مساجد الأهالي بالإسكندرية المصرية تدعم المقاومة في غزة.. ومنابر الأوقاف تدعو إلى "الصبر"
تحوّلت مساجد الإسكندرية، شمالي مصر، إلى منتديات للحديث والتباحث حول دعم أهالي غزة عقب صلاة الجمعة اليوم، إذ تجمع المصلون في هذه المساجد لمناقشة الوضع في غزة وللتبرعات المالية والإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
ورصد "العربي الجديد" تجمع المصلين في الباحات الخارجية لعدد كبير من مساجد الإسكندرية بعد أداء صلاة الجمعة، للحديث عن القضية الفلسطينية والتعبير عن فرحتهم بالتوصل إلى هدنة، والتأكيد على أهمية دعم أهالي غزة في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر، والذي قارب على إتمام شهرين كاملين.
وفي مساجد وزارة الأوقاف (الحكومية)، التزم الأئمة وخطباء المنابر بالخطبة الرسمية المحددة من قبل الوزارة، وموضوعها عن "أهمية الصبر والاحتساب للمؤمن"، وربطوا ذلك في الجزء الأخير من الخطبة بالحرب الإسرائيلية على غزة.
أما مساجد الأهالي والزوايا، لا سيما في المناطق البعيدة عن منتصف المدينة، فقد ركّز الأئمة بشكل كامل خلال الخطبة على وجوب دعم المقاومة الفلسطينية، وقدم الخطباء خطابات مؤثرة حول الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني وضرورة الوقوف بجانبه.
وعقب الصلاة، تبادل المصلون أطراف الحديث حول المؤسسات الموثوقة التي يمكنها تلقي المساعدات والتبرعات التي تُقدم لأهالي غزة، وأبدى الكثير من المصلين الرغبة في التبرع بالأموال والسلع الغذائية والمستلزمات الطبية والملابس لتوجيهها إلى الفلسطينيين، لدعمهم في مقابل ما يعانونه من حصار ودمار ناجم عن العدوان.
ويقول الشيخ محمد. س، إمام وخطيب أحد المساجد في غرب الإسكندرية، اشترط على "العربي الجديد" عدم الكشف عن هويته خوفًا من المسائلة القانونية: "نحن نؤمن أنّ القضية الفلسطينية هي قضية الأمة بأسرها، وعلينا أن نتكاتف لدعم إخوتنا في غزة ومساندتهم في مواجهة الاحتلال".
وأضاف: "نساهم كأئمة وخطباء في دعم مبادرات إغاثة الأشقاء المقاتلين في غزة عبر مساجد الإسكندرية، لإشعال جذوة التضامن والتلاحم في مواجهة الأعداء التاريخيين للعرب والمسلمين في قلوب المصلين".
وتحدث رواد مسجد الفتح بمنطقة العوايد شرق الإسكندرية عن مخاوفهم من المستقبل بعد انتهاء فترة الهدنة في غزة، التي بدأت صباح الجمعة، وعبروا عن قلق يسودهم بشأن ما قد يحمله المستقبل بعد انقضاء هذه الفترة.
وقبل الانصراف من المسجد، رفع سعيد عبد الرحمن (53 عامًا) يديه بالدعاء إلى الله بأن تكون الهدنة فرصة حقيقية لتقديم الدعم اللازم للفلسطينيين المتضررين.
وأشار إلى أن آثار العدوان الإسرائيلي انعكست على الحياة اليومية للأسر المصرية، إذ أضحى شراء احتياجات المنزل أو مشاهدة التلفاز أو إقامة احتفال أسري أو غيره، يخضع للكثير من المعايير التي لم تكن في الحسبان قبل الحرب.
وأضاف: "كانت مشترياتنا تخضع لمعايير السعر والجودة فقط، ولكنها الآن تخضع لرقابة ذاتية شديدة، بعد العدوان، بات علينا أن نتأكد من كل سلعة نضعها في سلة الشراء، هل هي من ضمن القائمة المقاطعة لدعمها الاحتلال".
وينضم محمد سعدون، وهو يعمل موظف في شركة قطاع خاص، إلى الحديث بابتسامة خافتة، فيقول آملاً: "كانت الأحداث المؤلمة في غزة تمر فقط عبر شاشات التلفاز، ولكن الآن وجدت طريقها إلى قلوبنا ومشترياتنا"، مضيفًا: "كنت أعتقد أن الاقتصاد الشخصي لا يمكن أن يؤثر في القضايا العالمية، ولكن بعد أن شاهدت تأثير العدوان على أشقائنا في غزة، أدركت أن قراراتنا الصغيرة يمكن أن تحقق فرقًا حقيقيًا".
وأبدى سعدون فرحته ببدء سريان الهدنة في غزة التي يدعمها بمقاطعة بضائع الدول التي تدعم الاحتلال الاسرائيلي، موضحًا: "أريد أن أتأكد أنني لا أساهم في دعم الظلم والاحتلال، بل أدعم العدالة والحرية، وأعلم أبنائي العزيمة والإصرار على المبدأ والعيش بكرامة ودعم الضعفاء والمحرومين في فلسطين".
ولم تكن مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال هي الزاوية الوحيدة التي تغيرت في حياة الأسر المصرية، إذ شهدت عادات مشاهدة التلفاز تغيرًا ملحوظًا في غالبية البيوت، كما يقول أحمد صالح عبد اللطيف، إذ أصبحت مشاهدة القنوات الإخبارية المهتمة بتغطية الأوضاع في غزة هي القنوات الوحيدة التي تجد الأسرة ملاذًا فيها، وأصبحت الصفحات الخاصة بأخبار الحرب الإسرائيلية على غزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي هي الأولى بالمتابعة.
ويضيف بحزن: "كنا في السابق نحاول تجنب مشاهدة الأخبار القاسية، ولكن لم يعد بإمكاننا تجاهلها، وأصبحت تلك الصور والتقارير تؤثر في قلوبنا، وتعكس الواقع الذي يعانيه الأشقاء في غزة".
كما تحدث الحاج محمد أبو العطا (موظف بالمعاش)، لـ"العربي الجديد"، عن ضرورة استغلال وقت الهدنة في زيادة الحملات والفعاليات التي تهدف إلى جمع التبرعات والدعم لفلسطين.
وتابع: "كنا نعتبر أنّ الدعم المحلي في مصر هو الأولوية في توجيه الإنفاق الخيري، ونقدم الصدقات وأموال الزكاة للفقراء والمحتاجين ممن حولنا ونعرفهم جيدًا، ولكن مع تصاعد الأحداث في غزة، تغيرت تلك الأولويات، حيث رفع الكثير من المصريين مقدار إخراج الصدقات وأموال الزكاة، على الرغم من ارتفاع الأسعار وضيق الحال، كما استبدلوا آليتها بإخراجها إلى أهالي غزة بدلًا من الفقراء في مصر، وذلك لدعمهم ومساندتهم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي".
وأضاف أبو العطا: "شعرنا بالحزن والألم عند رؤية الصور والتقارير عن العدوان الإسرائيلي على غزة، وكان واجبًا علينا كمسلمين أن نقف إلى جانب إخوتنا في غزة ونقدم المساعدة والدعم لهم في هذه المحنة الصعبة، ونتعاون مع المؤسسات الخيرية والجمعيات التي تقدم المساعدة لأهالي غزة لضمان وصول الدعم المالي والإنساني إلى من يحتاجونه بشكل فعال".