أنعمت نهاية عام 2020 على الجزائريين بمشهد مختلف عما عايشوه من أزمات عام كورونا الطويل، وهو مشهد الثلوج التي تساقطت على كثير من المدن التي ازدانت باللون الأبيض
في غضون أيام قليلة، قبل نهاية عام 2020، تحول عدد من المدن والقرى في الجزائر، بما فيها مناطق صحراوية، إلى مساحات بيضاء بالكامل، فقد تساقطت الثلوج على 19 ولاية، ما دفع السكان للخروج من منازلهم والاستمتاع بالحلّة البيضاء التي أسعدت الأطفال، وجددت معنويات كثيرين، بعد الرتابة والقلق اللذين تسبب بهما الحجر الصحي، المفروض بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد.
استقطبت الجبال والمناطق المكسوة بالبياض الطبيعي الأسر والأطفال في رحلة التنزّه وصنع الفرحة التي باتت نادرة لديهم، إذ أصبحت جبال الشريعة، في ولاية البليدة، شرقي البلاد، وجهة لسكان مناطق عدة، للاستمتاع بالأجواء والتقاط الصور وتبديل الأجواء السلبية التي فرضها الوباء. وعلى الرغم من البرد القارس، لعب الأطفال لعبتهم الثلجية المفضلة، وهي التراشق بكرات الثلج، بالإضافة إلى صنع رجل الثلج والأشكال والرسوم المختلفة.
قطعت أسرة سوامي عبد الجليل، 75 كيلومتراً، من منطقة، حسين داي، في العاصمة الجزائرية، إلى البليدة. كان الطريق المؤدي إلى جبال الشريعة مكتظة بالسائقين، الذين أخذوا الوِجهة نفسها. اختارت الأسرة أن تمضي يوماً كاملاً في التنزه بين جنبات الجبال وأشجار السرو، والاستمتاع ببياض المكان، وصنع رجل الثلج، وهو ما أثلج صدور الأطفال. يقول عبد الجليل وزوجته لـ"العربي الجديد" إنّ حالة القلق والبقاء طويلاً في البيوت بسبب الوباء، دفعتهم إلى اتخاذ قرار بعطلة نهاية الأسبوع، في أعالي الجبل بعدما تساقطت الثلوج بكثافة، وقد أجمعوا على الذهاب في "مغامرة" محمّلين ببعض الأغراض التي تساعدهم في الاستمتاع بالجمال الطبيعي، ومنها ملابس وأحذية شتوية، فضلاً عن وسائل إزاحة الثلوج، كما الاستعداد لتوثيق اللحظات الجميلة بين أحضان الطبيعة الخلابة، بكاميرات الهواتف.
على مسافة تسعة عشر كيلومتراً بينها وبين وسط ولاية البليدة التي أخذت تسمية "عاصمة الورود في الجزائر" تتوقّف الأسر لأخذ قسط من الراحة سواء في الأماكن المخصّصة للزائرين كالمتاجر والمطاعم، أو مواصلة الرحلة إلى أعلى مكان متاح في هذه السلسلة الجبلية التي تقع على ارتفاع 1600 متر عن سطح البحر. ظلّت جبال الشريعة، وِجهة عشرات من الأسر، لمنظرها الخلاّب، وحيازتها على سلسلة جبلية تطلّ على خمس ولايات متاخمة للعاصمة، كما تضمّ محمية طبيعية، علاوة على بيوت للتأجير تجذب السائحين والزائرين من المدن الداخلية.
يشهد هذا المكان الساحر مجيء كثير من الزائرين، باعتباره وجهة سياحية وطبيعية بامتياز، كما تقول فريدة بودهان، العضوة في جمعية حماية الشريعة البيئية، لـ"العربي الجديد. تلفت إلى أنّ المنطقة تشهد تدفق الآلاف من الأسر في فصل الشتاء، لأنّها محمية، وتتوفر على متطلبات الفرجة والنزهة وقضاء عطلة لأيام، حيث تمتد الشريعة على مساحة تفوق 26 الف هكتار، حيث تتوفر على شاليهات خشبية ومقاهٍ ومطاعم ومساحات ومقاعد وطاولات خشبية مرتبطة بالمكان الطبيعي.
هواة الرياضة الجبلية، أو "التزحلق" بلغة المتمردين على قساوة الطبيعة وبرودة الجوّ، حضر منهم عشرات من الأصدقاء في هذه المنطقة الجميلة، للتنزّه جماعياً، وإمضاء الليل في الشريعة، إذ يعدّون وجبات ساخنة على الحطب. يعترف محمد لمين بلخيري، وهو أحد هواة السياحة الجبلية في فصل الشتاء، أنّه يستغل مناسبة تساقط الثلوج في غابات الشريعة للترويح عن النفس واللعب والتزلج والتقاط الصور والتمتع بمناظر في غاية الجمال. هذه المحمية التي تحتوي على ثروات نباتية وحيوانية نادرة، إذ تضم 380 نوعاً من النباتات علاوة على 800 فصيلة من الحيوانات، مكان للراحة والطمأنينة بعيداً عن ضوضاء المدينة وصخب العيش وضغوط الحياة، وهنا بين أشجار الصنوبر والأرز والسرو، لا مكان إلاّ للحلم والتحليق بعيداً مع المخيلة التي تأخذك أينما تريد ومع من تريد.
هكذا، غيّرت الثلوج وجه مدن عدة، وقدمتها في حلّة طبيعية جذابة، ففي جبال تمزقيدة، بولاية ميلة، وجبال ولايتي برج بوعريريج، وسطيف، وجدت الأسر الآتية من مناطق عدة متنفسّها الوحيد، عبر الذهاب في رحلة جبلية وإمضاء وقت ممتع مع نيران الحطب، والمناظر الخلابة في الغابات التي تحولت بين عشية وضحاها إلى صورة بيضاء. وبعيداً عن المتعة، تشهد مناطق عدة موجة برد قاسية وتساقطاً للثلوج يتسبب في عزل قرى في الجبال، خصوصاً في مناطق القبائل الكبرى وسط الجزائر، إذ اضطرت عناصر الجيش الجزائري للتدخل، في الأيام الأخيرة، لفتح الطرقات وفكّ العزلة عن السكان، مثلما حدث في المدية، وجيجل، وسطيف وتيزي وزو شرقي البلاد، علاوة على تسخير عدة شاحنات لنقل المؤن والغذاء إلى سكان الجبال.