مدارس تونسية... بنية تحتية مهترئة ونقص في الصيانة

19 ابريل 2021
هل هذه من المدارس المهملة؟ (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

ثمّة قاعات لم تُدهن جدرانها منذ سنوات في مدارس تونسية، وتبدو نوافذها التي تخترقها الرياح غير قادرة على الصمود أكثر، فيما تقطر أسقفها ماءً كلّما هطلت الأمطار، لتُصنَّف بالتالي غير آمنة.

تفتقر مدارس عدّة في تونس إلى بنية تحتية سليمة، فبعضها شُيّد في خلال الاستعمار الفرنسي في خمسينيات القرن الماضي من دون أن يُصار إلى صيانتها في ما بعد، وبعض آخر منها يقع في أماكن معزولة من البلاد من دون أسوار ولا حراسة ولا ماء ولا شبكات صرف صحي. ولعلّ مشكلات البنية التحتية المهترئة في مدارس عديدة وغياب الصيانة فيها تجعلها عامل تنفير للمدرّسين العاملين فيها وكذلك التلاميذ وأولياء أمورهم.

في الواحد والثلاثين من مارس/ آذار الماضي، وفي مدرسة شارع بورقيبة في مدينة زرمدين التابعة لولاية المنستير في الوسط التونسي، وبعد دقائق من مغادرة تلاميذ إحدى قاعات التدريس، انهار جزء من سقفها، ما أدّى إلى حالة من الفزع بين التلاميذ والكادر التربوي. وقد أوضح على الأثر المندوب الجهوي للتربية في المنستير، منجي سليم، أنّ الانهيار وقع في خلال فترة الاستراحة وأنّ الحادثة لم تخلّف إصابات. لكنّ هذه المدرسة لم تعد آمنة للتلاميذ كما هي حال عدد آخر من المؤسسات التربوية. ويشير سليم إلى أنّ خبراء متخصصين كانوا قد عاينوا وضع المدرسة قبل سقوط سقف قاعة التدريس تلك ودعوا إلى غلق عدد من القاعات، مضيفاً في تصريح إعلامي أنّ هذه المدرسة القديمة جداً موضوعة على برنامج صيانة ومن المتوقع أن تُبنى فيها سبعة أقسام جديدة.

ويؤكد مراقبون أنّ هذه المدرسة ليست حالة معزولة. ففي معتمدية الهيشرية في ولاية سيدي بوزيد، وسط غربي تونس، لم يتمكّن مقاول من إنجاز أشغال في قاعات مدرسة وسورها أخيراً، وقرّر تعليق الأشغال بسبب عجزه عن دفع أجور العمال وتوفير مواد البناء. فهو لم يحصل على قسط من قيمة الاتفاق المبرم بينه وبين المندوبية الجهوية للتربية في سيدي بوزيد. يُذكر أنّ المدرّسين والتلاميذ يعانون ظروفاً صعبة في هذه المدرسة، إذ ثمّة قاعات آيلة للانهيار بالإضافة إلى عدم توفّر الكهرباء.

الصورة
غرفة صف في مدرسة في تونس وسط كورونا (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
(فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وتشير تقديرات وزارة التربية التونسية إلى نحو أربعة آلاف مدرسة تعاني مشكلات في البنى التحتية وتتطلب صيانتها استثمارات كبيرة، مؤكدة في أكثر من مناسبة أنّها أعدّت برنامج دراسات من أجل إعادة تأهيل المدارس التي تعاني تراجعاً في البنية التحتية. وعلى هامش ملتقى عُقد قبل أيام للإعلان عن إطلاق مشروع "دعم للنظام التعليمي والفضائيات التعليمية والجامعية في تونس"، لم يخفِ وزير التربية فتحي السلاوتي لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة مشكلات عدّة قائمة على مستوى البني التحتية في مدارس عديدة"، لكنّه رأى في المقابل أنّ "ثمّة جهودا كبيرة تبذلها الوزارة مع مختلف الجهات الممولة سواء على المستوى الوطني أو الدولي لتحسين المؤسسات التربوية ولتكون عنصر جذب للتلاميذ وغير منفّرة لهم. هي تعمل على خلق فضاء يستجيب للمعايير والشروط اللازمة، وإنجازات عدّة تحققت بالفعل في هذا المجال". وأشار السلاوتي إلى أنّ تكلفة ترميم المدارس عالية جداً وتتطلب تضافر جهود الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، مضيفاً أنّه على الوزارة بناء أسوار حول مدارس لا تملكها تمتد على 280 كيلومتراً، في حين أنّ إمكانياتها لهذه السنة تسمح بإنجاز ستة كيلومترات فقط.

في سياق متصل، يرى رئيس جمعية أولياء التلاميذ في تونس، رضا الزهروني، أنّ "واقع مدارس عديدة في تونس صعب جداً، إذ إنّ حالة بعضها كارثية"، مبيّناً لـ"العربي الجديد" أنّ "موازنة وزارة التربية تساوي ستة مليارات و728 مليون دينار تونسي (نحو مليارين و400 مليون دولار أميركي)، أكثر من 92 في المائة منها مخصّص للأجور. وبالتالي تخصّص نسبة ثمانية في المائة فقط للاستثمار في المؤسسات التربوية، ما يعني أنّ مخصصات تحسين البنية التحتية وتوفير الأساسيات في المدارس تُعَدّ ضئيلة جداً". ويؤكد الزهروني أنّ "المرافق التي تجعل التلميذ يدرس في محيط آمن ومريح شبه غائبة. على سبيل المثال، عدد من المدارس التي عاينّاها تفتقر إلى سور خارجي وبالتالي هي غير محمية. كذلك فإنّ المرافق الصحية على أهميتها منعدمة في مدارس عديدة".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ويعيد الزهروني ذلك إلى "عدم استقرار المنظومة التربوية في تونس وغياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح، مع عدم إشراك كلّ الأطراف لأنّ النهوض بالمدارس يتجاوز وزير التربية والنقابات ويمتد ليطاول كل المهتمين بالملف من جمعيات ومنظمات وأولياء أمور. إذاً المسؤولية مشتركة". ويشير إلى أنّه "من المفترض أن تكون التأثيرات السلبية لوباء كورونا عنصر دفع نحو استراتيجية حقيقية لإصلاح المنظومة التربوية في تونس".

ويشدد الزهروني على أنّ "ثمّة أخطاءً كبيرة تُرتكب في حقّ الأجيال المقبلة، بعدما صارت مدارس عديدة منفّرة للتلاميذ بدلاً من أن تستقطبهم. فراحة المدرّسين والتلاميذ من شروط النجاح والتميّز"، لافتاً إلى أنّ "تونس تشهد سنوياً انقطاع نحو 100 ألف تلميذ عن الدراسة، والأمية في ارتفاع إذ تتجاوز 20 في المائة. كذلك بيّنت إحدى الدراسات أنّ معدّل السنّ الدراسية لتلاميذ تونس هو أقلّ بأربع سنوات مقارنة ببلدان أجنبية، في معظم المواد وخصوصاً في تلك العلمية". يضيف الزهروني أنّ "مستقبل تونس هو في الرصيد البشري وفي الاستثمار في ذكاء أبنائها في ظلّ محدودية قطاعات أخرى، بالتالي إذا لم نستثمر في التعليم والذكاء الاصطناعي فإنّ التراجع العلمي سوف يكون كبيراً وسوف يحلّ الجهل، بالتالي لا بدّ للنهوض بالمنظومة التربوية من إصلاح البنية التحتية للمدارس والنظام التعليمي". 

الصورة
تلميذات أمام مدرسة في تونس وسط كورونا (ياسين قايدي/ الأناضول)
(ياسين قايدي/ الأناضول)

من جهته، يرى رئيس الجمعية التونسية لجودة التربية، بلقاسم بلغيث، أنّ "توفير ظروف ملائمة للدراسة يتمّ من خلال صيانة البنية التحتية وتوفير التجهيزات الضرورية في المدارس لأنّ هذا الأمر يؤثّر على التعليم"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أنّ المسؤول عن النهوض بالمدارس هو المجموعة الوطنية وعلى رأسها وزارة التربية". ويتابع أنّ "دور المجتمع المدني يقتضي المساهمة في تحسين وضع بعض المدارس، كذلك الأمر بالنسبة إلى دور أولياء الأمور. فسلطة الإشراف هي المسؤولة عن إصلاح وصيانة المؤسسات التربوية".

ويؤكد بلغيث أنّ "ثمّة تفاوتاً واضحاً اليوم بين المدارس، خصوصاً بين الريفية والحضرية، ما أدّى إلى غياب تكافؤ الفرص التعليمية بين التلاميذ وكذلك بين المدرّسين"، مبيّناً أنّه "لا بدّ من دعم الميزانية المرصودة للمؤسسات، خصوصاً الابتدائية منها والتي ما زالت ميزانيتها ضئيلة جداً ولا تكفي لتوفير أبسط المرافق والمستلزمات". ويشدد بلغيث على "ضرورة ألا تواصل الدولة تبرير غياب النهوض وإصلاح المدارس بنقص الموارد المالية"، داعياً إيّاها إلى "تحمّل مسؤوليتها طالما أنّ الدستور ينصّ على أنّ التعليم مجاني، وإلا يتوجّب عليها النظر في تغيير ذلك ليصير مجانياً بنسب معيّنة. وحينها تفتح المجال لقطاعات أخرى للتدخل"، مؤكداً أنّ "المحافظة على مجانية التعليم تلزم الدولة بتحمّل مسؤوليتها في العناية بالمدارس". ويلفت بلغيث إلى أنّ "ثمّة علاقة جدلية بين الظروف المتوفّرة في مدرسة ما والمردود والنتائج. فالمناخ العام ينعكس سلباً أو إيجاباً على التلاميذ وعلى أداء المدرّسين. ومثال على ذلك، إذا كانت المجموعة الصحية في مدرسة ما  مهترئة والمياة الصالحة للشراب غير متوفّرة ووضع الأقسام سيّئ ولا تتوفّر قاعات للمطالعة ولا نواد ترفيهية فيما تغيب وسائل التبريد والتكييف، فإنّ تأثير ذلك سيّئ بلا شك على التلاميذ والمدرّسين".

تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة التربية تعمل على برنامج خاص بالمؤسسات التربوية (ما بين عامَي 2017 و2021) يهدف  إلى بناء 59 مؤسسة تربوية جديدة في مختلف الجهات وإعادة تأهيل 384 منشأة تربوية أخرى لتحسين بنيتها التحتية. وقد تمّ تمويل برنامج "تعصير المؤسسات التربوية" من قبل الحكومة التونسية وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الألماني للتنمية والاتحاد الأوروبي بقيمة 220 مليوناً و500 ألف يورو، وقد بلغ حالياً مرحلته الثانية التي ترتكز على إعادة تأهيل المدارس الابتدائية وبناء مدارس جديدة في مختلف جهات البلاد. وقد مكّن برنامج "تعصير المؤسسات التربوية" حتى الآن من بناء 20 مؤسسة تربوية جديدة فضلاً عن إعادة تأهيل وصيانة 261 منشأة تربوية أخرى موزّعة بين مدارس إعدادية ومعاهد ثانوية عمومية. وتحترم المباني التربوية الجديدة المشيّدة من ضمن هذا البرنامج البيئة ومبادئ البناء المناخي الحيوي، من خلال توفير الطاقة عبر العزل الحراري للجدران والأسقف واستخدام الزجاج المزدوج علاوة على استغلال الطاقات المتجددة مع الألواح الحرارية لإنتاج الماء الساخن والاستفادة من مياه الأمطار. وهذا المشروع يهدف كذلك إلى تكوين عدد من كادرات وزارة التربية في مجال التنمية المستدامة وإدارة المشاريع، بالإضافة إلى توفير معدات تكنولوجية وعلمية متطوّرة في عدد من المؤسسات التربوية.

المساهمون