مرضى السرطان في لبنان في مواجهة الموت وتحذير من إبادة جماعية

29 ديسمبر 2023
رفع المحتجون لافتات تدعو إلى حلّ أزمة أدوية السرطان (فيسبوك)
+ الخط -

شهدت ساحة رياض الصلح في بيروت، اليوم الجمعة، وقفة احتجاجية على فقدان أدوية السرطان وارتفاع التكاليف الباهظة للعلاج، رافعةً الصوت بأنّ حياة آلاف المرضى بخطرٍ ومصيرهم معلّق في مهبِّ المجهول، في ظلّ استمرار المسؤولين بانتهاج سياسة الحلول الترقيعية منذ أواخر عام 2019 وإطلاق الوعود التي تبقى حبراً على ورق.

ودعت جمعية "بربارة نصّار" إلى اعتصام بعد ظهر اليوم أمام مقرّ السرايا الحكومية في بيروت تحت عنوان "مرضى السرطان في لبنان في مواجهة الموت أو الحكومة"، للمطالبة بـ"حقّ مرضى السرطان في نيل علاجهم بكرامة".

حقّ مرضى السرطان في العلاج بكرامة

ورفع المشاركون في الوقفة الاحتجاجية لافتات تدعو إلى حلّ أزمة أدوية السرطان والأمراض المستعصية في لبنان، وتتوجه إلى المسؤولين بالقول إنهم "أخطر من مرض السرطان، ويا ويلهم من الله".

وأشار المحتجون إلى أنّ "وزارة الصحة تواصل تطميناتها بأنّ الأدوية مؤمّنة ودعمها يأتي من حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي، لكن الواقع مختلف تماماً، فالأدوية إن وجدت ليست متوفرة للجميع، وتوزع من دون عدل، ما يدفع العديد من المرضى للجوء إلى السوق السوداء ودفع مبالغ طائلة تفوق قدرتهم من أجل تأمينها، عدا عن أن التكاليف الاستشفائية أصبحت خيالية، وتجعل الكثير من المرضى يفضلون الموت على دفعها، لا سيما من أصحاب الفئات الضعيفة الفقيرة".

وقال رئيس الجمعية هاني نصّار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "السبب الأساسي للأزمة يكمن في عدم قيام الحكومة مع مجلس النواب بوضع خطة إنقاذ لمرضى السرطان، وذلك منذ نحو 4 أعوام لغاية اليوم".

وأشار نصّار إلى أن المعنيين يواصلون تأكيدهم أن الأدوية مدعومة، لكن ما الفائدة من دعمها إذا كانت مقطوعة وغير متوفرة للجميع، لافتاً إلى أن الصرف كان يصل إلى حدود 20 مليون دولار شهرياً وانخفض إلى 15 مليوناً، وأصبح اليوم 5 ملايين دولار في الشهر على أدوية الأمراض السرطانية.

ولفت نصّار إلى أنه في اجتماع مع وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، "بشّرنا" بتوجّه بتقديم الأدوية لمرضى وزارة الصحة من التي تعدّ العلاج الأساسي للسرطان، لكن كل الأدوية الحديثة لن تعتمد، ما يعني أن المريض سيشتريها على حسابه وهذه ثمنها آلاف الدولارات، عدا عن تكاليف العلاج الاستشفائية التي يتكبّدها على عاتقه الخاص، وأرقامها مرتفعة جداً وباتت محصورة بالأغنياء فقط.

ولفت رئيس الجمعية إلى أن هناك 12500 مريض مسجّل على منصّة أمان المخصّصة للأدوية المدعومة، هؤلاء حياتهم مهددة مباشرة بالخطر، وهناك نحو 30 ألف مريض يخضعون حالياً للعلاج مع مصير مجهول.

وأشار نصّار إلى أن الدول التي عادة ما تمرّ بأزمة اقتصادية مماثلة، تلجأ إلى فرض ضرائب على مسبّبات السرطان لمعالجة المرضى، مثل الدخان، الكحول، السكريات وغيرها، وهناك دراسات أجريت في جامعات لبنانية أظهرت أن فرض ضريبة على الدخان، في حال وضعها بالطريقة الصحيحة، يمكن أن يؤمن ما يصل إلى 300 مليون دولار بالسنة، وهذا الرقم يشكل ثمن كل أدوية الأمراض السرطانية في السنة.

كذلك، أظهرت الدراسات، بحسب نصّار، أن مجموع الضرائب التي تفرض على هذه المسبّبات يصل إلى مليار و400 مليون دولار في السنة، مشيراً إلى أن وزير الصحة طرح الموضوع في مجلس الوزراء للسير به، وبدورنا طرحناه أكثر من مرّة في الإعلام للإضاءة عليه.

ويشدد نصّار على أن "اعتماد هذه الضرائب قادر على معالجة مرضى السرطان في لبنان، وهذا الملف يجب أن يكون أولوية، خصوصاً أن أحدث الأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية أظهرت تصاعداً مخيفاً في وفيات السرطان، وارتفاعاً مقلقاً في أعداد المرضى وعلى صعيد مختلف أنواع السرطانات".

نقيب الصيادلة: إبادة تُرتكب بحق مرضى السرطان

في الإطار، أطلق نقيب صيادلة لبنان جو سلوم تحذيراً من أنّ "ما يُرتكب اليوم في حق مرضى السرطان والأمراض المستعصية هو بمثابة إبادة جماعية".

وقال سلوم إن "فقدان المدعوم من تلك الأدوية أو توفرها بشكل متقطّع أو استبدالها بأدوية أقلّ جودة أو اضطرارهم إلى اللجوء إلى السوق السوداء، يحرم آلاف المرضى من العلاج الناجع، ويرسم لهم قدرهم الحتمي".

واعتبر سلوم في بيانٍ، اليوم الجمعة، أن "من أقلّ واجبات السلطات أن تضع هذا الموضوع الإنساني والأخلاقي على رأس الأولويات، وتدعو فوراً إلى مؤتمر دولي للمانحين، وتستنهض الضمير العالمي لمساعدة مرضى لبنان، فالأموال المطلوبة سنوياً لدعم وتأمين كل أدوية مرضى السرطان والأمراض المستعصية لا تتعدّى الـ360 مليون دولار سنوياً".

وزارة الصحة: نتفهم صرخة مرضى السرطان

من جهتها، أوضحت وزارة الصحة في بيان أن "الأمراض السرطانية والمستعصية تشكل معاناة حقيقية للمرضى وعائلاتهم، ووزير الصحة لم يدخر جهداً لإيجاد حلول دائمة تضمن استقرار العلاج من خلال تنظيم السوق"، مشيرة إلى أن "تجدّد المشكلة لن يشكل عائقاً، بل إنه دافع إضافي للإسراع في إرساء الحلول مع مد اليد لجميع المعنيين للاشتراك بالجهود المبذولة بإيجابية، بما يضمن حقوق المرضى طبياً ومعنوياً ويقلص معاناتهم".

وقالت الوزارة إنها "تتفهم الصرخة المحقة التي يطلقها مرضى الأمراض السرطانية والمستعصية، وتشاركهم وجعهم نتيجة حصول نقص في عدد من أصناف الأدوية نظراً لتقلص الكميات التي تسلمتها الوزارة بسبب نقص الاعتمادات"، مشيرة إلى أن هذه المسألة الشائكة عادت لتتجدد بسبب نقص التمويل.

ولفتت إلى أن "وزير الصحة طرح مقترحات حلول لهذه المشكلة في الاجتماع الأخير الذي عقد برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وحضور وزير المالية يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، وأسفر البحث عن وعد بإقرار هذه المقترحات وإصدار المراسيم المطلوبة لفتح الاعتمادات في أول جلسة مقبلة لمجلس الوزراء، ما سيؤمن التمويل اللازم والإضافي لهذه الأدوية".

المساهمون