استمع إلى الملخص
- القدرة الاستيعابية والتجهيزات الطبية: مستشفيات البقاع أثبتت قدرتها على التعامل مع الأعداد الكبيرة من الجرحى بفضل خطط الطوارئ والتدريبات السابقة، لكن هناك مخاوف من نفاد المخزون الطبي إذا استمرت الغارات.
- التحديات المالية واللوجستية: المستشفيات تواجه تحديات مالية مع الشركات الموردة للمستلزمات الطبية، ولم تتلقَ مستحقاتها من وزارة الصحة، مما يهدد استمرارية العمل.
تتوسع الغارات الإسرائيلية على قرى البقاع، ويكرر الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر بحق المدنيين اللبنانيين، فيما تشهد المستشفيات استنفاراً واسعاً للطواقم الطبية، وتخشى من نفاد مخزوناتها، في حين يتعرض محيط بعضها لغارات.
يقول مدير مستشفى رياق في البقاع، الطبيب محمد عبد الله، لـ"العربي الجديد": "الأوضاع لا تزال تحت السيطرة، لكن هناك تخوف من فقدان الوقود والأكسجين خلال الأسبوعين المقبلين، إذا لا يوجد معمل للأكسجين في لبنان، والمعمل الذي تستمد منه المستشفى الأكسجين يقع في سورية، ولا يمكننا ضمان استمرارية إيصال المستلزمات الطبية حال تقطيع أوصال البقاع مع الحدود السورية".
ونظراً لأن جميع الجرحى يعالجون على حساب وزارة الصحة، يشير عبد الله، إلى أن المستشفيات تواجه مشكلة مع الشركات الخارجية التي تؤمن المستلزمات الطبية، والتي تسددُ فواتيرها بالدولار الأميركي، ولا يمكن التساهل في دفع مستحقاتها وإلا أوقفت التوريد. لكن وزير الصحة، فراس الأبيض، وعدنا بتأمين الأموال اللازمة للتعاطي مع الأزمة، وعدم حدوث أي تأخير في دفع أموال الشركات الطبية.
ويضيف: "للمرة الأولى، شهدنا خلال الأيام الأخيرة إجراء أكثر من 50 عملية جراحية في يوم واحد. لدينا 300 سرير، ولا خوف من امتلائها كوننا نعمد إلى نقل الحالات الخطرة بعد معالجتها إلى مستشفيات في زحلة وبيروت. الاستنفار الطبي يتطلب وجود الطواقم الطبية والإدارية بالكامل في المستشفيات على مدار الساعة، لذا يجري استقبالهم مع عائلاتهم للسكن في العيادات الخاصة بالمستشفى، أو تأمين أماكن آمنة لبعض أفراد العائلة، لكي يستطيعوا تلبية واجبهم الإنساني من دون القلق على ذويهم".
خشية من نفاد المستلزمات الطبية حال تصاعد الضربات الإسرائيلية
يتابع عبد الله: "أبرز الإصابات في الغارات على البقاع هي إصابات الجهاز الهضمي والدماغ، والتي تستلزم تدخلاً جراحياً فورياً، واستطعنا حتى الساعة معالجة جميع الحالات التي استقبلناها. القطاع الصحي في لبنان أثبت فعاليته، إذ يستقبل نحو 3600 جريح في اليوم، وهذا يبرهن على القدرة الاستيعابية الجيدة التي تتمتع بها المستشفيات. يمكن مقارنة ذلك مع مشاهد المستشفيات في الخارج التي أثبتت فشلها في التعاطي مع جائحة كورونا، والتي كانت ترمي المرضى أمام أبوابها، في حين أننا نقوم بواجبنا من دون أي خلل".
بدوره، يقول مدير مستشفى دار الأمل في منطقة دورس، الطبيب علي علام، لـ"العربي الجديد": "شهدنا ارتباكاً خلال الساعات التي استقبلنا فيها عددا هائلا من الجرحى مع توسع الغارات على بعلبك ومحيطها. لكن نظراً لخطة الطوارئ التي فعلتها وزارة الصحة، والمحاكاة التدريبية التي عملنا عليها منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم نتعرض لأي نواقص أو أزمات في المستلزمات الطبية أو الكوادر البشرية. تملك مستشفيات البقاع قدرة استيعابية عالية، كوننا نعمد إلى عمليات إخلاء الجرحى إلى بعض المستشفيات في بيروت، كما أن موجة النزوح من البقاع إلى الأماكن الآمنة قد تساعد في تخفيف الضغط على المستشفى في ما خص عدد الجرحى".
يضيف علام: "مستشفيات البقاع تعاملت مع حرب عرسال والقصير، وحرب عام 2006 أهلتنا للتعامل مع عدوان كهذا، والحال اليوم أفضل من حرب 2006. يعود ذلك إلى الاستعداد، وتدرب العاملين في المستشفى منذ قرابة العام، إضافة إلى الخبرة التراكمية والتعلم من الثغرات التي تعرضنا لها في الحروب الماضية التي شهدها لبنان. مستلزمات مستشفى دار الأمل مؤمنة لستة أشهر قادمة، ومن نزحوا من الكوادر الطبية إلى مناطق أخرى، التحقوا بالمستشفيات المجاورة لهم".
من مدينة زحلة، يؤكد مصدر طبي من مستشفى زحلة المركزي لـ"العربي الجديد": "نحن بحالة جهوزية عالية، وننسق مع جميع مستشفيات البقاع، ومنذ اليوم الأول لتطور الاستهداف لمناطق البقاع، كان مستشفى زحلة المركزي يخفف العبء عن مستشفيات دار الأمل والرياق والهرمل، ويخدم أكبر عدد من الجرحى".
لكن أكثر ما يخيف مدير المستشفى اللبناني الفرنسي في زحلة، سليم عاصي، هو نفاد المخزون من المستلزمات الطبية والأدوية. ويقول لـ"العربي الجديد": "في حال السلم، تكفينا المستلزمات الطبية المتاحة بالمخازن لقرابة شهرين، لكن مع تصاعد وتيرة الضربات وتدفق أعداد هائلة من الجرحى، من الممكن أن تنفد تلك المستلزمات خلال نحو 24 ساعة".
وفي حين تلقت المستشفيات الخاصة وعداً من وزارة الصحة بدفع مستحقاتها، يشكك عاصي، قائلاً: "وعد وزير الصحة بدفع مستحقاتنا منذ العام 2023، وإلى الآن لم نتلقّ أية أموال. بوصفنا مستشفى، يجب أن نؤمن استمرارية العمل، وندفع مستحقات العاملين والطواقم التمريضية، ونعمل على عدم الوقوع في عجز مالي يحول دون القيام بواجبنا".
وتستقبل المستشفيات جرحى من النازحين السوريين، وأغلب الحالات تتطلب جراحها تدخلاً جراحياً. ويؤكد عاصي: "تلقينا أيضاً وعداً من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان بمعالجة النازحين على نفقتها، لكننا مازلنا ننتظر التمويل".
بدوره، يقول مدير مستشفى تل شيحا في زحلة، الطبيب مروان الخاطر في اتصال مع "العربي الجديد": "لم أتمكن السبت من الالتحاق بالمستشفى نظراً للغارات العنيفة على الطرق المؤدية من بيروت إلى زحلة. المخاطر القائمة على الطرق والتزاحم يجعلان المستشفيات عرضة لنقص الكوادر الطبية بسبب موجة النزوح من البقاع والخوف من التنقل على الطرقات".
ويضيف الخاطر: "مازلنا في جهوزية عالية رغم أننا قد نشهد نقصاً حاداً في المستلزمات الطبية المتاحة، والتي تكفينا لمدة خمسة عشر يوماً، وأكثر ما يطمئننا في زحلة هو عدم انقطاع الكهرباء عن المستشفى، وفي حال استهدفت الغارات الإسرائيلية شركة الكهرباء، نمتلك مخزوناً كافياً من الوقود، وألواحا للطاقة الشمسية يمكنها أن تبقي المستشفى على قيد العمل".
وتعقيباً على تطمينات وزارة الصحة بخصوص جهوزية القطاع الصحي في لبنان، يوضح الخاطر: "الأوضاع ليست مشابهة لحرب العام 2006، فنحن اليوم دولة تعاني من الإفلاس، وإذا ما استمر الوضع الأمني بالتصاعد، سيكون مصير المستشفيات الخاصة مشابها لأزمة المصارف. إلى الآن لم نتسلم أية تمويلات من الوزارة، ولا حتى من أي جهة مانحة".