تُشكّل الحرائق أحد أبرز المخاطر التي يُواجهها العراقيون بشكل شبه يومي بعد الهاجس الأمني، إذ تسببت حوادث نشوب حرائق في مستشفيات وأسواق ومزارع ومناطق سكنية، في خسائر كبيرة بالأرواح والأموال خلال السنوات القليلة الماضية.
وبحسب المديرية العامة للدفاع المدني في العراق، فإن عوامل عدّة تؤدي إلى نشوب الحرائق أبرزها شبكة الكهرباء المهترئة وتعدد مصادر الطاقة، في وقت تنفي وجود علاقة أو ربط بين الحرائق والجانب السياسي المتأزم بالبلاد، بالرغم من تلميح جهات سياسية بذلك.
وأمس الأول السبت، أعلنت الشرطة العراقية في بغداد، عن فاجعة حريق جديدة بوفاة امرأة وثلاثة من أطفالها جراء حريق في منزلهم بحي الكريعات شمالي بغداد، قالت في توضيح لها، إن النيران التي اندلعت بسبب تماس كهربائي "حاصرتهم"، وذلك بعد يوم واحد من وفاة نازح وإصابة آخرين بحريق داخل مخيم بمحافظة دهوك شمالي البلاد.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، قال مدير عام الدفاع المدني في العراق، اللواء كاظم بوهان، إن أسباب رئيسة تقف خلف استمرار الحرائق في البلاد، أبرزها تقادم منظومة الكهرباء.
أسباب رئيسة تقف خلف استمرار الحرائق في البلاد، أبرزها تقادم منظومة الكهرباء
وأكد بوهان أنه "فضلاً عن عدم تأمين متطلبات السلامة والأمان وإهمال المواطنين والتجار وأصحاب المحال لها، فإن تذبذب التيار الكهربائي وتعدد مصادره بين كهرباء الدولة (الكهرباء الوطنية)، والمولدات الأهلية وما يرتبط بها من شباك عنكبوتية ورداءة مناشئ الأسلاك، في مقدمة المسببات للحرائق في العراق.
ويشرح بوهان كيفية التعامل مع أزمة الحرائق المتواصلة بالعراق بالقول إن "التحقيق في الحرائق تتبناه مراكز الشرطة ودوائر القضاء حسب الرقعة الجغرافية التي وقع فيها الحادث، أما تحديد الأسباب فهو من اختصاص مديرية الأدلة الجنائية بالاشتراك مع مديرية الدفاع المدني، وتظهر أغلب النتائج أن التماس الكهربائي في صدارة المسببات للحرائق في العراق".
ويوضح أنّ "النسبة الأكبر من الحوادث وقعت على مبان تُستخدم فيها ألواح (السندويتش بنل)، وهي مادة سريعة الاشتعال وتساعد على سرعة انتشار الحريق، وهي تخالف معايير ومواصفات البناء كونها لا تتميز بالتماسك وليست عازلة للحرارة وسريعة الانهيار"، لافتاً إلى أن "معظم الوفيات سجلت في هذه المباني نظراً للانبعاثات الغازية التي تصاحب احتراق هذه المادة، والتي تكون سامة جداً".
وينفي بوهان التصريحات التي أدلت بها جهات سياسية، بأن تكون بعض الحرائق مفتعلة، مبيناً أن "نسبة الحرائق المفتعلة لم تتجاوز الـ 5 بالمائة من إحصائية العام الماضي".
نسبة الحرائق المفتعلة لم تتجاوز الـ 5 بالمائة من إحصائية العام الماضي
وحول تأخر فرق الدفاع المدني بالاستجابة للحرائق، يقول بوهان إن "الزخم المروري وصعوبة دخول سيارات الإطفاء إلى بعض الأزقة وتشابك الأسلاك الكهربائية وتدنيها في أغلب المناطق، تشكل تحديات كبيرة أمام وصول فرق الدفاع المدني إلى مكان الحادث".
ويؤكد أن "مديرية الدفاع المدني تجري عملية الكشوفات على المشاريع الخاصة نزولاً إلى المحال التجارية والمولات والأسواق وكذلك المنشآت، من أجل توفير مستلزمات الإطفاء والتعريف بأنواعها وكيفية استخدامها".
ويوضح بوهان، أن "نسبة الحرائق في القطاع الخاص وتحديداً الأسواق والمحال التجارية والمنازل، بلغت نحو 70%، وهي أكثر بكثير من حوادث القطاع العام"، متوقعاً "زيادة النسبة خلال السنوات المقبلة أن لم يلتزموا بشروط السلامة والأمان الصادرة عن المديرية، وخاصة ما يتعلق بتشييد المباني التي باتت أغلبيتها دون المواصفات".
وكشفت مديرية الدفاع المدني عن إحصائية الحرائق التي جرى إخمادها منذ بداية العام الحالي وحتى شهر إبريل/نيسان، والتي بلغت 6 آلاف و49 حريقاً في عموم البلاد، باستثناء إقليم كردستان.
وقالت في بيان، إن "عدد حوادث الحريق التي جرى إخمادها في جميع أنحاء العراق، عدا إقليم كردستان، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 2022، بلغ 6 آلاف و49 حادثاً، بما يقارب 2000 حريق شهرياً، جرى خلالها إنقاذ 80 مواطناً، كما تم إنقاذ ما قيمته أكثر من 40 مليار دينار عراقي (نحو 30 مليون دولار)".
فيما سجل الدفاع المدني في إحصائية العام الماضي، أكثر من 31 ألف حريق في مختلف القطاعات، تصدرت بغداد فيها على باقي المحافظات، مقابل 29 ألف حادث حريق سجلت في 2020.
وتعتبر فاجعتي احتراق مستشفى ابن الخطيب بالعاصمة بغداد ومستشفى الحسين في ذي قار، من أبرز حوادث الحرائق التي شهدها العراق بالعامين الماضيين وخلفت مئات القتلى والجرحى.
من جهته، يقول حسن الغراوي لـ"العربي الجديد"، وهو تاجر أثاث في بغداد تعرض لخسارة مادية كبيرة جراء نشوب حريق ضخم في معرض الأخشاب الخاص به، إن "التماس الكهربائي واستخدام مواد قابلة للاشتعال في البناء، تسببا بحريق ضخم التهم الأثاث المعروض والمخازن الأرضية، حتى امتدت ألسنة النيران إلى المعارض المجاورة، ما تسبب بخسائر جسيمة للجميع".
وعند سؤال الغراوي عما إذا تم تعويضه عن الخسائر التي لحقت بهم جراء الحادث، وعن توفر إجراءات السلامة في المعارض، قال: "اعتبرتني اللجنة الحكومية السبب في هذا الحريق، ولم تعوض خسارتي الفادحة بالرغم من أن الحادث كان عرضياً وغير مفتعل"، مضيفاً أن "أصحاب معارض الأثاث الخشبي المجاورة حصلوا على تعويض بقيمة نصف ما خسروه بالحادث، أي أن التاجر الذي خسر مليار دينار عراقي، عوض بـ 500 مليون فقط، وهذا إجحاف كبير لي ولهم".
ويشير الغراوي، إلى أن "إجراءات السلامة لم تكن متوفرة، بسبب أن أغلب معارض الأثاث في هذه المنطقة تدفع رشى للجان التفتيش كي تتغاضى عن المخالفات سواء في البناء أو بما يتعلق بالربط الكهربائي وتوفير مطافئ الحرائق".
بدوره، يؤكد الناطق باسم وزارة الداخلية العراقية، اللواء خالد المحنا، أن "لجاناً متخصصة في التفتيش والمتابعة بإجراءات السلامة من الحرائق، تخرج بشكل دوري على القطاعين العام والخاص، وتقدم تقاريرها بشأن المخالفات الحاصلة المتعلقة بإجراءات السلامة".
ويضيف المحنا لـ "العربي الجديد": يحال صاحب المخالفة لجلسة فصل يرأسها مدير عام الدفاع المدني، وله صلاحية فرض غرامات تبدأ من 250 ألف دينار إلى مليون دينار، حسب جسامة الضرر".
ويوضح المحنا أن 47% من حرائق العام الماضي، كان سببُها تماساً كهربائياً، فيما بلغت نسبتها 48% في عام 2020". وتزداد مخاوف العراقيين مع اقتراب فصل الصيف الذي ترتفع فيه خطورة الحرائق، نظراً لزيادة الضغط على شبكة الطاقة الكهربائية وتهالك المباني والاستمرار بعدم الالتزام بإجراءات السلامة والأمان في عموم البلاد.