على مدار الأيام الماضية استحوذت فعاليات ومباريات مونديال قطر على عقول وقلوب المغاربة، والذين يتابع الملايين منهم المباريات، سواء في المنازل، أو عبر شاشات كبيرة وضعتها المقاهي والفنادق ومناطق المشجعين، كما بات الإقبال على شراء قمصان المنتخب المغربي والأعلام الوطنية ملحوظاً.
اعتاد المغاربة انتظار المونديال كل أربع سنوات بشغف، لكن في هذه السنة تتسم المتابعة بأجواء زادت من حرارتها مشاركة "أسود الأطلس" للمرة الثانية على التوالي، والسادسة في تاريخهم في نهائيات بطولة كأس العالم، فضلاً عن كونها تقام للمرة الأولى في دولة عربية.
في مقهى "فلورا" بحي اشماعو بمدينة سلا القريبة من العاصمة المغربية الرباط، نجح عشرات الزبائن من أعمار مختلفة في حجز مقاعدهم قبل ساعتين من موعد مباراة المنتخب المغربي ضد نظيره الكرواتي، والتي انتهت بالتعادل السلبي من دون أهداف. فيما اضطر كثيرون إلى متابعة مجريات المباراة وقوفاً.
يقول محمد الحلاوي (متقاعد): "فضّلت متابعة المباراة في المقهى لأن هذا يحقق مزيداً من المتعة، كما تكون الأجواء حماسية مقارنة مع المتابعة في البيت. حالفني الحظ في حجز مقعد، في حين عجز كثيرون عن ذلك من جراء الإقبال الكبير، واضطر موظفون وطلبة إلى التغيب عن العمل والدراسة لمتابعة المباراة".
يضيف الحلاوي في حديث مع "العربي الجديد"، بينما أصوات المشجعين تعلو: "تشهد المقاهي في هذه الأيام حركة غير عادية لاستقبال المشجعين الذين يحرصون على متابعة منتخبهم. لكن ما أثار انتباهي هو مشهد الشباب الذي يملؤون المقاهي بالشعارات والشغف والحماسة".
تشكل المقاهي متنفساً للشباب والأسر بسبب أجواء الفرح التي تصنعها، وما تقدمه من تخفيضات وعروض خلال أيام مونديال قطر 2022، رغم المصروفات والرسوم التي تثقل كاهل أربابها.
يقول محمد الخمسي، وهو مدير مقهى بالعاصمة المغربية، إن المقاهي استبقت الحدث العالمي بترتيبات خاصة شملت تجهيز أماكن خاصة، ونشر الأعلام، وزيادة عدد الشاشات لنقل مباريات المونديال على الهواء مباشرة، وتلبية انتظارات جمهور يحرص على المشاهدة بشكل جماعي.
لكن متابعة المباريات في البيت تعد أفضل بالنسبة للثلاثيني أحمد الدحماني (موظف)، إذ تضيف متعة أكبر لأوقات الأسرة، كما أنها فرصة لا تعوض لمشاركة أقرب الناس شغف كرة القدم، لافتاً إلى أن استعداداته للمونديال بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إذ قام بشراء جهاز تلفاز كبير بتقنية عالية الجودة.
ويشير الأستاذ الجامعي رشيد لزرق إلى أنه سيتابع بعض المباريات في المقهى، وأخرى في البيت، مضيفاً: "أتوجه إلى مقهى الحي بعد أن يكون أصدقائي قد حجزوا مسبقاً طاولة خاصة، ولا أكتفي بمشاهدة الفريق الوطني، بل أتابع كثيراً من مباريات المونديال، خاصة تلك التي تخوضها المنتخبات العربية والأفريقية، والمدارس الكروية الكبرى كفرنسا وإسبانيا وألمانيا والبرازيل. لكن مباريات المنتخب تكون بطعم آخر، ونعيش خلالها إحساساً وجدانياً، وهتافات تصدر من القلب".
ويتابع لزرق في حديثه لـ"العربي الجديد": "في المقهى، وبرفقة الأصدقاء، يمكن أن تعرف ماذا تعني كرة القدم، وأن تفهم العلاقة بين الجمهور واللاعبين، وأن تدرك معنى أن الكرة هي فرح الشعوب وتعاستها".
وفي بلد تحظى فيه كرة القدم بشعبية عارمة، كانت للسيدات حصتهن من الشغف والهوس بكأس العالم، سواء لممارسات اللعبة، أو متابعاتها اللاتي يشجعن فريقهن المفضل. وبدا لافتاً حماسهن الكبير، وإقبالهن على متابعة المباريات في المقاهي والمطاعم والفنادق.
تقول آلاء بامو، طالبة كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس في الرباط: "كنت دائماً أتابع المباريات على شاشة التلفزيون، بينما يذهب أشقائي إلى المقهى. كنت أشعر بالحسرة كلما ذهبوا، وعادوا ليخبروني عن متعة المشاهدة بالمقهى، لذا قررت أن أخوض التجربة خلال المونديال الحالي، فحضرت المباراة الأولى للمنتخب المغربي، ولم أندم على التجربة لأن الأجواء كانت مميزة، وكان هناك حضور نسائي بقمصان أسود الأطلس، واكتشفت أن النساء أكثر شغفاً وتحفيزاً من الرجال".
وفي المونديال الحالي، أقبل كثيرون على مناطق المشجعين التي أقامتها شركات خاصة في المراكز التجارية، والتي أقامتها الجامعة الملكية لكرة القدم بالتنسيق مع وزارات الرياضة والسياحة والشباب والسلطات المحلية في مختلف المناطق.
يقول شكيب اليوسفي لـ"العربي الجديد": "متابعة مباريات المونديال في منطقة المشجعين كانت رائعة وحماسية، خاصة في ظل وجود أجواء مشابهة قليلاً لأجواء الملاعب، وتوفير شاشة كبيرة بصورة عالية الوضوح. استمتعنا بمشاهدة المباراة وسط جماهير من فئات عمرية مختلفة، أطفال ونساء وشبان وشابات، وكان مشهد ترديد النشيد الوطني مؤثراً".
وتقول بشرى الداودي لـ"العربي الجديد" إنها اصطحبت أولادها إلى منطقة المشجعين بمركز تجاري في مدينة الدار البيضاء، بناء على رغبتهم، حيث تتوفر فرص المشاهدة والترفيه للصغار والكبار على حد سواء، لافتة إلى أنه كان "هناك إقبال كبير على مباراة المنتخب المغربي الأولى، ما أضفى طابعاً خاصاً على المتابعة، وأتاح المجال لكثير من المشجعين لخوض تجربة ممتعة".
وإلى جانب كونها مناسبة تلهب مشاعر عشاق كرة القدم، تشكل كأس العالم فرصة ثمينة لإنعاش عدد من المجالات التجارية، من بينها تجارة الملابس الرياضية. يقول صلاح عبد النبي، وهو بائع ملابس رياضية، لـ"العربي الجديد": "هناك إقبال كبير على قمصان المنتخب الوطني، إذ يحرص الشباب والعائلات على اقتناء قميص أو أكثر رغبة منهم في عيش الحدث كأنهم في الملعب، والتعبير عن مساندتهم للمنتخب".
وبينما ينتظر أن يرتفع الإقبال على قمصان المنتخب إذا ما تأهل المغرب في المنافسات، أنعش مونديال قطر سوق الأعلام الوطنية، التي رأى فيها باعة جائلون مصدراً لإيرادات مهمة في هذه الفترة، فباتوا يجوبون بها الشوارع ويرابطون قرب التقاطعات المرورية.
وبالتوازي مع التوقعات المتفائلة للتجار بتحقيق أرباح إضافية طيلة شهر المونديال، تعرف أسواق بيع نظم البث التلفزيوني عبر الإنترنت رواجاً كبيراً بفضل ما تتيحه من إمكانية الوصول إلى مئات القنوات المشفرة ومنصات البث المدفوعة بأسعار تصل إلى 300 درهم (نحو 30 دولاراً).
يقول عبد العالي، وهو تاجر في سوق "الكزا" بوسط الرباط: "الجمهور المغربي معروف بعشقه لكرة القدم، وينتظر المونديال بفارغ الصبر، غير أن العديد من فئاته تجد صعوبة في الاشتراك بالقنوات المالكة لحقوق بث كأس العالم، لذا تجد ضالتها في اقتناء IPTV كوسيلة بديلة لمشاهدة المباريات. موسم كأس العالم فرصة ننتظرها لتحقيق دخل مالي مضاعف، لكننا أيضاً نسدي خدمة بإتاحة المجال لعشاق الكرة الذين يخشون عدم القدرة على متابعة المونديال بسبب الكلفة".