من المعروف أنّ الأتراك يقبلون على تناول الشاي في مختلف المواسم، لكنّ إقبالهم عليه يزداد في موسم البرد، بالإضافة إلى مشروبات أعشاب ساخنة مختلفة، تحميهم وتعالجهم
تفضل الستينية، تفيدة صايلن، من منطقة درامان بمدينة إسطنبول التركية، أن تسقي ابنها وحفيدها "شاي الأعشاب" قبل مغادرتهما المنزل كلّ صباح، لما لتلك المشروبات، من فائدة وحماية من أمراض الشتاء، إذ تبعد عنهما آلام الرأس وعدوى الأنفلونزا كما تقول لـ"العربي الجديد". تتابع أنّ مشروبات الأعشاب الساخنة تمنح الجسم طاقة ومناعة، وهي أفضل من تناول القهوة برأيها.
وتشير السيدة التركية إلى أنّها تجعل حفيدها يتنشّق بخار الزهورات بتغطية رأسه بقطعة قماش وترك وجهه بمواجهة أبخرة الإبريق الذي تغلي فيه هذه الأعشاب، عدة مرات، قبل خروجه من المنزل في أيام الشتاء، معتبرة أنّ شرب الزهورات واستنشاق أبخرتها، يفيدان الصدر ويمنعان نزلات البرد "شريطة تحصين العنق وجبهة الرأس من البرد" ففي الجسم نقاط ضعف يكشفها البرد كما تقول، منها العنق وجبهة الرأس، بالإضافة للركبتين: "احمِ هذه المناطق ولن يؤذيك البرد".
وحول أنواع الأعشاب التي تستخدمها السيدة التركية المنحدرة من زيرة، على البحر الأسود، تقول: "خلال الشتاء يقلّ استخدام الشاي الأحمر، ويجري التركيز على شاي أهيلامور (الزيزفون)، وكذلك مزيج زهرة الزيزفون والليمون، وهذا النوع منتشر بجميع ولايات تركيا منذ قرون". تضيف أنّ "شاي البابونج، منتشر خلال فصل الشتاء لما له من أثر بعلاج الصدر والسعال وتهدئة الأعصاب، وهناك أنواع شاي أخرى، كالسيج (مريمية وشاي الرمان)".
وزاد الطلب على الأعشاب في تركيا مع حلول فصل الشتاء ما رفع أسعار الزيزفون والقنفذية والبابونج، للضعفين، بحسب بائع الأعشاب بمنطقة الفاتح، جيزمي خليل، فزاد سعر كيلو الزيزفون من 90 ليرة (11 دولاراً) إلى 150 ليرة (18.25) "والزيزفون الذي لا يرى الشمس أغلى". ويشير خليل إلى زيادة شراء الأعشاب هذا العام والعام الماضي، أكثر من الأعوام السابقة، بالرغم من أنّ البرد بإسطنبول لم يكن قارساً، لكنّ المخاوف من عدوى نزلات البرد ثم وباء كورونا هي السبب برأيه. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ هناك أعشاباً وخلطات أخرى، زاد الإقبال عليها لما يقال عن إكسابها الجسم مناعة، حتى من كورونا، مثل القرنفل والزنجبيل والعسل عموماً وعسل الزيزفون خصوصاً: "وصل سعر نصف كيلو عسل الزيزفون إلى نحو 500 ليرة (61 دولاراً)". يضيف أنّ في بلاده نوعين من "شاي الشتاء" الأول مزيج من الخروب وزهرة القنفذية والبابونج ويحلى بالعسل، والثاني شاي أهيلامور (الزيزفون) الذي يضيف إليه البعض، الزنجبيل والقرفة، فضلاً عن أنواع شاي ومشروبات ساخنة كثيرة تنتشر في تركيا خلال فصل البرد والثلوج، خصوصاً في الولايات الباردة مثل قيصري وأرضروم وبولو.
وعلى الرغم من أنّ الشاي هو مشروب الأتراك المفضل الذي توجهم، وفق لجنة الشاي العالمية، على قائمة أكثر شعوب العالم استهلاكاً للشاي، بمعدل 1.3 ألف كوب سنوياً للتركي الواحد، فإنّ مشروبات أخرى تدخل على خط منافسة الشاي بالشتاء، مثل البابونج والسحلب والمريمية والشاي الأخضر، بالإضافة إلى البوظة، وهي مشروب تركي ساخن يتم تحضيره من سميد الذرة والماء والسكر، ويباع معلباً بزجاجات لما عليه من إقبال خلال فصل الشتاء. لكنّ للشاي الأحمر بحسب العامل بمقهى "بامبي" في منطقة أدرنا كابيه بإسطنبول، فهري آيت، الحظوة والحضور الأكبر، لأنّ استهلاكه يزيد خلال فصل الشتاء. ويشير آيت إلى أنّ المشروبات الأخرى، من زيزفون وشاي ليمون ورمان وشاي أخضر، يزيد الطلب عليها خلال الشتاء، لكنّ الشاي الأحمر يبقى في المرتبة الأولى، ويزيد خلال فترة كورونا الطلب على الشلغم (شراب اللفت والشمندر الأحمر والجزر الأسود) للاعتقاد أنّه يحمي من الوباء، كما الاعتقاد بأنّ شاي الأعشاب يقي الجسم من الزكام وأمراض الشتاء، كما يقول.
بين غير الضار والمفيد والشافي، تفرّق الباحثة عائشة نور بين المشروبات في حديثها إلى "العربي الجديد". تقول: "تناول مشروبات الأعشاب الساخنة خلال فصل البرد، مفيد عموماً ولا يضرّ، لكن يجب التنبيه لمسألة، وهي كثرة تجار الأزمات، خلال تفشي الأمراض أو الأوبئة، فنسمع عن مركب عشبي يشفي من أمراض مزمنة أو خطيرة، كما نسمع اليوم عن خلطة عشبية لعلاج كورونا". تسوق الباحثة التركية ادعاء خبير أعشاب بولاية وان، ذاع صيته أخيراً، حول اكتشافه مستحضراً عشبيا للشفاء من كورونا: "أنا لا أسخف جهد وسعي أيّ شخص، لكنّي أنشد المنطق والعلم، فالسيد محمد ألاغييك معروف بتركيا بتحضيره خلطات عشبية مفيدة لبعض الأمراض، لكن أن يقول إنّه اخترع علاجاً طبيعياً يشفي بنسبة ما بين 95 و100 في المائة من كورونا، فهذا ما لم تتوصل إليه أكبر المختبرات البحثية العالمية". تكرر نور: "أتمنى ألا يفهم أحد أنّي أهاجم الطب البديل، فهو علم قائم بحدّ ذاته وكان طريقة العلاج قبل اكتشاف الأدوية، لكن أريد التفريق بين العلاج بالأعشاب والمواد الطبيعية المنطلق من العلم والبحث والتجارب، وبين التجارة بمشاعر وأزمات الناس".