محو الأمية... أساليب المواجهة المصرية غير مجدية

08 سبتمبر 2022
خطط وأساليب محو الأمية في مصر غير مجدية (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

احتفت الجهات الرسمية المصرية كعادتها بـ "اليوم العالمي لمحو الأمية"، والذي يحل سنوياً في 8 سبتمبر/ أيلول، منذ اختارته الأمم المتحدة في عام 1965، ويتمحور الاحتفاء الأممي هذا العام حول موضوع "تغيير هياكل التعلم لمحو الأمية"، ومحاولة وضع تصوّر جديد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وضمان تقديم تعليم جيّد وعادل وشامل للجميع. 
لكن البيان الذي أصدرته الجهة التنفيذية المسؤولة عن محو الأمية وتعليم الكبار في مصر حول المناسبة، والذي ووزع على وسائل الإعلام المحلية، تضمن تغييراً للعنوان الأممي، ليكون "التحولات في مساحات تعلم القراءة والكتابة"، وركز البيان على أهمية التوعية بتوسع مفهوم محو الأمية في ظل دمج التكنولوجيا بملف التعليم. 
يكاد يجمع خبراء التربية على أنه لا تقدير دقيقاً لحجم الأمية في مصر، بالرغم من وجود مراكز متخصصة في التعداد والإحصاء، وبالرغم من عراقة جهود التصدي لمشكلة الأمية منذ أصدرت الدولة المصرية قانوناً خاصاً قبل 78 سنة، هو القانون رقم 10 لسنة 1944 لـ"تنظيم مكافحة الأمية ونشر الثقافة الشعبية"، والذي تولت تنفيذه فور صدوره وزارة الشؤون الاجتماعية، ثم وزارة المعارف (التعليم)، وهو حالياً ضمن مسؤوليات الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار. 
في كتابه "التعليم في مصر"، يرصد الأكاديمي سيد إسماعيل علي، من واقع السجلات الحكومية، أن الإحصاء الذي أجري في عام 1907، أكد أن 96 في المائة من المصريين لا يعرفون القراءة والكتابة، وأنه في إحصاء عام 1917، لم تتحسن النسبة كثيراً، إذ بلغت 94.6 في المائة، في حين أن نسبة الأمية في نهاية 1997، بلغت 50 في المائة، ومعنى ذلك أن إنجاز الدولة المصرية في هذا الموضوع ينحصر في القضاء على 50 في المائة من نسبة الأمية خلال القرن الماضي كله. 
وبحسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان ‏الصادر في عام 2012، فإن مصر ضمن قائمة أكثر ‏10‏ دول من حيث الأمية‏،  وبلغت نسبة الأمية بين السكان الثلث تقريباً. 
ويكشف الرئيس السابق للهيئة العامة لمحو الأمية في مصر، مصطفى رجب، أن الوضع الحالي لا يختلف كثيراً عن الأوضاع السابقة، وأنه اصطدم على أرض الواقع بمشكلات وتحديات عدة، حتى اقتنع بعدم جدوى الاستمرار في السياسة المصرية المتبعة لمواجهة المشكلة.  
يشير رجب إلى مجموعة من الأسباب التي تجعل محو الأمية مهمة مستحيلة، ومنها "عدم توافر دراسات تقوم على إحصاءات دقيقة نعرف من خلالها مَن هم الأميون، وما توزيعاتهم طبقاً للعمر والنوع، ومناطق الإقامة، وطبيعة العمل وغيرها، فضلاً عن ضخامة حجم الفئة المستهدفة، والتنوع الهائل في خصائصهم، ونقص الأساليب المبتكرة للتعامل معهم، وكذلك ضعف الموارد المالية المخصصة لبرامج محو الأمية، والتي تؤدي إلى الارتداد نحو الأمية، وضعف برامج تعليم الكبار، والأثر السلبي الناجم عن بطالة المتعلمين، وضعف مستوى المعلمين، وعدم الإقبال على العمل مع الكبار، وغياب التقويم الشامل والموضوعي للبرامج".

ويؤكد أنّ الحال في الهيئة سيئة، وأنّ "99 في المائة من العاملين بها جرى تعيينهم بالواسطة، ولا علاقة لهم بالملف، مع وجود ركام هائل من التشريعات واللوائح الإدارية التي تجعل اهتمام العاملين ينصبّ فقط على تحسين دخولهم المالية عبر مسميات مختلفة، وكل ذلك على حساب العملية التعليمية المستهدفة". 
ومن الآثار الخطيرة للأمية التي يعددها المختصون؛ أنها تؤثّر على الوضع الاجتماعي للأفراد، وعلى كيفيّة الانخراط والاندماج مع الآخرين، وعلى مصادر الدخل ورأس المال، كما أن غياب التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة يتسبب في عرقلة تطوير وظائف الدماغ، وتأخر تطوير اللغة، كما يؤثر سلباً على اكتساب القيم، والعادات، والمعرفة، ويقلل من الانتماء للمجتمع، ويقلل أيضاً من حصول الأفراد على فرص عمل جيدة في المستقبل، كما تقلل الأمية من وعي الأفراد بحقوقهم وواجباتهم، وتتسبب في انخفاض إنتاجية الأفراد، وتؤدي إلى سوء التغذية، وضعف الصحة العامة، وزيادة معدّلات الأمراض، مما يعني زيادة العبء على المجتمع، وزيادة تكاليف الرعاية الصحيّة. 

تردي التعليم المصري ينتج خريجين غير مؤهلين لسوق العمل (ريتشارد باكر/Getty)
تردي التعليم المصري ينتج خريجين غير مؤهلين للعمل (ريتشارد باكر/Getty)

وإضافة إلى كثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المشار إليها؛ فإن هناك مشكلات نفسية قليلاً ما يجري الإلتفات إليها. يرى أستاذ علم النفس المصري مصطف سويف أن "هناك حقائق فادحة الضرر للأمية تؤكدها البحوث العلمية، منها أنّ حرمان الفرد من تلقي التعليم في السن المناسبة لا يقتصر في ضرره على حرمانه من الإلمام بالقراءة والكتابة، لكنّه يحرمه في الوقت نفسه من جرعة التنشيط النفسي العصبي التي يحصل عليها لا شعورياً خلال عملية التعليم في سياقها النظامي المعتاد، ومن ثم فإن هذا الحرمان يتركه معوقاً فيما يتعلق بوظيفة بالغة الخطر على كيانه النفسي وعلى حياته الاجتماعية".

ويشير سويف إلى وجود خطر آخر لا يقل عنه فداحة، وهو "الاقتران الوثيق بين أمية الوالدين وضعف التحصيل الدراسي للأبناء، وفي هذا ما فيه من تهديد للمستقبل، وتقويض ما نعلقه على الأجيال الجديدة من آمال".

وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" إلى أنّ نحو 780 مليون شخص في الفئة العمرية الأكبر من 15 سنة لا يجيدون المهارات الأساسية للقراءة والكتابة، وأنّ الإناث يمثلن نسبة الثلثين من هذه الفئة، بالإضافة إلى 103 ملايين طفل تحت سن 15 سنة لا يملكون القدرة على الذهاب إلى المدارس لأسباب تتعلق بالفقر والهجرة والسجن والإعاقة، وبالتالي سينضمون قريباً إلى هذا الرقم الخطير. 
وكشفت دراسة استقصائية نشرتها المنظمة الأممية في يونيو/ حزيران الماضي، وشملت 159 دولة، أنّ الفئات الفقيرة لا تزال محرومة من الحصول على فرص التعلّم، وأفادت بأنّ 60 في المائة من هذه البلدان لم تُحرِز أي تقدم على صعيد تعليم الأشخاص ذوي الإعاقة والمهاجرين والسجناء، كما أنّ 24 في المائة منها انخفض فيها تعلّم سكان المناطق الريفية، كما تقلّص أيضاً تعلم كبار السن.

المساهمون