مصر: اقتراح بـ"تجريم" الرجل إذا تزوّج بامرأة ثانية من دون علم الأولى

29 نوفمبر 2021
جدال مستمر حول تعدد الزوجات (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

تسمح القوانين المصرية بتعدّد الزوجات، استناداً إلى الشريعة الإسلامية التي ينصّ الدستور على أنّ مبادئها مصدر رئيسي للتشريع. لكنّ هذا الموضوع يثير جدالاً دائماً في البلاد، لا سيّما في حال عدم علم الزوجة الأولى بالثانية.

كلّما سُرّب خبر ارتباط شخص مشهور في مصر بزوجة ثانية، يتجدّد الجدال حول الموضوع عموماً، فتشتعل منصات التواصل الاجتماعي، ويتعمّق الخلاف بين التيارات الفكرية المتباينة، ويتوسّع الجدال بين الإسلاميين والعلمانيين، وتشتبك المؤسسات الدينية والتنفيذية في الدولة. وهكذا هي الحال في البلاد، في الأيام القليلة الماضية، بعد انتشار خبر زواج بطل أولمبي شهير من امرأة ثانية من دون علم زوجته الأولى، بحسب ما أشيع في الصحافة المحلية. وعلى إثر ذلك، تقدّمت النائبة هالة أبو السعد بمشروع قانون لتعديل نص المادة 11 المتعلقة بتعدد الزوجات من دون علم الزوجة. كذلك طالبت النائبة أمل سلامة بتجريم الزواج الثاني من دون إخطار الزوجة الأولى، وبمعاقبة الزوج بالحبس في حال عدم إخطار الزوجة بشكل رسمي، وبالحبس والغرامة للزوج في حال عدم إقراره بحالته الاجتماعية في وثيقة الزواج.

وطالب عدد آخر من أعضاء البرلمان المصري بمناقشة سريعة لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، سواء من الأزهر الشريف أو من الحكومة، والذي يواجه مشكلات، من بينها ما يتعلّق بالحضانة والرؤية والزواج الثاني والطلاق الشفهي. فمشروع القانون الجديد يلزم الزوج في مادته 58 بأن يقرّ في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فيبيّن إذا كان متزوجاً اسم الزوجة أو الزوجات في عصمته ومحال إقامتهنّ في الإقرار، وعلى الموثّق إخطارهنّ بالزواج الجديد من خلال كتاب مسجّل مقرون بعلم الوصول. كذلك على المشرّع أن يضع في القانون عقوبة حاسمة للزوج المخالف تقضي بالحبس مدّة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تقلّ عن 20 ألف جنيه مصري (نحو 1270 دولاراً أميركياً) ولا تزيد عن 50 ألف جنيه (نحو 3180 دولاراً)، أو بإحدى هاتَين العقوبتَين. ويعاقب بالعقوبة ذاتها المأذون المختصّ في حال عدم التزامه بما أوجبه النصّ عليه من إخطار الزوجة أو الزوجات بالزواج الجديد. تجدر الإشارة إلى أنّ قانون الأحوال الشخصية الحالي يتضمّن في المرسوم رقم 25 لسنة 1929 المعدّل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 والقانون رقم 4 لسنة 2005 في المادة 11 منه، تعدّد الزوجات من دون علم الزوجة.

وفي هذا السياق، استشهد أعضاء في مجلس النواب ومؤسسات صحافية مصرية بتصريح منسوب إلى شيخ الأزهر أحمد الطيب على إثر واقعة مماثلة في عام 2019، عرّف فيه وشرح فلسفة التعدّد في الدين الإسلامي على مسؤوليته الكاملة. فأكد أنّ "من يقولون إنّ الأصل في الزواج هو التعدّد مخطئون، لأنّ الأصل في القرآن الكريم هو: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً".

لكنّ المؤسسات الصحافية لم تذكر في استشهادها بتصريح شيخ الأزهر، أنّه "مقتطع من سياقه" بحسب ما جاء في بيان لمؤسسة الأزهر في اليوم التالي لذلك التصريح. فقد شدّد المركز الإعلامي لمؤسسة الأزهر على أنّ الشيخ أحمد الطيب لم يتطرّق مطلقاً إلى تحريم أو حظر تعدّد الزوجات، بل سبق له أن قال في كلمة له أمام مؤتمر الإفتاء العالمي، في 17 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2016، ما نصّه: "وأبادِرُ بالقولِ بأنَّني لا أدعو إلى تشريعاتٍ تُلغي حقَّ التعدُّدِ، بل أرفُضُ أيَّ تشريعٍ يَصدِمُ أو يَهدِمُ تشريعاتِ القرآنِ الكريمِ أو السُّنَّةِ المُطهَّرةِ، أو يَمسُّهمَا من قريبٍ أو بعيدٍ؛ وذلك كي أقطعَ الطريقَ على المُزايِدِينَ والمُتصيِّدين كلمةً هنا أو هناك، يَقطَعونها عن سِياقِها؛ ليتربَّحوا بها ويتكسَّبوا من ورائها". أضاف المركز الإعلامي في بيانه أنّ حديث شيخ الأزهر في خلال حلقة متلفزة انصبّ على "فوضى التعدد وتفسير الآية الكريمة المتعلقة بالموضوع، وكيف أنّها تقيّد هذا التعدد بالعدل بين الزوجات، كما ردّ فضيلته على الذين يعتبرون أنّ تعدّد الزوجات هو الأصل". كذلك نشر المركز الإعلامي مقطعاً مصوّراً لكلمة شيخ الأزهر في خلال المؤتمر للتدليل على موقفه من القضية.

أمّا الواقع الفعلي في مصر، فتلخّصه دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تفيد بأنّ ثمّة 45 ألف امرأة تقريباً ارتضت الزواج من رجل متزوج في عام 2019، وهو ما يشكّل نحو خمسة في المائة من عقود الزواج الجديدة. وكشفت الدراسة حجم ظاهرة التعدّد أخيراً، إذ تبيّن أنّ عدد عقود الزواج للأزواج الذين سبق لهم الزواج بلغ 1128.7 ألف عقد في خلال عام 2019، منهم 44.870 ألف عقد زواج لرجل يجمع بين أكثر من زوجة، في مقابل 83.9 ألف رجل مطلّق أو أرمل سبق له الزواج ولم يكن لديه زوجات في العصمة عند العقد.

المرأة
التحديثات الحية

وأشارت الدراسة نفسها إلى أنّ عدد عقود الزواج لمن يجمع بين زوجتَين بلغ 41.2 ألف عقد في عام 2019، بالإضافة إلى 2363 عقداً لزوج يجمع بين ثلاث زوجات، و390 عقد زواج لمن لديه أكثر من أربع زوجات في العصمة. وتركّز العدد الأكبر من متعدّدي الزوجات بين حملة المؤهلات المتوسطة، مع 15.533 ألف رجل يجمع بين زوجتَين، و1154 رجلا يجمع بين ثلاث زوجات، و120 رجلاً يجمع بين أربع زوجات. يلي هؤلاء من يقرأ ويكتب بعدد 12.162 ألف زوج مع زوجتَين في العصمة، و772 زوجاً مع ثلاث زوجات، و136 زوجاً مع أربع زوجات. وفي أسفل القائمة، الرجال من حملة الدرجات الجامعية العليا، مع 51 زوجاً يجمع بين زوجتَين، وتسعة أزواج مع ثلاث زوجات في العصمة. ويرى مراقبون أنّ هذه الأرقام الرسمية المعلنة في بلد يشهد جدالاً أزلياً حول الزوجة الثانية، وتحتقر فيه الدراما الزوجة الثانية، ويبلغ متوسط سنّ الزواج للذكور نحو 30 عاماً، وترتفع فيه نسب العنوسة والطلاق.

المساهمون