مرضى الفشل الكلوي في غزة: هذه أصعب أيام حياتنا

31 أكتوبر 2023
يخضعون للغسيل الكلوي (محمد الحجار)
+ الخط -

في مدينة حمد جنوب قطاع غزة، يحتاج فؤاد عوض (51 عاماً) إلى ساعة ونصف الساعة ليصل إلى أقرب مستشفى من أجل جلسة الغسيل الكلوي. وبدلاً من التوجه ثلاث مرات في الأسبوع، فإنه يجري جلستي غسيل كلى منذ بدء العدوان الإسرائيلي. ويقول إنه يشعر بإرهاق جسدي كبير، عدا عن الضغوط النفسية من جراء الحرب المستمرة.
قبل أسبوع، توجه عوض إلى مجمع ناصر الطبي للخضوع لجلسة غسيل كلوي، لكن حدث أن استهدفت القوات الإسرائيلية مبنى قريباً في أثناء سير السيارة بطريق فرعي باتجاه المستشفى، في ظل تدمير عدد من الطرقات الرئيسية المؤدية إلى المستشفى الواقع على مقربة من أبراج حمد في خان يونس. لكنه اضطر إلى العودة بعد يومين؛ لأنه شعر بآلام شديدة.
داخل مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، والذي يعتبر ثاني أكبر مجمع طبي في قطاع غزة، يكتظ الناس على مدار الساعة في ممراته، ويحصل الكثير من المصابين والجرحى على علاجٍ عاجل عند بوابات المستشفى في ظل نقص المعدات الطبية والأدوية في ظل امتلائه بإصابات خطيرة. كل هذا يؤثر في سير علاج المصابين بالفشل الكلوي.
يقول عوض لـ "العربي الجديد": "تقلصت جلسات غسيل الكلى إلى يومين عوضا عن ثلاثة أيام؛ لأنني عاجز عن ذلك وقد تحولنا إلى نازحين. نزحت من حي الزيتون شرق مدينة غزة إلى منزل أقاربنا. من جهة أخرى، فإن القسم مكتظ بالمرضى. أشعر بخوف شديد وإعياء متواصل منذ بدء العدوان. أحتاج إلى السفر بعد شهر لتلقي العلاج داخل أحد مستشفيات الضفة الغربية، ولا أعرف مصيري. قد أصبح شهيداً أو مصاباً بسبب الحرب، وقد نجوت مرتين من الموت لغاية اللحظة".

أما أحمد أبو حشيش، وهو مصاب بالفشل الكلوي أيضاً، فقد نزح إلى مجمع الشفاء الطبي في إطار بحثه عن مكان قد يكون آمناً. يقيم داخل خيمة فيها ما لا يقل عن 30 شاباً، يتناوبون على النوم. بالإضافة إلى الأمان، يرغب في ضمان حصوله على العلاج. إلا أن أبو حشيش نزح وحيداً مع والده إلى مجمع الشفاء. أما بقية أفراد عائلته، فقد نزحت إلى جنوب قطاع غزة على أمل أن يكون أكثر أماناً. أما هو، فلا يستطيع التنقل من أجل الحصول على جلسات غسيل الكلى، إذ يعاني كثيراً لتأمين طعام ملائم له أو مياه للشرب، ويشعر بالألم طوال الوقت.
يقول أبو حشيش لـ "العربي الجديد": "لا أريد شيئاً الآن سوى انتهاء الحرب وإجراء عملية زراعة كلية بعد العثور على متبرع. استشهد الكثير من أقاربي في القرية البدوية شمال قطاع غزة، ودمر منزلنا كما أخبرني ابن جيراننا الذي نزح بعدنا. أشعر أنني سأموت إن بقيت هكذا من دون الحصول على علاج جيد. مدة الجلسة التي أحصل عليها في المستشفى لا تتجاوز الثلاث ساعات حاليا، علماً أنها كانت أطول قبل ذلك".

الصورة
المرضى والجرحى في ممرات المستشفيات (محمد الحجار)
المرضى والجرحى في ممرات المستشفيات (محمد الحجار)

أما أبو إيهاب أبو شاويش (58 عاماً)، فقد عانى للوصول إلى مجمع الشفاء، هو الذي لم يعثر على مكان آمن له ولأسرته ليستقروا فيه. كل يومين، يتنقل من مكان إلى آخر بسبب القصف، وقد وصل صباح الأحد الماضي إلى المستشفى على عربة يجرها حمار، وهو المكان السادس الذي يقيم فيه حتى ينتقل خلال هذا الأسبوع إلى جنوب القطاع. يقول أبو شاويش لـ "العربي الجديد": "كنت أخضع للعلاج في المستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة. لكن مخيم جباليا تعرض لإبادة. وأنا مريض وثقيل الوزن. أحتاج إلى وقت حتى أتنقل. لم نجد أية وسيلة نقل سوى العربة للذهاب إلى جلسة غسيل الكلى. أشعر بإرهاق نفسي وكأن الموت حتمي. هذه أصعب أيام حياتنا في قطاع غزة".
ويُحاول عشرات المرضى الوصول إلى قسم الكلية الصناعية في مستشفى الشفاء الطبي منذ ساعات الصباح والبقاء أمام باب القسم، حتى يحصلوا على جلسة العلاج قبل أن يعودوا إلى منزلهم أو مكان وجودهم في أثناء النزوح. وتنتشر في محيط المستشفى وفي مرافقه خيام النازحين وفراشهم وأغطيتهم، منهم نازحون دمرت منازلهم وآخرون هجروا سعياً إلى حماية أطفالهم.

ويقول مدير عام التعاون الدولي في وزارة الصحة بغزة الدكتور مروان أبو سعدة، إن عدد المرضى المصابين بالفشل الكلوي في غزة بحالة تنامٍ مستمر على اعتبار أن بيئة القطاع من البيئات التي تتفشى فيها الأمراض، وهم قرابة 1200 مريض من محافظات القطاع، وهناك 450 يترددون على أقسام الغسيل الكلوي. ويشير إلى أن وزارة الصحة في غزة اضطرت في أثناء العدوان إلى تقليص الفترات المخصصة لعلاج كل مريض، وتم تقليص مدة الجلسة، فباتت ثلاث ساعات لكل مريض عوضا عن أربعة، كما تقلصت فترة العمل من الساعة السابعة والنصف صباحاً وحتى الخامسة والنصف مساء، بسبب الحرب وعدم القدرة على الوصول إلى مستشفيات القطاع.

الصورة
المرضى والجرحى في ممرات المستشفيات (محمد الحجار)
انقطاع الكهرباء وعدم توفر الوقود يشكلان كارثة كبيرة (محمد الحجار)

ويقول أبو سعدة لـ "العربي الجديد" إن "انقطاع الكهرباء وعدم توفر الوقود يشكلان كارثة كبيرة، فمن دونهما لا يعمل القسم. وكل ما نسمعه من وعود لم تصل إلى ضمان آلية لدخول الوقود إلى المستشفيات من أجل استمرار علاج المرضى، مع الإشارة إلى أن 70 في المائة من المرضى هم من النازحين، ولا يستطيعون القدوم إلى المستشفيات للعلاج، ويحتاجون إلى وسائل مواصلات آمنة".

المساهمون