تثير حوادث العنف المتكررة في مدارس الجزائر، والتي غالباً ما يكون الأساتذة ضحيتها، جدالاً واسعاً في الأوساط التربوية، في ظل الانفلات القائم الذي يؤثر على المؤسسة التربوية والتلاميذ، ويُحمّل المجتمع والأسرة المسؤولية.
قبل نحو ثلاثة أسابيع، كادت الأستاذة ريحانة بن شية، وهي من مدينة تاكسلانت، الواقعة في ولاية باتنة شرقي الجزائر، أن تفقد حياتها بسبب طعنة سكين وجهها إليها أحد تلاميذها. وخلفت الجريمة صدمة لدى الرأي العام في البلاد. تعود وقائع الحادث المؤسف إلى قيام المُدرّسة باستدعاء ولي أمر التلميذ، لإبلاغه بسلوكيات خاطئة يقوم بها ابنه، وهو ما أغضب الفتى الذي ترصّد للمدرّسة في فناء المدرسة، واقترب منها عندما كانت متوجهة إلى الإدارة، وهو يحمل بيده خنجراً بمقبض خشبي، ليطعنها في ظهرها، ثم يلوذ بالفرار.
وحمّلت المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ، العائلات المسؤولية عن تصرفات أبنائهم، وطالبتهم بالمزيد من الحرص على "غرس القيم النبيلة والضامنة للسلوك القويم، بعيداً عن كل أشكال ممارسة العنف في المدارس".
أعقب هذه الحادثة تعرّض مساعد تربوي في مدرسة في منطقة بومرداس قرب العاصمة الجزائرية، لاعتداء عنيف خلف جروحاً في وجهه. كما تعرضت مدرّسة في ولاية إيليزي، جنوبي البلاد، للضرب من قبل تلميذ اقتحم صفها، وأصابها في وجهها بجروح بالغة.
تقول المدرسة نورية جعقوف، التي تعمل في الثانوية التقنية بحي عين السمارة في قسنطينة، إن "هذه الحوادث المتكررة باتت تثير مخاوف الكادر التعليمي من ردود أفعال التلاميذ. في حال عمد مدرس إلى تأديب تلميذ، أو حتى توجيه نصائح له من قبيل انتقاد سلوكه، قد يرد التلميذ بالعنف، الأمر الذي يشكل نقطة تحول خطيرة في علاقة المدرس بالتلميذ".
تضيف جعقوف لـ "العربي الجديد"، أن "العنف بمختلف أشكاله، سواء كان لفظياً أو جسدياً أو معنوياً، هو أمر مرفوض بشكل قاطع من جميع الأطراف، إلا أنه أصبح متكرراً في الوسط التربوي"، مشيرة إلى بعض التغيرات التي تشهدها الأسرة التربوية، والتي أثرت في العملية التعليمية وفي توجهات التلاميذ. كما توضح أن "نسبة كبيرة من المدرسين في الجزائر هم من النساء، ما يجعل التلاميذ يستسهلون العنف ضدهم، وخصوصاً في المرحلتين المتوسطة والثانوية".
الأوضاع الاجتماعية
في ظلّ خطورة الاعتداءات الأخيرة التي جرت داخل المدارس، بدأت وسائل الإعلام المحلية تناقش قضية العنف داخل المدارس بشكل متواصل، مشيرة إلى عوامل أخرى ربما تساهم في زيادة العنف، من بينها تعاطي المخدرات بين التلاميذ. يقول أستاذ الرياضيات بثانوية ديدوش مراد بولاية ميلة، نور الدين عليوش، لـ "العربي الجديد"، إن "الأمر لم يعد حوادث عابرة، ويجب أن يوضع في أولويات المؤسسات التربوية، والمؤسسات المشرفة على تسييرها"، مشيراً إلى ظروف عدة تتيح تكرار هذه الممارسات السيئة، وهي امتداد لما يحدث في المجتمع من عنف وجرائم وانحرافات طاولت الشباب والمراهقين.
يضيف عليوش، وهو عضو في المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، أنه لا يمكن الفصل بين المدرسة والمجتمع، مشيراً إلى أن "حادثة الطعن التي تعرضت لها المدرسة ريحانة بن شية في باتنة حمالة أوجه. ظروف التلميذ الاجتماعية قد تؤدي إلى جعله عدوانياً أو عنيفاً، وفي بعض الأحيان، إذا لم يجد الطفل قدوة في البيت، يصبح متمرداً في المدرسة".
ويطرح خبراء التربية تساؤلات حول صورة المعلم وموقعه الاجتماعي. إذ خلال السنوات الماضية، كان هناك تقليل من دور المعلم ومكانته الاجتماعية والوظيفية، ولم يعد يحمل تلك الرمزية التي كان يعرف بها قبل عقود في البلاد. في هذا الإطار، يسأل التربويون عن طبيعة العنف الذي يتعرّض له المدرسون في المدارس، وردود فعلهم، وما إذا كان فصل التلميذ من المدرسة هو الحلّ السليم.
مسؤولية الأسرة
يُحمّل البعض الأسرة مسؤولية سلوك الأبناء في المؤسسات التربوية، داعين إلى ضرورة سنّ قوانين من شأنها أن توحّد اللباس المدرسي في جميع المراحل التعليمية، ووضع قواعد سلوك تقيّم شهرياً، لافتين إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي، وبعدها عن القيم الجزائرية التقليدية، إضافة إلى ابتعاد الأهل عن أبنائهم، كلها عوامل تؤثر على سلوك التلاميذ، ومن جهة أخرى، تتعدد المشاكل داخل الأسر، كالطلاق أو العنف وغيرها، وهي أيضاً من بين الأسباب التي تجعل التلاميذ يتصرفون بطريقة عدوانية داخل المدارس.
تقول سعيدة بلعاليا، وهي عضوة في جمعية أولياء التلاميذ، إن "العنف الممارس من قبل التلاميذ مرتبط أساساً بما يحدث داخل المؤسسات التربوية، وبعدم قدرة بعض المدرسين على إدارة الصفوف، إضافة إلى تراجع مستوى المعلمين لناحية كيفية التعامل مع تلاميذهم".
بدوره، يقول أستاذ علم الاجتماع التربوي، كريم بوعقادة، لـ"العربي الجديد"، إن "العنف الذي يواجهه الأساتذة له أوجه عدة، وهو امتداد للعنف القائم داخل الأسرة والمجتمع، ولا يمكن الفصل بينهما، وتكمن الخطورة في عدم العمل الجاد على معالجة العنف من جذوره"، موضحاً أن "قرار فصل التلميذ يعني نقل العنف من المدرسة إلى الشارع، وهو قرار يزيد الأمور تعقيداً".
ويلفت بوعقادة إلى ضرورة تدريب المدرسين لتزويدهم بمهارات حول كيفية التعامل مع التلاميذ، لأن العملية التربوية تتطلب مهارات متعددة من بينها القدرة على احتواء التلاميذ، خصوصاً أن لكل تلميذ ظروفه الاجتماعية التي يمكنها أن تؤثر بشكل أو بآخر في نفسيته، وبالتالي في سلوكه بالمدرسة.
يُشار إلى أنه في عام 2021، وفي أعقاب اعتداء تلاميذ على تسع معلمات، طالبت نقابات قطاع التعليم الحكومة بإصدار قانون خاص يُجرّم الاعتداء اللفظي والجسدي على المدرسين، أسوة بقانون سابق صدر بداية العام نفسه، يحمي الأطقم الطبية.