنقرة لمعرفة الأسباب. ويوضح أن لمدير المدرسة دورا في فصل المعلم، إذ هناك شروط تتعلق بالدوام والالتزام ودورات التأهيل وإجادة اللغة على الأقل بحسب مستوى A2.