على أثر تزايد انفجار الألغام والمخلفات الحربية في مدن عراقية مختلفة، متسبّبة في مقتل وإصابة عشرات من المدنيين في عام 2021، أطلقت السلطات العراقية أخيراً مشاريع جديدة لمعالجة 670 كيلومتراً مربّعاً من المساحة الملوّثة بالمخلفات. وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذّرت في وقت سابق من مخاطر الألغام والمخلفات الحربية على الأطفال في العراق، مؤكدة تسجيل أعداد ضحايا مرتفعة بين الأطفال نتيجة تلك المخلفات، وداعية إلى بذل جهود لإزالتها وتوسيع التوعية بمخاطرها.
وأوضح المدير العام لدائرة شؤون الألغام في وزارة الصحة والبيئة العراقية ظافر محمود خلف أنّ "المساحة المتبقية من التلوّث هي نحو 2700 كيلومتر مربّع لمختلف أنواع المخلفات الحربية من ألغام ومخلفات حربية عنقودية وعبوات ناسفة، من الشمال إلى الجنوب".
وقال محمود خلف، في تصريحات صحافية، اليوم الجمعة، إنّ "العمل مستمرّ بالجهد الوطني متمثلاً في وزارتَي الدفاع والداخلية من أجل تأمين مناطق البلاد كافة من المخلفات الحربية، وبالتعاون مع المنظمات الدولية"، مضيفاً أنّه في العام الماضي سقطت نحو 52 ضحية نتيجة تلك المخلفات.
ولفت المسؤول العراقي إلى أنّ "وقوع ضحايا الألغام جاء بسبب عدم الالتزام بالإشارات التحذيرية وحملات التوعية التي تجريها الوزارة"، مؤكداً أنّ "الوزارة قدّمت مشاريع إلى وزارة التخطيط لمعالجة أكثر من 670 كيلومتراً مربّعاً من المخلفات، وهي في انتظار الموافقة عليها والمصادقة على التمويل".
وكانت وزارة الصحة والبيئة العراقية قد أعلنت في وقت سابق وضع "خطة وطنية واسعة النطاق للتخلّص من مشكلة الألغام والأجسام المتفجرة غير المنفلقة التي خلّفتها الحروب والأزمات الأمنية التي ضربت البلاد منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي"، مؤكّدة أنّ الخطة تهدف إلى إنهاء الأزمة بحلول عام 2028.
ويؤكد مسؤولون عراقيون أنّ ملف المخلفات الحربية والألغام مهمل من قبل الحكومات المتعاقبة، بدليل أنّ الحرب العراقية-الإيرانية انتهت قبل 30 عاماً ولم يتمّ التخلّص من مخلفاتها حتى الآن. ويقول مسؤول في وزارة الدفاع العراقية فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد" إنّ "الحديث عن لجان وتعاون وتنسيق وخطط لإزالة المخلفات الحربية أمر مبالغ فيه، فالملف مهمل بشكل كبير من قبل الحكومات المتعاقبة التي تتحمل مسؤولية ما تسبّبت فيه تلك المخلفات من قتلى وذوي إعاقة غالبيتهم من الأطفال".
ويشير المسؤول نفسه إلى أنّ "المساحات التي تضمّ تلك المخلفات محدّدة ومعروفة من قبلنا، لكنّنا نحتاج إلى جدية في العمل من قبل الجهات المسؤولة، وكذلك أجهزة حديثة"، مشدّداً على "الحاجة إلى حلول وتحرّك عاجل، مع عدم انتظار المشاريع التي قد تُمرَّر والتي قد لا تُمرَّر. فملف تلك المخلفات يجب أن يُحسم حفاظاً على سلامة المواطنين".
وتقدّر المساحة الملوّثة بالألغام والقنابل من الحدود العراقية-الإيرانية بنحو 1200 كيلومتر، إلى جانب 90 منطقة ملوّثة إشعاعياً في جنوب البلاد بسبب اليورانيوم المنضّب الذي استخدمته قوات التحالف الدولي إبّان حربها ضدّ العراق في عام 2003، بالإضافة إلى مخلفات تنظيم "داعش" الإرهابي في المحافظات التي سيطر عليها منتصف عام 2014.
ويصنَّف العراق من الدول الأكثر تلوّثاً نتيجة انتشار الألغام والعبوات الناسفة، على خلفية الحرب العراقية-الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي وآثار احتلال "داعش" لمحافظات عراقية عدّة في صيف عام 2014.
وعن الخطوة الجديدة، يقول عبد الكريم الحمداني، عضو حملة رفع الألغام والمخلفات الحربية من مدينة الموصل شمالي البلاد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الفرق العاملة في مجال معالجة المواد المتفجرة غير المنفلقة، تحتاج إلى أجهزة حديثة غير تلك المتوفرة لديها".
ويضيف أنّ "مناطق عديدة أُعلن عن خلوّها من الألغام قبل أن تُكتشَف ألغام فيها بعد فترة، وهذا بسبب سوء أجهزة الاستشعار المعمول بها في العراق والتي لا تكشف مستويات عميقة من الأرض. وبعد كلّ موسم أمطار أو رياح تتعرّى التربة وتظهر المتفجرات لتشكّل خطراً على الأهالي". ويشير الحمداني إلى "مسؤولية الحكومة في توفير مثل هذه الأجهزة أوّلاً، ثمّ فرض حظر تجوّل في مناطق ملوّثة ومنع دخول الأهالي إليها".