مساعدات كرم أبو سالم... بضائع إسرائيلية تغضب فلسطينيي غزة

مساعدات كرم أبو سالم... بضائع إسرائيلية تغضب فلسطينيي غزة

17 مايو 2024
بضائع قليلة دخلت غزة عبر معبر كرم أبو سالم (ماركوس يام/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بدأت مرحلة جديدة في إيصال المساعدات الإنسانية لغزة عبر معبر كرم أبو سالم بعد تقييد استخدام معبر رفح، وسط استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، مما يعكس تغييرًا في مسارات المساعدات ويؤثر على حجمها.
- القيود الإسرائيلية المفروضة على المساعدات تسببت في تقليص كميتها بشكل كبير، مع تأكيدات من الأمم المتحدة على الحاجة الماسة لزيادة تدفق المساعدات وفتح جميع المعابر لتخفيف الأزمة الإنسانية.
- تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل حاد في غزة، حيث أجبر أكثر من 630 ألف فلسطيني على النزوح، ويواجه السكان صعوبات في الحصول على الغذاء والماء والمأوى، مع تحذيرات من تفاقم الأزمة الإنسانية.

دخل ملف وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة مرحلة جديدة منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية على مدينة رفح، وعودة العمليات العسكرية إلى شمال القطاع، خصوصاً مخيم جباليا.

سمحت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء الماضي، بإدخال أول شحنة مساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، بعد احتلالها معبر رفح في السادس من مايو/أيار الماضي، والذي كانت تدخل منه الكميات الأكبر من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بمعدل وصل إلى نحو 200 شاحنة يومياً.
وأضافت قوات الاحتلال المزيد من القيود على دخول المساعدات إلى قطاع غزة، برغم أن الكميات التي كانت تدخل في السابق كانت ضئيلة، ولا تكفي الحاجات الأساسية، في ظل بقاء مئات الآلاف في أوضاع إنسانية صعبة بسبب تكرار القصف والقتل والتهجير، وانتقال العمليات الإسرائيلية إلى مدينة رفح بعد اجتياح شمالي القطاع ووسطه ومدينة خانيونس، وتهجير غالبية السكان من تلك المناطق نحو رفح.
وتؤكد الأمم المتحدة أن هناك حاجة ماسة لفتح جميع المعابر الحدودية المؤدية إلى غزة، وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية على نطاق واسع إلى القطاع، مشيرة إلى أنه حتى قبل إغلاق معبر رفح، لم تكن المساعدات الإنسانية تدخل إلى غزة بالمعدل الذي يحتاجه الناس.
ويسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تهميش معبر رفح البري كونه الوحيد في قطاع غزة الذي يتاح عبره سفر سكان القطاع إلى الخارج، وكذلك تقييد دخول المساعدات الإنسانية، وتحويل جميع مساراتها إلى النقاط التي يتحكم فيها، مثل معبر كرم أبو سالم، والميناء الجديد الذي أنشأه الجيش الأميركي في منطقة البيدر غربي مدينة غزة، والذي تسيطر القوات الإسرائيلية على طرق دخول السفن إليه عبر ميناء أسدود في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى مخارجه بالكامل في داخل قطاع غزة عبر "شارع 749" الملاصق للميناء الجديد.

تؤكد الأمم المتحدة الحاجة الماسة لفتح جميع المعابر المؤدية إلى غزة

ولا تصل المساعدات إلى نسبة كبيرة من سكان غزة الذين ينتظرون في مراكز النزوح أو الخيام، مع فرض قيود على توزيعها خلال الأيام الماضية، وتشير مصادر في وكالة "أونروا" وبعض المصادر من العشائر التي تساند عمليات توزيع المساعدات إلى عدم وصولها إلى المنطقة الشمالية، في تأكيد جديد على تقلص كمية المساعدات المقدمة لقطاع غزة بشكل كبير منذ إغلاق معبر رفح على الحدود المصرية.
وتفيد الهيئة العامة للمعابر والحدود في غزة بوصول 159 شاحنة مساعدات خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، من بينها 35 شاحنة دخلت عبر معبر رفح من الجانب المصري، وتضم 8 شاحنات محروقات "غاز وسولار"، و35 شاحنة مساعدات غدائية. بينما دخل عبر معبر كرم أبو سالم 140 شاحنة، 65 منها كانت تحمل مساعدات غذائية، و59 شاحنة منها كانت تحمل بضائع إسرائيلية، ما اعتبره كثيرين استفزازا لمشاعر السكان، الذين يؤكدون أن الاحتلال يتعمد إرسال بضائع تحمل العلم الإسرائيلي إلى قطاع غزة، كي يغضب سكانه أو يستفز مشاعرهم.
ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أوقف الاحتلال حركة التجارة ودخول البضائع والسلع إلى قطاع غزة، إذ كانت تصل إلى القطاع في السابق بضائع من بلدان مختلفة، من بينها تركيا والصين وغيرها، إلى جانب الإنتاج المحلي الفلسطيني، لكنه بدأ مؤخراً يتعمد إدخال بضائع قادمة من المستوطنات والداخل المحتل.

الصورة
وصلت بضائع إسرائيلية إلى أسواق غزة (ماركوس يام/Getty)
وصلت بضائع إسرائيلية إلى أسواق غزة (ماركوس يام/Getty)

صدم الفلسطيني محمد أبو لبدة (50 سنة) حين ذهب إلى أسواق مدينة دير البلح بكمية البضائع الإسرائيلية، ويقول لـ"العربي الجديد": "أنا واحد من أعداد قليلة في قطاع غزة الذين يملكون المال، فابني يعيش في ألمانيا، وهو يحاول بكل الطرق تحويل الأموال لي حتى لا أجوع، لكن عندما ذهبت إلى السوق وجدت غالبية البضائع إسرائيلية. كان الاحتلال خلال سنوات الحصار يفرض علينا بضائعه، وكنت أحد المقاطعين لها، وأبحث دائماً عن المنتجات المحلية، حتى لو كانت أقل جودة. لكن الآن لا توجد منتجات محلية بسبب العدوان".
يضيف أبو لبدة: "قتل الاحتلال عدداً من أفراد عائلتي، لكنه يريد أن يقول للمجتمع الدولي أنه يدخل بضائعه إلى السوق المحلي كنوع من تبييض الوجه. لم أتحمل رؤية تلك البضائع، ولن أشتريها، لكني في الوقت نفسه لن ألوم غيري إن اشتراها، فهذا أفضل من الموت جوعاً. تطاردنا كل أشكال الموت، وسياسة التجويع سلاح إسرائيلي معروف".
وتعود المشكلة إلى عدم امتلاك الغزيين الأموال، لكنهم مجبرون على شراء البضائع حتى لا يموت أطفالهم من الجوع، وقد اشترى بعضهم القليل من البضائع الإسرائيلية، وعاد آخرون من دون شراء أي شيء منها عندما شاهدوا العلم الإسرائيلي عليها.
وأكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، صباح الجمعة، أن أكثر من 630 ألف فلسطيني أجبروا على الفرار من رفح منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على المدينة في السادس من مايو، وأن غالبية هؤلاء يواجهون مصيراً مجهولاً، فغالبيتهم لم تتوفر لهم خيام أو أماكن في مراكز الإيواء، وتعيش "أونروا" أزمة كبيرة في ظل سياسة إدخال المساعدات الإسرائيلية، فقبل أيام فقط، لم يكن يتم ادخال أي شيء.

الصورة
غادر الآلاف رفح إلى دير البلح (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
غادر الآلاف رفح إلى دير البلح (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

ويشير مصدر من الوكالة الأممية إلى أن المساعدات التي دخلت أخيراً لن تكفي إلا نسبة محدودة من النازحين، ما قد يدفع "أونروا" إلى تجزئة المساعدات، بحيث يتم تقسيمها إلى كميات قليلة كي تكفي للتوزيع على عدد أكبر من العائلات المسجلة ضمن سجلات المساعدات اليومية، مؤكداً أن "الأعداد ارتفعت إلى الضعف تقريباً خلال الأيام الأخيرة، فالعائلات التي كانت تستضيف النازحين في رفح نزحت معهم إلى خانيونس ومناطق وسط القطاع، وبالتالي أصبحت ضمن الأسر التي تحتاج إلى مساعدات".
ويقول المصدر لـ"العربي الجديد": "أطلعت أونروا كثيراً من الجهات الدولية والعربية خلال الاجتماعات الأممية على أن سياسة إنزال المساعدات الجوية، وسياسة التحكم الإسرائيلي في إدخال المساعدات تبقي حالة الجوع قائمة، ومع الهجوم الأخير على رفح، هناك توقع أن تكون هناك مجاعة أكبر من الأشهر الماضية لأن المساعدات تقلصت بينما أعداد النازحين زادت".
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" في غزة، أن فرقه عندما تجولت في شوارع رفح، كان بإمكانها رؤية مدى تغير الوضع هناك بعد مغادرة الناس، والمناطق التي كانت في السابق مكتظة بالأشخاص وخيام اللاجئين باتت فارغة تماماً. لا يوجد ماء أو طعام أو مأوى في الأماكن التي ذهب إليها من غادروا رفح.
ودمر الاحتلال سوق مخيم جباليا أثناء العملية المستمرة على المخيم، والذي يعتبر من أكبر أسواق شمالي قطاع غزة، وقام غالبية السكان باستبدال المساعدات الأخيرة التي تلقوها ببضائع أخرى. 
وسمح الاحتلال، الخميس الماضي، بإدخال 7 شاحنات محملة بالمساعدات إلى شمالي قطاع غزة عبر بوابة في السياج الأمني بوسط القطاع، بعد أن خضعت لتفتيش أمني صارم عند معبر كرم أبو سالم، في وقت يعيش سكان شمالي القطاع قيوداً على التنقل.

من داخل مدينة غزة، يقول عبد الستار الوالي، وهو أحد أعضاء لجان العشائر التي تقوم بتوزيع المساعدات، إن المساعدات تقلصت بشدة مع بدء عملية جباليا الأخيرة، ومنذ إغلاق معبر رفح، أصبح إدخال المساعدات مرهوناً بالتفتيش الإسرائيلي، وهو يشعر بتخوف من أن يتواصل إدخال المساعدات إلى المنطقة الجنوبية من خلال معبر كرم أبو سالم، كون ذلك يعني أن تصل كميات قليلة إلى الشمال.
يضيف الوالي لـ"العربي الجديد": "المساعدات الأخيرة هدفها تبيض صورة الاحتلال حتى يخفف الضغط الدولي عليه، لكن محافظة شمال القطاع تتعرض للإبادة، ويتم إدخال شاحنات مساعدات قليلة لسكان مدينة غزة، بينما هناك نازحون صامدون في مخيم جباليا لم تصلهم المساعدات. محافظة شمال القطاع تعيش تحت سياسة التجويع المتعمدة من الاحتلال طوال الأشهر الماضية، وبعد التشديد الأخير، لا يعرف إن كانت المساعدات ستصل إلى الشمال من معبر كرم أبو سالم".
يتابع: "نعاني من خذلان كبير، ولا توجد جهة دولية أو عربية يمكنها إجبار الاحتلال على عدم المساس بمعابر القطاع المخصصة لإدخال المساعدات، وما سيحصل خلال الأيام القادمة سيفاقم الجوع. تحسنت الأوضاع الغذائية قليلاً قبل احتلال معبر رفح والعمليات الأخيرة في جباليا، لكن حالات سوء التغذية بين الأطفال وكبار السن لم تتقلص، والجميع يعانون للحصول على المياه والحليب والأدوية".

المساهمون