أعلنت وزارة التربية والتعليم الليبية، في مطلع سبتمبر/أيلول، إطلاق مشروع "لا فرق" الذي يهدف إلى دعم تعليم وإدماج الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة بالتعاون مع مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، ونظمت الوزارة حفلاً لتدشين المشروع بحضور عدد من مسؤولي المنظمة الأممية، قدمت خلاله شرحاً لتفاصيله، ومن بينها أنه يستهدف 12 مدرسة موزعة على ست بلديات في أنحاء البلاد.
وفقا لبيان الوزارة: "يهدف المشروع إلى تهيئة وصيانة المرافق الصحية في مدارس الإدماج، وتجهيزها بغرف التعلم التفاعلي للطلاب الذين يُواجهون صعوبات في التعلم، ورفع كفاءة المعلمين بالمدارس المستهدفة عبر تبادل الخبرات مع وزارات التعليم في دول الشرق الأوسط".
وفي وقت سابق، أطلقت الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي حملة بعنوان "من حقي أن أسمع وأتكلم وأتعلم"، بهدف توزيع سماعات الأذن على ذوي الإعاقة السمعية، وتمكنت الحملة من توفير 2000 سماعة لأطفال وطلاب مدارس في عدد من المناطق الليبية خلال عامي 2021 و2022، وقال الهيئة في بيان، إنها تواصل العمل على حملة "بصمة الأذن" لتوزيع المزيد من السماعات.
وخلال العام الجاري، أُطلق "المشروع الوطني للاندماج التربوي"، والذي يسعى إلى تدريب معلمي ذوي الاحتياجات الخاصة، ورفع قدراتهم في دعم الطلاب منهم لتشجيعهم على مواصلة التعليم عبر إدماجهم مع بقية الطلاب، فضلا عن تعريف المعلمين على طرق تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، وآليات التعامل مع خصوصياتهم.
تتباين الآراء حول الجهود الحكومية، فالبعض يدعمها ويشجع المزيد منها، وأخرون ينتقدونها باعتبارها غير كافية، أو ليست مشروعات قادرة على الاستمرار.
يشيد المسؤول بمكتب تعليم وإدماج الفئات الخاصة الحكومي، مفتاح البوزيدي، بهذه الجهود، لافتاً إلى أنه "يجب أن نقدر أنها تُبذل في وقت لا تتوفر فيه أدنى إمكانات الاستقرار، أو حتى استمرار المسار التعليمي، وإذا كانت الانتقادات تتعلق بالقصور القائم، فكل قطاعات التعليم تعاني قصوراً، وليس الخاص بذوي الإعاقة فقط".
يوضح البوزيدي لـ"العربي الجديد": "نتحدث عن مشاريع وخطط للاهتمام بالفئات الخاصة في ظل انهيار أمني ومالي وإداري تعيشه البلاد، وبالتالي، فعلينا أن نكون واقعيين حين الحديث عن طموح مؤسسات التعليم للدفع بالفئات الخاصة للاندماج في المجتمع، والحصول على حقهم في مواصلة دراستهم في ظل الحروب، وأزمات النزوح، والتردي المعيشي، وغياب الدعم المالي الذي تعانيه الحكومة. مجرد التفكير في تنفيذ مشروعات في هذا الاتجاه هو إنجاز، والسلطات التعليمية تكافح من أجل تنفيذ قرار اتخذته في ظل أزمة الحرب عام 2020، يهدف إلى حصر الفئات الخاصة، وإنشاء قاعدة بيانات متكاملة للطلبة منهم، وحتى الآن لم يكتمل المشروع، لكن هناك جهوداً تبذل لإتمامه".
في المقابل، يؤكد مدير مدرسة ابن الهيثم لتأهيل أطفال التوحد، إسماعيل أبوزقية، أن المشاريع الحكومية المتعلقة بالفئات الخاصة لا تزال محدودة، وإن وجدت فهي تقتصر على مناطق معينة، موضحا لـ"العربي الجديد"، أن "عدداً من مراكز تعليم الفئات الخاصة أقفل أبوابه بسبب غياب الدعم، والذي كان متقطعاً في الأصل، وهناك مراكز تعليمية تعيش على تبرعات المحسنين، أو دعم أولياء أمور الأطفال من هذه الشريحة".
ويؤكد أبوزقية أن "الدعم الخيري والأهلي لا يزال يشكل العمود الفقري لتعليم الفئات الخاصة، ومن الأجدى أن تدعم الحكومات المبادرات الأهلية، خصوصاً في المناطق التي لا تقع تحت سيطرتها بفعل الصراعات".
ويضرب المعلم الليبي مثالاً بما فعلته معلمة في منطقة بدر (غرب)، إذ قامت بمبادرة شخصية، بتطوير أفكار ومستلزمات لتسهيل تعليم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، واستخدمت في ذلك مواد من بيئتها في بصناعة أدوات عملية بامكانات بسيطة، وتمكنت عبرها من تجاوز عقبات تواجه تعليم ودمج أطفال التوحد في منطقتها، وقد اضطرت تلك المعلمة لذلك لشعورها بالمسؤولية المجمعية بعد أن أقفل المركز الحكومي لعجزه عن مواصلة مهمته.
شريفة بلحاج، أم لطفل يعاني من متلازمة داون، تعيش في العاصمة طرابلس، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "ظروف الحرب، ونقص التمويل أعذار لا تقنعني، فهناك الملايين التي تصرف على قطاعات أخرى رغم الحرب والأزمات، ومن الأولى الاهتمام بالفئات الخاصة للحد من اختلال التوازن المجتمعي".
وتضيف: "لا تتوقف التقارير حول نقص كبير في شريحة الشباب بسبب مقتل الآلاف منهم في الحروب، وهذا يفاقم أزمة إهمال الفئات الخاصة، ليتحول أفراد تلك الشريحة إلى طبقة من العاجزين، بينما ربما يؤدي الاهتمام بهم إلى تعويض الاختلال المجتمعي في شريحة الشباب".
وتطالب بلحاج بضرورة تأسيس مراكز للاهتمام بأطفال التوحد، وأطفال متلازمة داون، وضعاف البصر وغيرهم، وإنشاء عيادات للصحة النفسية، ومكاتب حكومية للخدمة الاجتماعية، وتشدد على ضرورة نشر ثقافة الإرشاد الأسري لتوعية الأسر حول كيفية التعامل مع أبنائها المعوقين، وتشجيعها على الدفع بهم للاندماج في المجتمع.