تداول المعلّمون الفلسطينيون في الضفة الغربية، الذين يمضون في إضرابهم المتواصل منذ الخامس من شباط/ فبراير الماضي، كتباً صادرة عن وكيل وزارة التربية والتعليم تهدّدهم بتنفيذ إجراءات إدارية ومالية في حقّهم، في حال عدم التزامهم بالدوام يوم الإثنين المقبل في السابع عشر من إبريل/ نيسان الجاري. وقد دفع ذلك حراك المعلّمين الموحّد إلى التأكيد أنّه مستمرّ في فعالياته، وفي مقدّمتها استمرار الإضراب، للمطالبة بتنفيذ الاتفاق الذي أنهى إضراباً مماثلاً في العام الماضي استمرّ نحو شهرَين.
وأتت كتب الوزارة على شكل مراسلات وُجّهت إلى المعلّمين بأسمائهم الشخصية، كلّ على حدة، عبر تطبيق إلكتروني خاص بالوزارة.
وجاء في نصّ التحذير الموحّد: "نعلمك بأنّ امتناعك عن العمل هو إجراء غير قانوني، وعليه فإنّنا ندعوك إلى الانتظام في عملك، وإعطاء حصصك بحسب الجدول الدراسي المعتمد". يُذكر أنّ ذلك يأتي بعد أيام من حديث لرئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في مستهلّ جلسة الحكومة الأسبوعية، يوم الإثنين الماضي، قال فيه إنّ الحكومة سوف تعمل كلّ ما هو في صلاحياتها القانونية من أجل استكمال العملية التعليمية.
المعلّم إبراهيم زواهرة، من بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، واحد من المعلّمين الفلسطينيين الذين تلقّوا التحذير. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ إشعاراً وصله عبر تطبيق الوزارة يوم الخميس الماضي، لكنّه استطاع الاطّلاع على محتواه أمس الجمعة، مشيراً إلى أنّه لا يعلم إذا كانت الرسالة قد وصلت إلى كلّ المعلّمين المضربين عن العمل أم إلى بعض منهم، فيما لم تصدر وزارة التربية والتعليم أيّ بيان توضيحي.
ويرى زواهرة أنّ هذا الإجراء "يؤدّي إلى تأجيج أزمة المعلّمين، وكأنّه سكب للكاز على النار". ويوضح أنّها "المرّة الأولى التي تصل فيها كتب مماثلة، لجهة أسلوبها، إلى المعلّمين، خصوصاً أنّها تهدّد بإجراءات مالية وإدارية بمفعول رجعي"، متوقّعاً أن يعني الأمر "حسماً من الرواتب عن فترة الإضراب كلها المستمرّة منذ 70 يوماً، في حين أنّ الحكومة كانت قد حسمت رواتب سبعة أيام من رواتب المضربين عن العمل في شهر فبراير الماضي".
ويطالب زواهرة وزارة التربية والتعليم بـ"الوقوف إلى جانب المعلم وإعادة النظر في موقفها". وإذ يذكّر بأنّ المعلّمين حملوا وزير التربية والتعليم مروان عورتاني على أكتافهم في خلال أحد الاعتصامات أمام مجلس الوزراء في رام الله، يشدّد على أنّ "الأجدر به (عورتاني) أن يقف مع المعلّمين ويحاول حلّ مشكلتهم وليس عقابهم".
ويتابع زواهرة أنّ "علاوة الـ15 في المائة المطلوب تنفيذها والمتّفق عليها في العام الماضي هي علاوة بسيطة لا تحتاج إلى تعقيدات ولا تصل في حدّها الأقصى إلى أكثر من 270 شيقلاً (نحو 75 دولاراً أميركياً) إضافياً على راتب المعلّم الشهري، علماً أنّ النسبة التي صُرِفت منها فعلاً هي خمسة في المائة فقط، وبالتالي هي لا تتجاوز 80 شيقلاً (نحو 20 دولاراً). ويكمل زواهرة أنّ "الحكومة لم تنفّذ ما أعلنته من إدراج قيمة الـ10 في المائة المتبقية في قسيمة الراتب، إذ وُضعت كملاحظة على هامش القسيمة ولم تُدرَج في معادلة الراتب".
من جهته، يقول المحامي غاندي الربعي الذي نشط في مجال قضايا المعلّمين سابقاً لـ"العربي الجديد" إنّه اطّلع على الكتب المرسلة، مشيراً إلى أنّها "غير مروّسة وغير مختومة بحسب الأصول، وهي لم توضع بالشكل القانوني الذي يتوجّب أن توضع به". ويشرح أنّه "لا بدّ للمخاطبات الرسمية أن تكون مروّسة ومختومة وأن يكون تاريخها محدّداً، وتصل إلى المعلّم من خلال التسلسل الإداري حتى يتمكّن من التظلّم أو يردّ عليها".
ويضيف الربعي أنّ "اعتماد تسليمها من دون التطرّق إلى أسباب إضراب المعلّمين لا يعكس الوقائع المادية المطلوبة ولا تتوافق مع الوقائع القانونية، لأنّ المعلّم أضرب على خلفية مناداته بتطبيق قرارات الحكومة، بالتالي يجب أن ينظر صاحب الشأن بموضوع عدم التزام الحكومة كذلك بالاتفاق الموقّع قبل عام أو أكثر". كذلك يشير الربعي إلى "خطأ آخر وهو اللجوء إلى العقوبات من دون حلّ المشكلة بالحوار. وإذا كنّا نتحدّث عن معلّم تجاوز القانون، فما بالك بحكومة تجاوزت الاتفاق أو لم تنفّذه!".
في السياق نفسه، يقول المستشار السياساتي والقانوني للمركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء - مساواة إبراهيم البرغوثي لـ"العربي الجديد" إنّ "مثل هذه الخطوة هي خطرة جداً"، مؤكداً أنّ "سيادة الحلول الأمنية والعقابية لا تجدي نفعاً للحلّ". ويشير إلى بيان لمؤسسته حذّرت فيه من اللجوء إلى إحالة معلّمين إلى التقاعد أو استبدالهم أو المضيّ قدماً في الحسم من رواتبهم ونقلهم التعسّفي، لأنّ ذلك لا يحلّ الأزمة ويهدّد السلم الأهلي.
ويطرح مركز "مساواة" بحسب البرغوثي "مبادرة بسيطة جداً تعتمد على تشكيل إطار نقابي مهني يدافع عن مصالح المعلّمين الحياتية، وهو ما تدعمه المادتان 25 و26 من القانون الأساسي الفلسطيني اللتان عدّتا التشكيل النقابي والانتماء للجمعيات حقّاً من حقوق المواطن". كذلك تعتمد المبادرة على "إعادة النظر بميزانية الطوارئ التي أعلنتها الحكومة وإعادة توزيع أبوابها"، ويشرح البرغوثي أنّ "تلك الميزانية كشفت عن زيادات في نفقات الأجهزة الأمنية من 20 في المائة سابقاً إلى 22.8 في المائة. وهذه الزيادة كفيلة بحلّ أزمة المعلّمين، إذ إنّ تكلفة تطبيق العلاوة الخاصة بهم تُقدَّر بخمسة ملايين دولار شهرياً فقط".
ويطالب حراك المعلمين بصرف علاوة على طبيعة العمل بنسبة 15% تم الاتفاق عليها العام الماضي، ونفذت منها الحكومة 5% فقط بعد شهر من الإضراب، كما يطالب بصرف الراتب كاملا والمستحقات المتراكمة، حيث تصرف الحكومة نسبة 80% بسبب الأزمة المالية، وقامت بصرف راتب كامل لمرة واحدة بمناسبة شهر رمضان، كما يطالب الحراك بتشكيل جسم نقابي للمعلمين الحكوميين، أو إجراء انتخابات غير مشروطة في اتحاد المعلمين، الذي يعتبره غير ممثل للمعلمين.
وتستند الكتب التي وجّهتها وزارة التربية والتعليم إلى المعلّمين، بحسب ما جاء فيها، إلى قانون الخدمة المدنية، ومدوّنة السلوك، وقرار مجلس الوزراء بشأن دوام موظفي المؤسسة التعليمية، وقرار للمحكمة الإدارية. فوزارة التربية كانت قد توجّهت إلى المحكمة في شهر مارس/ آذار الماضي، في دعاوى ضدّ 272 معلّماً وضدّ حراك المعلّمين الموحّد، وقد قرّرت المحكمة وقف الإضراب. وأثار القرار حينها عدداً من ردود الأفعال الحقوقية، وبيّنت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) أنّ تدقيقاً صدر من دون جلسة علنية، الأمر الذي يخالف الحقّ في المحاكمة العادلة. أمّا مرصد حقوق الإنسان في نقابة المحامين الفلسطينيين فأفاد بأنّ القرار يفتقر إلى مقوّمات الحكم الأساسية وهي الخصومة، إذ لم يُتَح للمعلّمين حقّ الدفاع عن أنفسهم.
تجدر الإشارة إلى أنّ رئيس الوزراء محمد اشتية قد أعلن، في اليوم الثلاثين من إضراب المعلّمين في السادس من مارس الماضي، قرار صرف علاوة بقيمة خمسة في المائة للمعلّمين والمهندسين والعاملين في المهن الصحية وبقيمة 10 في المائة للأطباء، على أن تُصرَف النسب الباقية المتّفق عليها مع النقابات حين توفّر الأموال من دون أن تفلح تلك الخطوة في وقف الإضراب.
وفي التاسع من مارس/آذار الماضي، وقّعت الحكومة اتفاقات مع النقابات، من بينها اتحاد المعلمين، على صرف النسبة التي أعلن عنها اشتية، بالإضافة إلى الاتفاق على إدراج باقي العلاوات على قسيمة الراتب وتُصرَف حين توفّر الأموال.
وفي 24 مارس/آذار نفسه، أعادت الحكومة الطرح ذاته عبر مبادرة لحلّ أزمة المعلّمين استندت إلى صرف خمسة في المائة من العلاوة في راتب شهر مارس، على أن تُصرَف بمفعول رجعي بدءاً من تاريخ الأوّل من يناير/ كانون الثاني 2023 في الأشهر المقبلة، والنسبة الباقية حين توفّر الأموال، والتراجع عن العقوبات المالية في حال انتظام الدوام.