مدرسة الجاعوني... المجزرة رقم 43 في النصيرات

07 يوليو 2024
يواسين خسارتها بعد استهداف المدرسة (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **مجزرة مدرسة الجاعوني**: ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة في مدرسة الجاعوني بمخيم النصيرات، مما أسفر عن استشهاد 16 شخصاً وإصابة حوالي 75 آخرين. نفت حركة "حماس" وجود عناصرها داخل المدرسة واعتبرت الاستهداف جريمة وخرقاً للقانون الدولي.

- **شهادات الناجين**: أحمد عيسى ساعد في انتشال الجثث، بينما أصيب محمد أبو مراحيل بجروح خطيرة. النازحون في المدرسة تعرضوا للقصف مجدداً، مما أجبرهم على النزوح مرة أخرى.

- **استهداف متكرر**: الاحتلال استهدف مدارس أخرى تؤوي نازحين، مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء والإصابات. الوضع الإنساني والصحي في المخيم يواجه تحديات كبيرة وسط نقص الموارد والاكتظاظ في المستشفيات.

وصل عدد المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في النصيرات، وسط غزة، إلى 43، مع المذبحة التي كانت مدرسة الجاعوني عنواناً لها يوم السبت الماضي.

ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة جديدة يوم السبت الماضي في قلب مدرسة الجاعوني التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وذلك في ساحة المدرسة التي قالت الوكالة إنها تضم أكبر تجمع للنازحين، من بينهم عائلات كانت قد فرت من مجازر ارتكبها الاحتلال في قلب مدارس سابقاً، منها المجزرة في مدرسة "ذكور النصيرات الإعدادية" التي راح ضحيتها حوالي 30 شهيداً. بذلك، يكون الاحتلال قد ارتكب المجزرة رقم 43 في مخيم النصيرات، والتي راح ضحيتها 16 شهيداً وحوالي 75 إصابة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي. ونفت حركة "حماس" ما وصفته بالادعاءات الإسرائيلية الكاذبة التي تتهم الحركة بوجود عدد من عناصرها داخل المدرسة المستهدفة، واعتبرت أن استهداف المدرسة مجزرة وجريمة إسرائيلية جديدة وخرق للقانون الدولي يستدعي موقفاً واضحاً من المجتمع الدولي. وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية بأن طائرات الاحتلال الحربية قصفت مدرسة الجاعوني التي تؤوي نازحين في النصيرات، ما أدى إلى استشهاد 16 مواطناً. أضافت أن مدرسة الجاعوني التي استُهدفت تعرّضت للقصف للمرة الثالثة منذ بدء العدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وذكر شهود من النازحين كانوا موجودين في المدرسة، أن الاحتلال قصف ساحة المدرسة وسط الملعب بثلاثة صواريخ أطلقتها مسيرات. وتفيد عدد من التقارير بأنها تحدث قوة انفجارية كبيرة في ظل وجود النازحين في قلب المدرسة، وهم الذين يحصلون على استراحة خارج الغرف بسبب حرارتها الشديدة، كما يبين أحمد عيسى.

نجا عيسى ووالدته من المجزرة وقد كانا في المبنى الخلفي ويستعدان للتوجه إلى شقيقته التي أنجبت طفلة قبل أيام، وتقيم في مدرسة قريبة منهم، حيث توجد غالبية شقيقاته. وكان النازحون في المنطقة يشعرون بالقلق بعد المجزرة بحق النازحين في مدرسة "ذكور النصيرات الإعدادية". ساعد عيسى رجال الدفاع المدني في المنطقة في انتشال الجثامين وحتى المصابين منهم، لكنه توقف بعد رؤيته أشلاء. وكانت المدرسة تعد الأكثر اكتظاظاً بين مدارس أونروا وسط مخيم النصيرات، وكان قد نزح ووالدته بعد المجزرة في مخيم البريج الشهر الماضي إلى أن وصل إلى المدرسة بعدما ضغط على القائمين في الوكالة لأن والدته مريضة، في حين أنه بقي مع الرجال في الخيام. يقول عيسى لـ "العربي الجديد": "داخل المدرسة عائلات نزحت من مخيمي النصيرات والبريج بالإضافة إلى مدينة غزة وشمال القطاع، وتعد المدرسة ضمن خريطة المنطقة الآمنة بحسب متابعتنا للصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية. ظننا أن هذه قد يمنع الاحتلال من استباحة دمنا". 
من جهته، أصيب محمد أبو مراحيل (25 عاماً) أثناء المجزرة، ونُقِل على عربة يجرها حمار أحضرها شقيقه، ونقل مع مجموعة من أصدقائه الذين استشهد أحدهم فيما لا تزال حالة اثنين منهم خطرة. في المستشفى، جلس على الأرض بانتظار تلقي العلاج، وخرج في اليوم التالي، على أن يتابع العلاج كل ثلاثة أيام. وبسبب عدم وجود أماكن شاغرة، لم يُنقل إلى إحدى الغرف. يقول لـ "العربي الجديد": "جميع من في المدرسة مدنيون وكانوا قد هربوا من المنطقة الشرقية ومناطق قريبة من شارع صلاح الدين على أمل ألا يجد الاحتلال مبرراً لقتلنا. كنا نفضل الجلوس وسط درجات حرارة مرتفعة بدلاً من البقاء في غرف الفصول، لذلك، غالباً ما تكون ساحة المدرسة حيوية ومكتظة كونها متنفساً لنا، لكن الاحتلال قصفنا مباشرة غير آبه بالأطفال والنساء وكبار السن". يضيف: "كنت قد أنقذت صديقي خلال مجزرة النصيرات يوم تحرير الإسرائيليين الأربعة الشهر الماضي، وأخذته إلى مستشفى شهداء الأقصى. كنت أتألم وهو يُعالج على الأرض. واليوم، شعرت أكثر بمعاناته. أنا مصاب في الكتف والرأس والساق وغير قادر على الحراك. يفترض بالكثير من المصابين البقاء في المستشفى للعلاج، إلا أن ذلك غير ممكن في الوقت الحالي". 

غزة (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
ألم الفراق (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

إلى ذلك، وبعد المجزرة، أجبر عدد من النازحين في المدرسة على النزوح مجدداً باتجاه غرب مخيم النصيرات وعدد من الخيام فيها، وإلى قرية الزوايدة القريبة من المخيم والتي تقع ما بين المخيم ومدينة دير البلح، منهم حسام زيان (49 عاماً)، الذي نزح وزوجته وأبنائه وحفيده الوحيد مرات عدة ما بين مدارس أونروا، ونجا من المجزرة الإسرائيلية الحالية. 
وكان قد نجا من مجزرة إسرائيلية استهدفت مدرسة عبد المالك في منطقة الصفطاوي شمال قطاع غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، وكانت سبباً في نزوحه المتكرر لأنه أصيب نتيجة المجزرة، وكان كلما تعرضت مدرسة ما لاستهداف إسرائيلي، حاول الابتعاد عن محيطها أو حتى المدارس القريبة منها.
يقول زيان لـ "العربي الجديد": "نزحت وكثيرين من المدرسة لأننا لم نجد مكاناً آمناً، على الرغم من دخول موظّفين أمميين يومياً المدرسة وغيرها من الوفود الأجنبية، بالإضافة إلى وجود علم الأمم المتحدة. ما سبق لم يمنع الاستهداف الإسرائيلي على الرغم من كوننا مدنيين". وذكر بيان جهاز الدفاع المدني الفلسطيني أن "المجزرة دفعت كثيرين إلى النزوح من المدرسة، كما أن استهداف الاحتلال المدرسة في منطقة النصيرات قتل عدداً من المواطنين الذين باتوا عبارة عن أجساد متقطعة، كما أوقع عدداً من الإصابات، وأخرجوا وهم مبتورو الأطراف جراء القوة التدميرية للصواريخ، وسط إمكانيات ضعيفة لاستقبال تلك الحالات وعلاجها". 

أحد شهداء المجزرة (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
أحد شهداء المجزرة (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

ويقول المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل، إن الاحتلال استهدف في 25 يونيو/ حزيران الماضي مدرستين تؤويان نازحين، وارتكب مجزرة بحق مدرسة عبد الفتاح حمود الحكومية في منطقة حي الدرج وسط مدينة غزة، وراح ضحيتها 8 نازحين وعشرات الإصابات، جميعهم مدنيون من عائلة الجر، وهم مسنة وابنها وزوجته وأطفالهما الخمسة. كما قصفت مدرسة أسماء "ج" التابعة لأونروا والتي تؤوي نازحين في حدود مخيم الشاطئ مع حي النصر غرب غزة، ما أدى إلى استشهاد 11 نازحاً، بينهم 5 نساء و4 أطفال. ويقول بصل لـ "العربي الجديد" إن "تكرار المجازر الإسرائيلية وتقييم الوضع يعطي دليلاً على استهداف مباشر للمدنيين في قلب المدارس، حيث ينتقم من النازحين الموجودين في المدارس. بطبيعة الحال، لا يمكن للغزيين البقاء في مكان يشتبه بأنه عسكري أو خطير، وهو ما يضعف رواية الاحتلال الذي يروج لها، وهي أن المدارس فيها أهداف عسكرية". يضيف بصل: "المدرسة في مخيم النصيرات كانت ضمن المدارس التي أكدت أونروا مرات عدة بأنها آمنة، عدا عن كونها تعمد إلى التنسيق مع مكتب الأمم المتحدة والجانب الإسرائيلي، وتحرص على تأكيد أنها منطقة إيواء مدنية حتى لا يكون هناك استهداف إسرائيلي لها، إلا أنها انضمت إلى أهداف الوكالة الأخيرة والطواقم الطبية وعناصر الدفاع المدني، وقد فقدنا 75 شهيداً عدا عن تدمير بعض آلياتنا".  

وقال مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، إن المجزرة تحمل الرقم 43 في مخيم النصيرات، وخلفت أكثر من من 3 آلاف شهيد في المخيم الذي يقطنه حالياً أكثر من 300 ألف من أهالي المخيم والنازحين إليه. ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي، قصف الاحتلال أكثر من 17 مدرسة ومركزاً للنزوح والإيواء داخل مخيم النصيرات للاجئين. ويقول الثوابتة لـ "العربي الحديد": "حاصر الاحتلال الإسرائيلي النازحين في المناطق الوسطى لأنه بات قريباً من منطقة المواصي خلال التوغل في حدود المنطقة باتجاه الجنوب، لكن المشكلة أنه لا يوجد في المحافظة الوسطى سوى مستشفيين، وهما مستشفى شهداء الأقصى ومستشفى العودة غرب مخيم النصيرات"، مشيراً إلى أن المستشفيين غير قادرين على تقديم الخدمة الصحية والطبية نتيجة الاكتظاظ الكبير والإصابات الكثيرة التي تصل إليهما على مدار الأشهر الماضية". يضيف: "هناك تحديات كبيرة تواجه العمل الإنساني والصحي في مخيم النصيرات بالمحافظة الوسطى نتيجة حرب الإبادة الجماعية، وسط استجابة بطيئة لناحية تأمين المساعدات، التي تدخل حالياً ضمن آلة الرقابة الإسرائيلية". يضيف أن "عدد الشاحنات محدود جداً ولا تكاد تكفي 3% من الاحتياجات اليومية، بينما تعمل أقسام من المستشفيات من دون وقود".

المساهمون