مخالفات دستورية بميزانية التعليم في مصر

03 مارس 2022
الإنفاق على التعليم في منحى منحدر (إسلام صفوت/ Getty)
+ الخط -

في 26 فبراير/ شباط الماضي، أصدرت محكمة القضاء الإداري المصرية، حكماً بعدم الاختصاص في الدعوى التي رفعها محامي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية علاء فاروق ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي وآخرين، للمطالبة برفع ميزانية التعليم لتتماشى مع النسبة المقررة دستورياً بنسبة 6 في المائة من إجمالي الناتج القومي. وبعد يومين من القرار، تحدث السيسي عن الجهود التي تبذلها حكومته لإصلاح منظومة التعليم عبر إطلاق "المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية". وقال: "لماذا خرج المصريون إلى الشارع عام 2011، لأن حالة الرضا المجتمعي لم تكن موجودة في ظل عدم توفر خدمات جيدة للتعليم والصحة. ونحن الآن نتحدث عن أهمية الحفاظ على الدولة المصرية، وعدم الانزلاق إلى الخراب والدمار مثل بعض الدول. الناس تعاني من الأوضاع الحالية، وترغب في التغيير، لكن حين صادق وزير التعليم الدكتور طارق شوقي على خطة التطوير جرت مهاجمته في الإعلام. والسؤال المطروح هل ترغبون في تطوير التعليم أم لا؟ هذه اللقاءات تهدف إلى التوعية الحقيقية لواقعنا، والحديث بلا خجل".
وأعقب ذلك تباهي شوقي بأنه "لولا إيمان القيادة السياسية بضرورة بناء الإنسان المصري كعمود رئيسي لبناء الجمهورية الجديدة، لما قطعنا هذا الشوط في تطوير التعليم. تملك الدولة المصرية أكبر محتوى رقمي تعليمي في العالم، وستستمر في توفير كل ما تستطيع للجيل الحالي والقادم، من أجل السماح لهم بالوقوف على أقدامهم".

فعلياً، تناقض هذه التصريحات بالكامل الواقع القائم الذي يشير إلى تنصل السلطات المصرية من الإنفاق على جودة التعليم، كونها تنفق أقل من نصف النسبة المقررة على قطاع التعليم، والتي حددتها المادة 19 من الدستور بنسبة 6 في المائة من الناتج القومي الإجمالي بدءاً من عام 2016- 2017. والحقيقة أن الحكومة لم تلتزم بإلزامية زيادة الموارد المخصصة لهذا القطاع الواردة في الدستور، وأيضا بوضع أولوية للاهتمام بالمعلمين الذين يصفهم الدستور بأنهم "ركيزة التعليم".
أيضاً، لم تبلغ نسبة الإنفاق على التعليم المدرسي والجامعي معاً نصف نسبة الـ6 في المائة المقررة في الدستور كحد أدنى، والتي تتوزع على 4 في المائة للتعليم المدرسي، و2 في المائة للتعليم الجامعي، بل نحو 2.42 في المائة فقط من الناتج المحلي.
ورغم زيادة مخصصات التعليم سنوياً وصولاً إلى 172.6 مليار جنيه (11.16 مليار دولار) في الموازنة الجديدة، فهي لا ترقى إلى مستوى الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي الذي يصل، وفقاً لخطة التنمية الاقتصادية التي عرضت على البرلمان في إبريل/ نيسان الماضي، إلى نحو 7.1 تريليون جنيه (450 مليار دولار).
واللافت أن الإنفاق على التعليم اتخذ منحى منحدراً مع بداية تطبيق الدستور الجديد، ثم ارتفع في شكل طفيف، لكنه لم يصل إلى نصف النسبة التي حددها الدستور. وخصصت الحكومة العام الماضي نسبة 2.3 في المائة من الناتج الإجمالي لكل من التعليم المدرسي والجامعي، بينما وصلت النسبة إلى 2.4 في المائة في العام المالي الحالي، ما يعني أنه أقل من نصف النسبة التي حددها الدستور للقطاعين. وهكذا احتفظ التعليم بالترتيب الثالث في أولويات الإنفاق، وزادت مخصصاته نحو 15 مليار جنيه (950 مليون دولار).

الصورة
يحصل الفرد على نصيب قليل من الإنفاق العام على التعليم (Getty)
يحصل الفرد على نصيب قليل من الإنفاق العام على التعليم (Getty)

أيضاً، سارت الحكومة المصرية خلال السنوات السابقة عكس التزاماتها الدستورية بالكامل في إجمالي نفقاتها التي اعتمدت فيها التقشف وبينها في الإنفاق على قطاع التعليم، في مقابل محاولة زيادة العائدات من خلال التوسع في ضرائب الاستهلاك المباشرة على المواطنين، مثل ضريبة القيمة المضافة، والرسوم المحصلة مقابل خدمات محددة، بحسب ما ورد في الدعوى القضائية التي رفعها فاروق ضد رئيس الجمهورية لرفع ميزانية التعليم. 
وكانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قدمت هذا الطعن أمام القضاء الإداري، لمحاولة إلزام الحكومة الوفاء بالتزاماتها الدستورية المنصوص عليها في المادة 19 من الدستور، والتي ستشمل تخصيص نسبة من الناتج القومي الإجمالي لا تقل عن 4 في المائة للإنفاق على التعليم الإلزامي حتى المرحلة الثانوية، مع الإشارة إلى ضرورة أن تتصاعد تدريجاً وصولاً إلى المعدلات العالمية. وكانت المادة 19 وضعت قيد التنفيذ بعد ثلاث سنوات من إقرار الدستور الحالي في الاستفتاء الشعبي عام 2014، وأصبحت ملزمة للحكومة بدءاً من موازنة العام المالي 2016 - 2017. 

ومن أجل الوفاء بالنسبة التي حددها الدستور، طالبت الدعوى القضائية بأن تزيد الحكومة المبلغ المخصص للتعليم قبل الجامعي وحده نحو 255 مليار جنيه (16.17 مليار دولار)، وصولاً إلى نسبة الإنفاق المنصوص عليها والبالغة 4 في المائة (يعادل المبلغ المطلوب نحو 19 في المائة من أموال الضرائب التي جمعتها الحكومة فعلاً من جيوب المواطنين).
وأورد نص الدعوى أن "تراجع الإنفاق العام على التعليم انعكس على نصيب الفرد، وبالتالي على مقدار إتاحة وجودة خدمة التعليم. ففي محافظة الجيزة، يفيد كتاب الإحصاء السنوي لوزارة التربية والتعليم بأن نصيب الفرد من الإنفاق العام على التعليم في العام المالي 2017 – 2018 لم يتجاوز ألفي جنيه (126 دولاراً)، علماً أن هذا المبلغ يفترض أن يغطي كل تكاليف عملية تعليم طالب واحد في عام دراسي واحد بمرحلة ما قبل الجامعة". 

المساهمون