يعود العام الدراسي في فلسطين على وقع إضراب بالمدارس الحكومية في الضفة الغربية، اعتبره "حراك المعلمين الموحد" إضراباً "تحذيرياً جزئياً"، للمطالبة بصرف السلطة الفلسطينية الرواتب كاملة، التي تصرف بنسبة 80 في المائة منذ قرابة عامين، فضلاً عن إنشاء جسم نقابي للمعلمين.
ويتهم معلمون تحدثوا إلى "العربي الجديد"، مديريات التربية والتعليم بتنفيذ جملة تنقلات استباقية بين صفوفهم، وبين بعض مديري المدارس، ونشر العديد من المعلمين عبر مجموعات خاصة بهم، أو على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، قرارات نقلهم من المدارس التي كانوا يعملون فيها خلال العام الدراسي الماضي، إلى مدارس أخرى، معتبرين ذلك عقاباً على انخراطهم في الإضراب، ومحاولة لإفشال التحركات المقبلة.
في المقابل، نفت وزارة التربية والتعليم في تصريحات لـ"العربي الجديد"، وجود أي علاقة للتنقلات بالعقوبات، مؤكدة أنها تنقلات فنية تحدث في كل عام، وأنها أصدرت، السبت، تعميماً للمديريات للتعامل بمرونة مع اعتراضات المعلمين على التنقلات.
تقول سمر سمارة (54 سنة)، وهي مديرة مدرسة بنات فيصل الحسيني الأساسية في رام الله، لـ"العربي الجديد"، إنها تلقت خلال اجتماع للمديرين في مديرية تربية رام الله والبيرة، يوم الخميس الماضي، قراراً بنقلها من المدرسة التي تضم 740 طالبة، و22 شعبة صفية، و44 كادراً تعليمياً، إلى مدرسة في قرية برقا شرق رام الله، التي تضم 97 طالبة، وخمس معلمات وخمسة صفوف مدرسية.
واعتبرت سمارة أنّ "القرار عقاب وتحجيم لي بعد عشرة أعوام من إدارتي لمدرسة فيصل الحسيني الأساسية، وتحويلها إلى مدرسة نموذجية، خصوصاً أن نقلي كان إلى مدرسة خارج مدينة رام الله، ما يضطرني إلى قطع مسافة طويلة للوصول إليها، فضلاً عن أنها ليست موازية في ظروفها للمدرسة التي كنت أعمل فيها. القرار جاء بسبب انخراطي في إضراب المعلمين، رغم أن الإضراب لم يكن ضد أشخاص، أو ضد الوزارة، وأردت من المشاركة فيه أن أبقى ضمن أسرة المدرسة التربوية التي تطالب بحقوقها، وألّا أنسلخ عنها. هذا القرار ثمن لما أعتبره كلمة حق، وقد تعرضت خلال الإضراب السابق لقرار وقف عن العمل، وجرى التراجع عنه لاحقاً".
تتابع: "كنت أقول إنني مضربة لكي أكون جزءاً من مدرستي، وليس لدي أيّ انتماءات إلا إلى مهنتي، لم أكن أريد بعد سنوات من بناء فريق وأسرة تربوية أن يحصل شرخ بين أفراد هذه الهيئة، ولذلك بقينا مدرسة متوازنة بعد انتهاء الإضراب، وقمنا بتعويض الطالبات في أيام السبت، رغم أنه إجازة رسمية، وقدمنا لهم حصصاً إضافية".
وتردّ سمارة على تبرير الوزارة قرارات النقل بأنّها جزء من التدوير في المواقع، قائلة إنها مديرة مدرسة منذ عشر سنوات من أصل 28 عاماً من الخدمة في وزارة التعليم، وأن هناك مديرين يبقون في مدارسهم لأكثر من 15 عاماً، والنقل العادي يمكن أن يكون إلى وضع موازٍ داخل مدينة رام الله، لا إلى قرية بعيدة عن المدينة.
بدوره، يتهم المعلم صخر زهران (52 سنة) من قرية شبتين غرب رام الله، مديرية التربية والتعليم بتكرار التضييق عليه منذ الإضراب الماضي، مؤكداً أنه أحيل على لجنة تحقيق قبل ثلاثة أشهر بسبب صورة نشرها للصف المدرسي على موقع "فيسبوك"، لكن الفترة الأطول من نقاش اللجنة معه كانت حول الإضراب، ليتوصل مع اللجنة إلى طرح إمكانية تقديمه طلب تقاعد مبكر، وأشارت اللجنة إلى موافقتها على ذلك.
ينتظر زهران الرد على الطلب الذي قدمه بالفعل، لكنه لم يحصل على جواب بعد، بل حصل على قرار نقل إلى مدرسة كوبر شمال غرب رام الله، وهي مدرسة بعيدة عن مكان سكنه. ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "4 معلمين نُقلوا دفعة واحدة من مدرسة قرية شبتين، وأتوقع أن ذلك نابع من فكرة تفريق المعلمين الذين تعتقد مديرية التربية أنهم يشكلون تجمعاً مؤثراً في ملف الإضراب".
يضيف: "أعمل معلماً منذ 22 عاماً، والنقل يكون عادة بعد طلب المعلم نفسه، أو طلب مدير المدرسة، أو ناجماً عن مشكلات، لكن كل ذلك لا ينطبق عليّ، فتقديري الوظيفي جيد جداً، ونقلي مرتبط أساساً بنشاطي في حراك المعلمين والإضراب، وكل ذلك يخالف تعهدات أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، في إبريل/ نيسان الماضي، بعدم معاقبة أي معلم بسبب الإضراب بعد إنهائه".
ويؤكد زهران: "أهم شيء في مطالبنا إيجاد نقابة، أو إجراء انتخابات شفافة في الاتحاد، لكن للأسف أُعلن عن انتخابات من دون وجود أية جدية، وبتعديلات غير جوهرية على النظام الداخلي. يجب أن يكون انتخاب الأمانة العامة للاتحاد بشكل مباشر من المعلمين".
في المقابل، يقول الناطق باسم وزارة التربية والتعليم، صادق الخضور، لـ"العربي الجديد"، إن الوزارة أصدرت أمس الأول السبت، تعميماً للمديريات للتعامل بمرونة مع الاعتراضات على النقل، على اعتبار أن مثل هذه الاعتراضات تتكرر سنوياً.
ويتابع: "وجهنا المديريات إلى التعامل بمرونة، والوزارة تتابع الأمر، وإذا ثبت وجود تنقلات دون الاستناد إلى المعايير المعتادة، مثل المراكز، والتشكيلات، وحاجة المدارس، والتدوير الوظيفي الذي يعتبر أحد مبادئ العمل الإداري، لن ندخر جهداً للتراجع عن النقل الذي حصل خارج هذه الاعتبارات الفنية". ويؤكد الخضور أنّ "ملف التنقلات يجري التعامل معه سنوياً، وتتدخل الوزارة في حال وجود حاجة لذلك، وهناك حالات سنوية للتراجع عن التنقلات حين يثبت أن هناك نقلاً لمعلم من دون الاستناد إلى الأسس المرعية. الواقع أن التنقلات تحصل سنوياً، وكذلك الاعتراضات".
واعتبر "حراك المعلمين الموحد" في بيان له الجمعة، أن "التنقلات تعسفية، وتهدف إلى ترويض المعلمين"، مؤكداً أنها "جرت بالجملة، ولم يسبق لها مثيل"، داعياً المعلمين إلى الاعتراض على النقل عبر كتب رسمية، وعدم تنفيذها إلا في حال رغبة المعلم بالانتقال.
يقول عضو سكرتاريا لجان المعلمين الديمقراطيين، محمد عمارة، لـ"العربي الجديد"، إن "المعلمين الذين لم يقتنعوا بأسباب النقل، عليهم تقديم اعتراضات من أجل متابعتها لإنصافهم، ولا استطيع الحكم بشكل مسبق إن كانت التنقلات لأسباب فنية أو على خلفية الإضراب، لكني ضد أي إجراء يتخذ ضد المعلمين على خلفية الإضراب".
ويؤكد عمارة أن "العام الدراسي في خطر بسبب تعنت الحكومة، وعدم التزامها التعهدات التي قطعتها على نفسها، واستمرار صرف 80 في المئة من الرواتب منذ عامين، وهو ما أدى الى تراكم الديون على المعلمين والمعلمات والموظفين. الخطورة تكمن في أن المعلمين وصل بهم الحال إلى حد لا يطاق، وهذا ينذر بأن مجموعة منهم لن تستطيع الانتظام في الدوام، أو أن يقوم جزء منهم بخطوات تصعيدية لإلزام الحكومة بإنصافهم. ما يمكن أن يشكل إنقاذاً للعام الدراسي، التزام الحكومة تعهداتها في الاتفاق مع الاتحاد، وانتظام الرواتب، وجدولة المستحقات، وصرف العلاوات".
وقرر حراك المعلمين بدء العام الدراسي بإضراب تحذيري جزئي بعد الحصة الثالثة، وذلك حتى إقرار صرف راتب شهر أغسطس/ آب الجاري، مطالباً بصرف المرتبات كاملة، إضافة إلى إجراءات أخرى. كذلك طالب الاتحاد العام للمعلمين التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، الاثنين الماضي، في بيان، الحكومة بضرورة الانتظام في صرف الرواتب كاملة، وصرف علاوة مستحقة بقيمة 5 في المائة عن شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط الماضيين، كانت الحكومة قد أجّلت صرفهما، والتزام صرف علاوة 10 في المائة متفق عليها مسبقاً قبل نهاية العام الجاري.
ودعت لجان المعلمين الديمقراطيين في بيان، السبت، الحكومة إلى تحمّل مسؤولية إنقاذ العام الدراسي، وضرورة التزام تنفيذ الاتفاق الموقع مع اتحاد المعلمين. وطالب المعلمون الذين انخرطوا في الإضراب السابق، بإنشاء نقابة مهنية لهم، أو إجراء انتخابات ديمقراطية في اتحاد المعلمين، وكان الاتحاد قد أعلن انطلاق العملية الانتخابية قريباً بعد تعديل نظامه الداخلي، لكن حراك المعلمين اعتبر الاتحاد مفرغاً من محتواه، داعياً المعلمين إلى عدم الانتساب إليه.