بعدما شهدت السنوات العشر الأخيرة إنشاء 35 سجناً جديداً في مصر، يبدو جلياً أن زيادة السجون تشكل إحدى ركائز حكم نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أطلق أخيراً "بشرى" افتتاح أكبر مجمع سجون قريباً.
كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، عن قرب افتتاح أكبر مجمع سجون "على الطراز الأميركي" في البلاد، ملمحاً إلى أن هذا السجن سيكون بحسب مساحته وطاقته الاستيعابية "الأكبر في مصر". وقال السيسي بحماسة: "سيوفر مجمع السجون مواصفات اعتقال محترمة على صعيد الرعاية الطبية والإنسانية والثقافية والإصلاحية. كما سيضم محاكم ومكتبة، وأكبر مستشفى توجد داخل مركز اعتقال، وحدائق، ويتضمن أنشطة زراعية وصناعية".
وتزامنت "بشرى" إعلان السيسي عن أكبر مجمع سجون في تاريخ مصر الحديثة، مع إطلاق الدولة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي يفترض أن تشمل أربعة محاور أساسية، هي الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، والتثقيف بالحقوق، وبناء القدرات في حقوق الإنسان.
وبالطبع، تلقفت وسائل الإعلام التابعة للنظام هذه "البشرى" بترحيب وتهليل من دون محاولة الحصول على معلومة واحدة على الأقل عن مجمع السجون الجديد الذي يفترض أن "يوجد نقله نوعية في طبيعة المؤسسات العقابية". أما المعلومات المتوفرة عنه، بحسب وثائق منظمة "نحن نسجل" الحقوقية، فتشمل تشييده على مساحة 515 فداناً (216 هكتاراً)، وإحاطته بجدارين إسمنتيين بطول 1330 متراً وارتفاع سبعة أمتار، وعرض يراوح ما بين متر واحد ومتر ونصف متر من الإسمنت المسلح. وتشير الوثائق أيضاً إلى أن المسافة بين السورين تراوح ما بين 14 و20 متراً، وأن طاقته الاستيعابية تقدّر بنحو 34 ألف سجين.
وسيضاف المجمع الجديد إلى 35 سجناً جديداً أنشئت بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، أي في خلال 10 سنوات فقط، ما يرفع إلى 78 إجمالي عدد السجون في البلاد. وتضم قائمة السجون المبنية بعد ثورة 2011، سجن وادي النطرون العمومي، وسجن القنطرة العمومي، وسجن بني سويف المركزي، وليمان جمصة، وسجن جمصة العمومي شديد الحراسة، وليمان المنيا، وسجن المنيا شديد الحراسة، والسجن المركزي بقسم ثان بنها، وسجن (2) شديد الحراسة في طره، وسجن الجيزة المركزي، وسجن النهضة، وسجن 15 مايو، والسجن المركزي بإدارة قوات الأمن، سجن الكيلو 10 ونص، وسجن الخصوص، وسجن ادكو، وسجن قرية بغداد، وسجن الخانكة وسجن العبور، وسجن جنوب بني سويف.
ويضاف إليها أيضاً سجن عتاقة في السويس، وسجن مركز ثالث في طنطا، وسجن التأهيل العمومي في الجيزة، وسجن مطروح العمومي، وسجن كرموز في الإسكندرية، وسجن القوصية المركزي في أسيوط، والسجن المركزي في أسيوط الجديدة، وسجن أوسيم بالجيزة، والسجن المركزي بأسيوط، وسجن محلة دمنة في الدقهلية، وسجن أكتوبر المركزي بالجيزة، وسجن سنهور المركزي في الفيوم، وسجن يوسف الصديق المركزي بالفيوم، وسجن بلبيس المركزي، وسجن قسم ثالث في العاشر من رمضان المركزي، وسجن قوات أمن العاشر من رمضان المركزي، وسجن الستاموني المركزي.
وفيما ترفض السلطات الكشف عن عدد السجناء، تشير تقديرات إلى أنهم يناهزون 114 ألفاً، أي أكثر من ضعفَي القدرة الاستيعابية للسجون التي قدّرها السيسي نفسه بـ55 ألفاً في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بحسب ما أورد تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في يناير/ كانون الثاني 2021.
وزاد عدد السجناء بشكل كبير بعد إطاحة الرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، ما أدى إلى اكتظاظ شديد في مراكز الاعتقال. وتحدثت منظمة العفو الدولية عن تكدَّس مئات من المعتقلين في زنزانات مكتظة داخل 16 سجناً استطاع ممثلوها دخولها لمعاينة منشآتها والتعرف إلى أساليب الاعتقال فيها. وحددت منظمة العفو متوسط المساحة المخصصة لكل سجين بحو 1.1 متر مربع، أي أقل كثيراً من الحد الأدنى الذي يوصي به خبراء، وهو 3.4 أمتار مربعة.
وتثير الزيادة الحادة في عدد السجون الكبيرة التي يُطلق عليها في مصر اسم السجون المركزية، قلق جماعات حقوق الإنسان التي تعتبرها "انعكاساً طبيعياً للزيادة المفاجئة في عدد المعتقلين والسجناء، ما يزيد صعوبات الإشراف عليهم". ويصف المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد عدد السجون التي شيّدت في السنوات العشر الأخيرة بأنه "هائل بالنسبة إلى أي دولة".
وتقدر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي منظمة مجتمع مدني مصرية، عدد السجناء والموقوفين احتياطياً والمحتجزين في انتظار التحقيق معهم حتى مطلع مارس/ آذار 2021، بنحو 120 ألفاً، من بينهم نحو 65 ألف معتقل سياسي ونحو 54 متهماً بارتكاب جنايات وألف شخص لا تُعرف أسباب احتجازهم. وتشير الشبكة إلى أن عدد السجناء الذين ينفذون أحكاماً قضائية يبلغ نحو 82 ألفاً، وأولئك الموقوفين احتياطياً نحو 37 ألفاً.
وتوضح دراسة أعدّها المعهد المصري للدراسات في يوليو/ تموز الماضي، أن التوجه الهائل لبناء سجون إضافية "يعكس واقع تضاعف معدل الاعتقالات السياسية والجنائية عنه قبل بضع سنوات، والزيادة الهائلة في عدد المحتجزين في سجون أقسام الشرطة التي بلغت أقصى طاقتها. من هنا، من الضروري، وفق المعايير التي يعتمدها النظام، بناء سجون جديدة بدلاً من خفض عدد الاعتقالات. أضافت الدراسة نفسها أن "بناء سجون مركزية كبيرة أرخص وأسرع وأكثر أماناً من أقسام الشرطة التي تعرضت لهجمات خلال ثورة عام 2011، وهو ما يمكن أن يتكرر. والسجون المركزية قد تأوي معتقلين قادمين من أقسام مختلفة للشرطة، ما يسمح بنقل النزلاء وتوزيعهم في أنحاء البلاد. كما من الضروري تطبيق السجن الاحتياطي في شكل واسع".