مشروع حكومي في جدّة يهجّر الناس من بيوتهم قبل أن يحوّلها ركاماً

22 ابريل 2022
كانت هذه المباني تحتضن عائلات حتى وقت قريب (فرانس برس)
+ الخط -

 

يمضي عبد الله، وهو طبيب سعودي، في سداد قرض شخصي حصل عليه لبناء منزل على أرض يمتلكها في مدينة جدّة (غرب)، على الرغم من أنّ جرّافات أزالت بيت أحلامه هذا من ضمن مخطّط لتطوير المدينة الساحلية، مقرّاً بأنّ ذلك حوّل حياته إلى "جحيم". وجاء هدم بيته في إطار مشروع تبلغ كلفته 75 مليار ريال سعودي (نحو 20 مليار دولار أميركي)، يشمل عمليات هدم وبناء تؤثّر على نحو نصف مليون شخص في ثاني أكبر مدينة بالسعودية، الأمر الذي يثير غضباً يتفجّر على وسائل التواصل الاجتماعي في ظاهرة نادرة في البلاد.

وقد وعدت الحكومة السعودية بتعويض الأسر، وأعلنت في فبراير/ شباط الماضي أنّها سوف تستكمل بناء خمسة آلاف وحدة سكنية بديلة بحلول نهاية عام 2022. وأطلق وليّ العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، مشروع "تطوير وسط جدّة" بهدف التخلّص من "العشوائيات"، على أن يتضمّن ذلك بناء دار أوبرا وملعب رياضي ومتحف في المدينة المطلّة على البحر الأحمر. وهكذا، راحت شوارع جدّة تعجّ بالخرسانات والمعادن الملتوية من جرّاء إزالة آلاف المنازل، فيما اتّهم عدد من السكان الحكومة بتدمير أحياء طبقة عاملة تشمل سكاناً من عشرات الجنسيات في مدينة تُعَدّ منفتحة إلى حدّ بعيد في البلد المحافظ.

ويقول عبد الله البالغ من العمر 45 عاماً، وهو ربّ أسرة، لوكالة فرانس برس: "صرنا غرباء في مدينتنا. نشعر بمعاناة ومرارة". وكان عبد الله، الذي طلب عدم الكشف عن هويّته كاملة خوفاً من ملاحقة السلطات، قد حصل في عام 2007 على قرض شخصي مصرفي لمدّة 30 عاماً في مقابل رهن أرض يمتلكها، واستخدم المال لبناء منزل في حيّ النزلة، جنوبي جدّة، على أن يسدّد نحو 1500 ريال (نحو 400 دولار) شهرياً لمدّة ثلاثين عاماً. يضيف عبد الله الذي اضطرّ إلى استئجار منزل أنّ "ما حدث هو أكبر صدمة في حياتي. الوضع مأساوي كالجحيم ولا يمكن وصفه".

يُذكر أنّ عمليات الهدم توقّفت في شهر رمضان الجاري الذي ينتهي في مطلع مايو/ أيار المقبل، في حين لم يرد أيّ جواب من قبل مسؤولين في جدّة بخصوص طلبات تقدّمت بها وكالة فرانس برس للتعليق على المشروع.

الصورة
إعلان إخلاء مبان في جدة في السعودية (فرانس برس)
إعلان رسمي يطالب السكان بإخلاء عقاراتهم (فرانس برس)

الصدمة والضربة

وتُعَدّ جدّة، التي تُعرَف بأنّها "بوابة مكّة" كونها تضمّ مطاراً يقصده الحجّاج المتجهون إلى المدينة المقدّسة لدى المسلمين على بعد نحو 100 كيلومتر، مركزاً سياحياً حيوياً تنتشر فيه المطاعم على شاطئ البحر. وقد استضافت المدينة في الأشهر الأخيرة مهرجاناً سينمائياً وسباق فورمولا واحد. والمدينة، حتى في الفترة التي سبقت شروع بن سلمان في حملة انفتاح اجتماعي للتخفيف من الصورة المتشدّدة لبلاده، كانت تتمتّع بقدر من الحرية ساعد في وصفها بأنّها "مختلفة".

وتضمّ عشرات الأحياء التي تُزال في إطار المشروع مزيجاً من السعوديين والأجانب من دول عربية أخرى وآسيويين. وذكرت منظمة "القسط" الحقوقية أنّ ثمّة أسراً كانت تعيش في بيوتها لأكثر من 60 عاماً. وأوضحت أنّ ثمّة أشخاصاً أُجبروا على الخروج من منازلهم بعد قطع خدمات المياه والتيار الكهربائي عنها، أو تلقّوا تهديدات بالسجن.

وشهد حيّ غليل، جنوبي جدّة، أولى عمليات إزالة المباني في أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي. ويروي فهد، وهو موظّف سعودي، أنّ قوات الأمن صادرت هواتف السكان المحمولة لتجنّب تصوير عملية الإخلاء التي جرت ليلاً. ويقول لوكالة فرانس برس: "هُجّرنا من منازلنا فجأة بين يوم وليلة ومن دون سابق إنذار".

في سياق متصل، انتشر وسم #هدد_جدة على موقع "تويتر"، وقد عبّر مستخدموه عن سخطهم. وقاد الناشط السعودي علي الأحمد حملة إلكترونية لعرض مظالم السكان المتضرّرين من جرّاء الهدم الذي وصفه بأسلوب "الصدمة والضربة" القاسيتَين. ويرى الأحمد، وهو كذلك باحث في مركز الشؤون الخليجية في واشنطن، أنّه "ليس من المقبول هدم منازل المواطنين من دون موافقتهم وقبل تعويضهم بسعر مناسب يكفي لانتقالهم إلى مكان جديد".

وقد تسبّبت عمليات الهدم ونزوح السكان في ارتفاع أسعار بدلات إيجار المنازل عموماً في جدة، وكذلك خدمات النقل، الأمر الذي فاقم من معاناة المتضرّرين وغير المتضرّرين على حدّ سواء، بحسب ما أفاد سكّان.

آداب وفنون
التحديثات الحية

"يوم القيامة"

في أحد الأحياء التي يشملها المشروع، هُدمت بعض المباني تماماً، فيما خُطّت باللون الأحمر كلمة "إخلاء" على جدران أخرى كانت لا تزال قائمة. ووضعت السلطات لوحة تطالب السكان بإخلاء عقاراتهم وأخذ أغراضهم الشخصية، وتحميل وثائق الملكية على موقع إلكتروني للحصول على تعويضات. لكنّ ثمّة متضرّرين يصرّحون بأنّهم لم يتلقّوا أيّ تعويضات، مشيرين إلى عدم "توفّر آلية واضحة لتقدير قيمة" بيوتهم. فهد واحد منهم، ويقول إنّ "أشهراً مرّت ولم أحصل على تعويض عن منزلي"، شارحاً أنّه تحوّل "من مالك منزل إلى مستأجر يجاهد لدفع إيجاره".

وعلى الرغم من الشكاوى، يقول المسؤولون إنّ المشروع سوف يطوّر المدينة مع تشييد 17 ألف وحدة سكنية عصرية في موازاة الحفاظ على هوية جدّة. وقد أفاد مسؤول في محافظة جدّة، أخيراً، بأنّ عمليات الهدم تستهدف أحياء لا تحتوي على مرافق بنى تحتية، وكان يتعذّر على مركبات الإسعاف والمطافئ الوصول إليها، واصفاً بعضاً منها بأنّه كان "وكراً للجريمة".

لكن سكّاناً كثيرين يرفضون ما يعدّونه "تشويهاً" لصورة أحيائهم، من بينهم السعودي تركي الذي عاشت عائلته عقوداً في بيت واحد في حيّ الحرازات، شرقي جدّة. ويقول لوكالة فرانس برس: "نسكن وعائلتي في بيت جدي. والدي وُلد به وكذلك أبنائي. هو بمثابة حياة وليس مجرّد بيت". وعاد تركي، وهو أب لأربعة أطفال، إلى منزله أخيراً ليجده ركاماً، لافتاً إلى أنّ "صوت الهدم في كلّ مكان. الركام في كل مكان. تشعر بأنّه يوم القيامة".

(فرانس برس)

المساهمون