معرة النعمان "كالأم لا تُنسى"

معرة النعمان "كالأم لا تُنسى"

04 مارس 2022
فرت هذه العائلة من معرة النعمان (محمد سعيد/ الأناضول)
+ الخط -

ثلاث سنوات مضت على يناير/ كانون الثاني الأسود الذي سقطت فيه معرة النعمان (جنوبي محافظة إدلب)، بين أيدي جنود النظام السوري ومليشياته، ليستباح كلّ ما هو جميل وأصيل في هذه المدينة ذات الجذور العميقة في التاريخ، وتبقى بعد هذه السنوات ذكريات المهجرين من أهلها ونازحيها تلاحقهم في شتات المخميات، وتحيي في نفوسهم الأمل بالعودة إلى مدينتهم يوماً ما.  
يقول الناشط خليل خديجة، ابن المدينة الذي يقيم حالياً في ريف إدلب الشمالي، إن "الخروج من المدينة كان كابوساً بالنسبة لأهل معرة النعمان. حتى اليوم، هناك صعوبة في التعامل مع الذي فرض علينا. كما أن تقبّل الحياة خارج المدينة لم يكن سهلاً، وهناك استغلال للنازح من ناحية أجور المنازل"، ويشير إلى أن استغلال النازحين واضح على الرغم من الصعوبات المعيشية والسكن في المخيمات التي لا تتوفر فيها أدنى خدمات العيش. كما أن إنشاء مساكن للناس من الصعب أن ينسيهم العودة لبيوتهم. نحلم بالعودة للمدينة وبيوتنا وأراضينا".
ويحمل خديجة الكثير من الذكريات عن بيته والمدينة وساحتها التي شهدت تظاهرات حاشدة، وشقيقه وابن عمه اللذين استشهدا في المدينة ولا يمكن له حتى زيارة قبريهما، مضيفاً أن "المشاهد تتكرر دوماً ولا تفارق ذاكرتي أبداً، وكأنّني أعيشها في الواقع". المدينة كانت شاهدة على وحشية جنود النظام، وهمجية آلة القتل الروسية التي تدخلت لإسقاطها. ومن المشاهد الراسخة في أذهان أهالي المدينة قصة أحمد الحصري، الذي لقب بـ"شهيد معرة النعمان" ووثقت كاميرا وكالة "آنا" الروسية لحظات صموده، إذ تدخلت الدبابات الروسية لإنهاء حياته. أيضاً، ما زالت قصة إحراق المسنّ أحمد الجفال بعد قتله على يد جنود النظام شاهدة على ما مرت به المدينة، إذ أعدم بعد إحكام سيطرة قوات النظام عليها في 29 يناير/ كانون الثاني 2020، ومن ثم أحرقت جثته.
محمود المرّ، وهو من أبناء المدينة، بقي حتى فترة قريبة في المدينة قبل اقتحامها من قبل النظام السوري بمساندة روسيا. ويقول في حديثه لـ"العربي الجديد": "كان خروجي من المدينة هو الأول منذ اندلاع الثورة. يوم خرجنا من المعرة الحبيبة أصبنا بالذهول والجمود والحيرة والدهشة. لم نصدق أننا أخرجنا من ديارنا، ولم نستطيع تقبل الحياة بداية الأمر ومع مرور الزمن رضخنا للواقع المرّ، في ظل اللااستقرار في السكن بسبب التنقل من مكان لآخر ومن بيت إلى آخر وغلاء بدلات إيجار البيوت. أنا لا أحلم بالعودة بل أجزم بأننا عائدون، أمنيتي أن أزور قبر الشهيدين أمي وابني المعتصم بالله".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وشبه خليل أبو علي خروجه من المعرة بخروج الروح من الجسد، ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن مغادرة المدينة كانت أمراَ بالغ الصعوبة. "لقد عانينا جداً من تغير البيئة المحيطة بنا وابتعدنا عن الأقارب والأصدقاء، وخصوصاً الأطفال الذين وجدوا صعوبة كبيرة في الالتحاق بالمدارس. ما زلنا نعاني من النزوح والتهجير بسبب بدلات الإيجارات وأصحاب البيوت ونظرتهم للنزوح. نحلم بالعودة إلى مدينتا ففيها عزنا".
ويصف أبو علي مدينته بالأم، قائلاً: "إنّها كالأم لا تُنسى، عشنا طفولتنا فيها وشربنا من مائها وأكلنا من خيرها وتربينا فيها". أما أمجد الأسعد، فتحدث عن مكانة المدينة كونها حاضنة في المنطقة، ويقول لـ"العربي الجديد": "مدينة معرة النعمان كانت صلة الوصل بين الريف الجنوبي، وهو منطقة جبل الزاوية ومدينة كفرنبل، والريف الشرقي امتداداً باتجاه بلدة سنجار التي تبعد نحو 40 كيلومتراً. ومعرة النعمان هي المدينة الأكبر في محافظة إدلب نسبة للمنطقة الصناعية فيها أو الحركة الصناعية في المدينة، وكانت تشتهر بكثير من الأمور التراثية، منها صناعة العباءات والحلويات، وفيها عدة أسواق شعبية، منها سوق السبت، الذي كان مقصداً لغالبية سكان الريف، الذين كانوا يقصدون المعرة للحصول على حاجياتهم منها".

بعض من الدمار الذي حلّ بمعرة النعمان (منيب تيم/ الأناضول)
بعض من الدمار الذي حلّ بمعرة النعمان (منيب تيم/ الأناضول)

يتابع الأسعد: "المعرة كانت نقطة تجمع الريف وحاضنة لأبناء الريف، وفيها شارع الكورنيش وهو من أجمل الشوارع، وهو سوق يزدحم قبل العيد بحوالي شهرين، ويشتهر بالأجواء الرمضانية وفيه الكثير من أفران الحلويات والمعروك (معجنات محشوة بالتمر)، وفيها الجامع العمري المعروف بقدمه، والقلعة، ومتحف مدحت باشا، بالإضافة إلى شارع أبي العلاء المعري، ومنها ما دمر بشكل كامل ومنها ما دمر بشكل جزئي من خلال القصف الجوي والقذائف"، ويقول: "كأحد أبناء المدينة، أحمل في قلبي حباً لكل شبر فيها. في كل فترة أستعيد بعض الذكريات بمشاهدة صور من المدينة، صور الجامع والمعالم الأثرية فيها، وصور التقطت في شوارعها. أحبس دموعي في كثير من الأحيان".

بلغ عدد سكان المدينة قبل الثورة عام 2011 حوالي 100 ألف نسمة، ودمر النظام أجزاء من الجامع العمري في المدينة، وقصف أيضاً المتحف فيها، ونهبت المليشيات التابعة له ضريح الخليفة عمر بن عبد العزيز، وأحرقته أيضاً، ولم يسلم من بطشها ضريح صاحب "رسالة الغفران" أبو العلاء المعري الذي نهب أيضاً. والمدينة تقع في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب وهي من أكبر مدن المحافظة، والتهجير الذي حصل فيها لا يزال يشكل صدمة بالنسبة لسكانها في شتاتهم حتى الوقت الحالي.

المساهمون