مسنّو أفغانستان مجبرون على العمل

21 مارس 2021
ينتظر قدوم الزبائن (محمد شريف شايق/ Getty)
+ الخط -

يبيع كرم شاه (71 عاماً) البطاطس والبصل على عربة صغيرة في الشارع الثاني من منطقة بروزه تيمني في العاصمة الأفغانية كابول، ليؤمن ما تحتاجه عائلته، بعدما ترك مسقط رأسه في مديرية تاله برفك في ولاية بغلان شمال البلاد، بسبب الحرب من جهة، واستيلاء أحد أمرائها على أرضه الزراعية في المنطقة من جهة أخرى، الأمر الذي هدده وأولاده بالقتل. 
يقول كرم شاه لـ "العربي الجديد" إنه "بسبب الحرب وظلم أمراء الحرب، تركت ورائي كل ما أملك وما ورثته عن أبي دولت شاه من أراض زراعية، حيث كنت أعمل وأرعى الأغنام والمواشي، وقد عشت حياة مريحة قبل 15 عاماً. لكن بعدما استولى على كل أراضينا أحد أمراء الحرب وكان يهددنا بالقتل كما منعني وأولادي من رعي الأغنام والمواشي، لجأت إلى كابول".
يكسب كرم شاه يومياً ما بين 300 أفغانية (أقل من أربعة دولارات) و400 أفغانية (نحو خمسة دولارات). وفي المساء، يحمل معه بعض الخضار والفاكهة التي يشتريها بأسعار رخيصة من بعض معارفه في السوق. أمله الوحيد هو أن يحل الأمن في البلاد وتنجح جهود المصالحة الجارية. يقول "رغم كل ما تعرضت له من ظلم من قبل أحد أمراء الحرب، وبعدما تركت كل ما كنت أملك ورائي، إلّا أن أملي الوحيد يبقى في إحلال الأمن والسلام. ففي ظل انعدام الأمن، سنبقى على حالنا ولن يتغير شيء".

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهته، يعمل كلبدين، الذي يعاني من مرض السكري وضغط الدم، من الصباح وحتى المساء في إصلاح أحذية الناس وتنظيفها من أجل الحصول على ما بين 200 أفغانية (دولارين ونصف الدولار تقريباً) و350 أفغانية (أربعة دولارات ونصف الدولار تقريباَ)، هو الذي تجاوز عمره الـ 70 عاماً. يقول لـ "العربي الجديد" إن "الحياة فعلت بنا هكذا. نعمل في هذا العمر ورغم المرض من أجل الحصول على لقمة العيش". يضيف كلبدين، وهو من سكان منطقة خواجه رواش في ضواحي العاصمة كابول، أن "ما أكسبه في مقابل ساعات العمل الطويلة يكفي لتأمين الخبز فقط. أما بقية الاحتياجات، فيؤمنها ابني نويد (28 عاماً)، الذي يعمل في أحد الفنادق في منطقة شهر نو". كذلك، يصرف كلبدين جزءاً كبيراً مما يكسبه على أدويته، ولا يخرج من المنزل حين يتساقط المطر والثلج. 
يدفع كلبدين شهرياً 11 ألف أفغانية (140 دولاراً) بدل إيجار المنزل، يساعده نويد، الذي يتحمل أعباء إضافية. ويقول نويد لـ "العربي الجديد" إن "مصاعب الحياة كثيرة. لكنّ أكثر ما يحزنني هو خروج أبي وهو مريض للعمل من الصباح وحتى المساء، فيعود إلى البيت وقد أرهقه التعب، بالإضافة إلى حرماني وأشقائي من التعليم. كل ذلك بسبب الحرب وغياب العدالة الاجتماعية".

أفغانستان (نور الله شرزادا/ فرانس برس)
هل قست عليه الحياة؟ (نور الله شرزادا/ فرانس برس)

كان كلبدين يملك أراضي زراعية ومنزلاً في منطقة خواجه رواش قرب المطار. لكن والده محمد دين اضطر إلى بيعها. على غرار كلبدين، يُطالب مسن آخر يدعى سبز علي خان، الحكومة الأفغانية بالاهتمام بكبار السن، واصفاً إياهم بـ"الشريحة المهمشة التي تأثرت بالحرب أكثر من أية فئة أخرى".
يبيع سبز علي (70 عاماً) المكسرات على عربة في منطقة شهر نو في العاصمة الأفغانية كابول، ويكسب يومياً ما بين 500 أفغانية (ستة دولارات) و800 أفغانية (نحو عشرة دولارات)، وهو في حالة جيدة بالمقارنة مع أقرانه، على حد قوله. فقد ورث منزلاً عن والده بير نظر، ويعيش فيه مع أولاده. يقول لـ "العربي الجديد": "ترك لنا أبي منزلاً وأرضاً في مسقط رأسي في إقليم قندوز. كما ترك لنا منزلاً في العاصمة كابول، الأمر الذي أراحنا كثيراً لأن دفع بدل إيجار المنزل أمر مرهق، خصوصاً للذين يعملون في مقابل أجر يومي". ولسبز علي ستة أبناء يعملون جميعاً في السوق. كغيره من أبناء جيله، يعاني من جراء فقدان الأمن والقلق، لا سيما في ما يتعلق بتعليم الأبناء.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتعليقاً على قضية المسنين في أفغانستان، يقول الناشط مراد علي لـ "العربي الجديد"، إن القضية الأساسية لدى جميع الأفغان ومن دون استثناء هي الأمن والحرب، خصوصاً بالنسبة للذين هم في العقد الخامس أو السادس أو السابع من العمر. 
يضيف: "هذا الجيل عاش الحرب وتبعاتها، كما عاش الأيام الجميلة التي كانت تتمتع بها البلاد. هؤلاء حين يقارنون ما عاشوه وما نعيشه اليوم، يشعرون بالأسى. يضاف إلى ما سبق انعدام أي خطة من قبل الحكومة أو المجتمع الدولي لتحسين حالتهم".

عام 2020، أصدرت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان ومكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "تقرير أفغانستان السنوي حول حماية المدنيين في النزاعات المسلحة: 2019"، وتم توثيق مقتل 3403 مدنيين وإصابة 6989، وكانت السنة السادسة على التوالي التي يتجاوز فيها مجموع القتلى والمصابين 10 آلاف شخص.

 

المساهمون