أصيبت الإيرانية شادي فدائي (42 سنة) بمرض الثلاسيميا منذ أن كانت في الشهر الثامن من عمرها، واضطرت منذ ذلك الحين إلى إجراء عمليات منتظمة لنقل الدم، وعلاج تكدّس الحديد في القلب والكبد والبنكرياس.
تقول لـ"العربي الجديد": "أنا مضطرة لتلقي علاج مستمر بسبب خطورة مرضي. ومنذ سنوات تفاقمت معاناتي بسبب انعدام الأدوية الأجنبية جراء العقوبات الأميركية، وإصابتي بحساسية في الجسم لدى تناولي أدوية إيرانية". تضيف: "يجب أن أحصل شهرياً على 100 إبرة من نوع "ديسفيرال"، أي 1200 إبرة سنوياً، لكنني اكتفيت بـ300 إبرة العام الماضي، بسبب عدم توفرها في الأسواق الإيرانية". وتؤكد أن مشاكلها مع مرضى آخرين تضاعفت منذ أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إيران عام 2018. وتذكر أن انعدام الأدوية تسبب في وفاة بعض مرضى الثلاسيميا.
وتشهد إيران انتشاراً كبيراً للثلاسيميا مقارنة ببلدان أخرى، وتُعرف بأنها إحدى بؤره. وتحصي مصادر وجود 23 ألف مصاب في البلاد يخضعون لعلاجات تشمل حقن وحدات دم طوال الحياة، واستعمال أدوية لإزالة الحديد الذي قد يؤدي تكدسه إلى الإصابة بأمراض ثانوية، مثل السكري والفشل الكلوي وهشاشة العظام وأمراض في القلب والكبد.
وبسبب عدم توفر الأدوية الكافية خلال السنوات الأربع الأخيرة، تكدّس مخزون الحديد في كبد فدائي ما ضاعف إفرازات المرض لديها، ثم زاد إنفاقها الشهري على العلاج إلى 200 دولار، وهو مبلغ كبير في إيران يعادل الراتب الشهري لعامِلَين في القطاع العام بإيران.
وتلفت إلى أن تكدس الحديد في البنكرياس أدى إلى إصابتها بمرض السكري المزمن من النوع الأول. وتشير إلى أن العقوبات رفعت أسعار الأدوية في إيران في شكل كبير، مع انعدام وجود أصناف عدة.
من جهته، يقول رئيس جمعية مرضى الثلاسيميا في إيران، يونس عرب، لـ"العربي الجديد" إن "الوضع الناتج من العقوبات عرّض المرضى للإصابة بأمراض ثانوية، وزاد الوفيات في صفوفهم، فقبل العقوبات كان يتوفى بين 25 و30 مريضاً بالثلاسيميا سنوياً في إيران، في حين يتراوح عددهم الحالي بين 120 و150مريضاً سنوياً.
والثلاسيميا اضطراب وراثي يحدث لخلايا الدم إثر انخفاض نسبة "الهيموغلوبين" (المكوّن الأساسي لكريات الدم الحمراء والذي ينقل الأكسجين) عن المعدل الطبيعي، وتبعاً لذلك يحصل انخفاض في مستوى الأكسجين بالدم الذي يسمى أيضاً (أنيميا البحر الأبيض المتوسط)، لأن منشأ المرض كان في حوض البحر الأبيض المتوسط.
والهيموفوليا أو الناعور اضطراب وراثي نادر يجعل الدم لا يتجلط بشكل طبيعي، لأنه يفتقر إلى البروتينات الكافية لتخثر الدم، ويشمل العلاج التعويض المنتظم لعامل التخثر المحدد الناقص.
وتصنّف الحالة الصحية لمرضى الثلاسيميا بين درجة عظمى ومتوسطة بحسب عمليات نقل الدم التي تحصل للبقاء على قيد الحياة. وفي حال واجه المرضى نقصاً في الأدوية يفقدون القدرة على الحركة ويصابون بإعاقات دائمة في المشي.
ولا يمكن علاج الثلاسيميا بالكامل، لكن يمكن إدارته والسيطرة عليه في شكل فعّال. وفي حالاته العظمى يحتاج المرضى إلى نقل دم في الجسم، كما يتناولون أعشاباً تساعد الجسم في إنتاج خلايا الدم والهيموغلوبين في شكل طبيعي.
الثلاسيميا اضطراب وراثي يحدث لخلايا الدم إثر انخفاض نسبة الهيموغلوبين
عموماً لا تستهدف العقوبات الأميركية مباشرة تجارة الأدوية في إيران، لكن سلطات هذا البلد تواجه صعوبات كبيرة في تمويل عمليات شراء الأدوية من الخارج بسبب حظر مصارفها ومعاملاتها المالية، كما تتجنب شركات أجنبية عدة بيع أدوية لإيران خوفاً من تعرضها لعقوبات أميركية.
وحالياً، ترفض شركة "نوفارتیس" لإنتاج الأدوية التي تتخذ من مدينة بازل السويسرية مقراً، بيع أدوية تستخدم في علاج الثلاسيميا لإيران. ويقول عرب "أبلغت نوفارتيس الشركة الإيرانية التي تتعامل معها في منتصف عام 2022، أنها لا تستطيع التجاوب مع طلب تلقته عام 2021 لشراء حبوب غرانولا غادينو التي تستخدم في علاج مرضى الثلاسيميا، وحذت حذوها شركة روكت الفرنسية التي تنتج مواد تستخدم في إنتاج أدوية لعلاج الثلاسيميا، إذ قررت وقف تعاونها مع الشركة الإيرانية".
ويشدد عرب على أن "العقوبات الأميركية تهدد أرواح المرضى الإيرانيين، بينما يؤكد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق واتفاقات دولية أخرى حق الجميع في التمتع بأعلى معايير الصحة والسلامة البدنية والنفسية، ويبدو جلياً أن استثناء الولايات المتحدة الغذاء والدواء من العقوبات التي تفرضها على إيران تحوّل إلى شعارات فارغة من المضمون، لأنه لا يمكن عملياً شراء أدوية بسبب العقوبات المفروضة على المصارف والتحويلات المالية".
يتابع: "تتعرض شركات الأدوية الأجنبية لملاحقات قانونية رغم الإعفاءات من العقوبات التي منحتها وزارة الخزانة الأميركية للسلع الإنسانية من العقوبات، كما تتجنب البنوك العالمية والشركات المساهمة في توفير الأدوية الأساسية الضرورية، إرسال أدوية إلى إيران خوفاً من تعرضها للعقوبات الأميركية".
إلى ذلك يحقن الشاب غلام رضا ميرزائي، وهو رياضي محترف في تسلق الجبال ويعاني من الثلاسيميا، ثلاث وحدات دم أسبوعياً، لكن كميات فيريتين الدم ترتفع لديه بعد كل حقنة تجبره على أخذ دوائي "غادينو" و"ديسفيرال" اللذين يزيلان الحديد. ويقول لـ"العربي الجديد": "أصبح انعدام الأدوية يهدد حياتي وحياة جميع المرضى، بسبب احتمال الإصابة بأمراض القلب والكبد وهشاشة العظم والاكتئاب، وفقدان الأمل بالحياة".
ويتحسر ميرزائي على أنه لم يعد قادراً على ممارسة الرياضة بسبب عدم توفر الأدوية، وفقدانه عمله بسبب عجزه عن الحركة.
تقطن عاطفة زاهديان في محافظة مازندران شمالي إيران. تزوجت عام 2010 من الراحل ناصر ميرنجاد بعدما علمت بمرضه من دون أن يشكل ذلك عقبة أمام زواجهما حتى توقف المستشفى عن تقديم الأدوية المجانية لزوجها إثر تطبيق العقوبات الأميركية. تقول لـ"العربي الجديد": "مع بداية تطبيق العقوبات الأميركية لم يستطع زوجي شراء الأدوية الضرورية بسبب ارتفاع سعرها في شكل كبير، ثم انعدم وجود هذه الأدوية في الأسواق فتوفي في نهاية المطاف بسبب تعرضه لنزيف نتيجة عدم حصوله على أدوية. وحالياً أعاني مع ابنتي من الفقر والمشاكل النفسية بعدما غيّب المرض ناصر".