مصير اتفاق الجوائح ما زال مجهولاً في الدورة الـ77 لجمعية منظمة الصحة العالمية

30 مايو 2024
من الدورة الـ77 لجمعية منظمة الصحة العالمية في جنيف، 30 مايو 2024 (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في اجتماع جنيف، تواجه 194 دولة عضو في منظمة الصحة العالمية تحدي الاتفاق على "مصير اتفاق الجوائح" لتجنب كوارث مثل جائحة كورونا، دون التوصل لمسودة نهائية بعد محادثات طويلة.
- الدول الأفريقية تظهر استعدادًا للاتفاق سريعًا بينما تقترح الولايات المتحدة تمديد المحادثات عامين إضافيين، مما يعكس خلافات حول القضايا الأساسية للاتفاق.
- الدورة الـ77 تناولت أيضًا تحديات الذكاء الاصطناعي في الصحة والتغطية الصحية الشاملة، مؤكدةً على أهمية تسخير الذكاء الاصطناعي بمساواة وحماية حقوق الإنسان وتحقيق "الصحة للجميع" كمسؤولية مشتركة.

تمضي الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية في اجتماعها السنوي الذي كان قد انطلق يوم الاثنين الماضي في 27 مايو/ أيار الجاري، علماً أنّه يستمرّ حتى يوم السبت المقبل في الأوّل من يونيو/ حزيران. لكنّ الدول البالغ عددها 194 لم تتّفق بعد على أبرز النقاط المطروحة في الدورة السابعة والسبعين لجمعية الصحة العالمية، أي "مصير اتفاق الجوائح".

وهذا الاتفاق الذي من شأنه تجنيب البشرية ما نجم من كوارث عن جائحة كورونا على صعيد العالم ككلّ، يشدّد عليه خصوصاً المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس منذ ما قبل تلاشي الأزمة الوبائية الأخيرة الذي سبّبها فيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2) وقد ظهر في أواخر عام 2019.

وبعد فشل المحادثات والجهود التي استمرّت عامَين ونصف عام من أجل التوصّل إلى مسوّدة تتبنّاها الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية بشأن مواجهة الجوائح المقبلة، فإنّ مسؤولية البتّ في هذه القضية الجوهرية تقع على عاتق جمعية الصحة العالمية التي تُعَدّ الجهاز الأعلى لاتخاذ القرار في المنظمة. يُذكر أنّ الجمعية التي تجتمع مرّة سنوياً، والتي تحضرها وفود من كلّ الدول الأعضاء في المنظمة، وظيفتها الرئيسية تحديد سياسات الوكالة الصحية التابعة للأمم المتحدة، علماً أنّها تتولى كذلك تعيين المدير العام للمنظمة ومراقبة السياسات المالية التي تنتهجها الأخيرة.

وفي جمعية الصحة العالمية التي تُعقَد في قصر الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية، تتباين وجهات النظر حول الخطوة المقبلة الواجب اتّخاذها لإبرام اتفاق عالمي بشأن كيفية التصدّي لأيّ جائحة قد يشهدها كوكبنا في المستقبل، بعد انقضاء المهلة المحدّدة للتوصّل إلى اتفاق في هذا الإطار. وفي حين تبدو الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية توّاقة إلى البناء على التقدّم الذي أُحرز حتى الآن، والذي يدفع في اتّجاه اتفاق بشأن الوقاية من الجوائح والاستعداد والاستجابة لها، برزت خلافات بشأن وضع خريطة طريق نحو اتفاق مستقبلي.

وبرز تباين كبير ما بين أفريقيا والولايات المتحدة الأميركية بشأن المدى الزمني لعملية وضع اتفاق الجوائح، في خلال مناقشات تقييم الوضع في الدورة الـ77 لجمعية الصحة العالمية في جنيف. وبدت الدول الأفريقية موحّدة في التعبير عن استعدادها للاستفادة من الزخم وإنجاز اتفاق الجوائح في الأشهر المقبلة، في حين حضّت واشنطن الدول على العمل برويّة من أجل التوصّل إلى أفضل اتفاق ممكن، مشيرةً إلى أنّ العملية قد تستغرق عامَين.

وبعد التداعيات الكارثية لجائحة كورونا التي أودت بحياة الملايين وضربت الاقتصاد وسبّبت انهيار أنظمة صحية بأكملها في مختلف أنحاء العالم، استغرقت دول عامَين في محاولة التوصّل إلى تعهّدات ملزمة بشأن الوقاية من الجوائح والاستعداد والاستجابة لها. لكنّ المفاوضات انتهت يوم الجمعة الماضي، في 24 مايو الجاري، من دون التوصّل إلى اتفاق نهائي، على الرغم من إعراب دول عن استعدادها لمواصلة بذل الجهود من أجل ذلك.

وكانت المحادثات قد اكتسبت زخماً في الأسابيع الأخيرة، إنّما من دون التوصّل إلى اتفاق قبل انعقاد الدورة الـ77 لجمعية الصحة العالمية. والجمعية هي التي فوّضت صياغة اتفاق بشأن الجوائح في ديسمبر/ كانون الأول 2021، ويتوجّب عليها الآن التوصّل إلى قرار بشأن كيفية المضيّ قدماً بعد التقدّم الذي أُحرز.

في هذا الإطار، أعلن ممثّلو جنوب أفريقيا، باسم 47 دولة أفريقية، أنّ القارة تطالب بـ"اتفاق منصف". وشدّد هؤلاء على وجوب مواصلة المحادثات وعدم إعادة التفاوض على فصول سبق أن تمّ التوافق عليها. وأصرّوا على إمكان التوصّل إلى اتفاق بشأن نقل التكنولوجيا والدراية إلى بلدان نامية، وتنويع الإنتاج جغرافيا، والوصول إلى مسبّبات الأمراض وتقاسم الفوائد المستمدّة منها مثل اللقاحات والتمويل المستدام. ورأت جنوب أفريقيا أنّه "حتى يكون الاتفاق ذا مغزى، لا بدّ من أن يُحدث تغييرات جوهرية في الوضع القائم".

لكنّ رئيسة الوفد الأميركي المفاوض باميلا هاماموتو أشارت إلى أنّ ثمّة "خلافات ما زالت قائمة حول القضايا الأساسية المحورية للاتفاق". أضافت: "لا نعتقد أنّ تمديداً لبضعة أشهر سوف يحقق ذلك (التوصّل إلى حلّ العالق)... نعتقد أنّ من الضروري التمديد لعام أو عامَين".

وفي اليوم الثاني من الدورة السابعة والسبعين لجمعية الصحة العالمية، كرّرت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية أنّ العالم يحتاج إلى اتفاق الجوائح الذي يأتي مبنياً على مبادئ الإنصاف والسيادة والوقاية والتأهب والاستجابة، من أجل ضمان حماية الأجيال المقبلة من تهديد الجوائح المستقبلية الحتمية. وتوافقت تلك الدول على مواصلة العمل، في خلال هذا الاجتماع السنوي، بهدف وضع توقيت لإبرام اتفاق الجوائح وشكله وعمليته، إلى جانب وضع الصيغة النهائية لمجموعة التعديلات على اللوائح الصحية الدولية التي مضى عليها نحو عقدَين (2005)، والتي وافقت عليها الدول الأعضاء "من حيث المبدأ"، بحسب ما أفاد به المدير العام لمنظمة الصحة العالمية قبل انعقاد هذه الدورة. يُذكر أنّ تبنّي اللوائح الصحية العالمية جرى في عام 1969، وهي تشكّل إطار العمل القائم الملزم قانوناً على الصعيد الدولي للاستجابة إلى الطوارئ الصحية العامة حول العالم.

في موازاة قضية اتفاق الجوائح الشائكة، تبحث الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية قضايا أخرى لا تقلّ أهمية في الدورة السابعة والسبعين من اجتماعها السنوي، وذلك تحت الشعار المرفوع "الجميع من أجل الصحة والصحة من أجل الجميع". ولعلّ تحديات الذكاء الاصطناعي والصحة من أبرز تلك القضايا التي جرى تناولها اليوم، ولا سيّما أنّ هذه التقنيّة تسلّلت إلى كلّ القطاعات محاولةً إثبات حضورها. وبالتالي، أتت مناقشات اليوم في إطار البحث الاستراتيجي في كيفية تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة، مع ضمان المساواة والشمول وكذلك الحماية المناسبة لحقوق الإنسان وخصوصيته، خصوصاً مع المخاوف المتكاثرة إزاء هذه النقاط تحديداً.

من جهة أخرى، كان بحث في الفرص الجديدة المحورية المتاحة للدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية لإعادة وضع "الصحة للجميع" مسؤوليةً مشتركةً في كلّ القطاعات ومحرّكاً قوياً للتنمية المستدامة والعادلة والهادفة. وتناول المشاركون في جمعية الصحة العالمية موضوع الاقتصاد وتمويل الصحة وتأمين الرفاهية للجميع، وذلك من خلال طرح رؤية جديدة جريئة لتحقيق التغطية الصحية الشاملة.

(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون