محمية ضانا... الحكومة الأردنية تنحاز إلى النحاس

محمية ضانا... الحكومة الأردنية تنحاز إلى النحاس

04 سبتمبر 2021
قروي على حصان في ضانا (فريديريك سلطان/ Getty)
+ الخط -

ليس جديداً الخلاف الذي نشب بين نشطاء بيئيين والحكومة الأردنية بسبب قرارها اقتطاع جزء كبير من مساحة محمية بلدة ضانا لمصلحة مشروع التنقيب عن النحاس، إذ إن أحداثاً مشابهة حدثت سابقاً في بلدة عجلون ومحمية غور فيفيا وغيرهما. وبدا جلياً أن الحكومة تحاول تجاوز عقبة رفض الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، المسؤولة عن إدارة المحميات الوطنية، وناشطين بيئيين مشروع التنقيب عن النحاس في ضانا، خصوصاً من خلال العزف على وتر توفير فرص عمل جديدة وتوفير عائدات مالية مجزية للخزينة. وفيما تضطلع المحميات الطبيعية بأهمية كبيرة في الحفاظ على النظم البيئية القائمة والتنوع الحيوي وتؤثر مباشرة على بقاء الإنسان وتطور حياته عبر الحدّ من استغلال الطبيعة، يواجه الأردن ظروفاً خاصة ترتبط بواقع تشكيل الغابات والمحميات نسبة أقل من واحد في المائة من مساحة البلاد البالغة 89342 كيلومتراً مربعاً.
ويمكن تصنيف حماية البيئة والتنوع الحيوي اليوم بأنه "استثمار اقتصادي باعتبار أن فوائد السياحة البيئية باتت كبيرة على قطاع الاقتصاد، وتوفر فرص عمل لأبناء المجتمعات المحلية، وتعزز تطوير الحرف اليدوية والمنتجات والخدمات المرتبطة بهذا النوع من السياحة. من هنا يُعتبر القضاء على جزء من هذه المحميات وتنوعها الحيوي للتنقيب عن معادن بمثابة تعدٍ على الطبيعة وعلى أساليب حمايتها، وربطها بالتنمية المستدامة وصحة الإنسان وحقوقه.
وحول قرار الحكومة، يقول رئيس مجلس إدارة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة وزير البيئة السابق خالد الإيراني: "ترفض الجمعية المسّ بمحمية ضانا الحيوية التي تُعتبر كنزاً وإرثاً حضارياً وطبيعياً وثقافياً نادراً لا يمكن موازنته بأي استثمار، لذا ستتخذ الجمعية كل الإجراءات القانونية لحمايتها". أمّا وزير البيئة نبيل مصاورة فيوضح أن "الحكومة تعمل استناداً إلى قوانين وأنظمة وتشريعات. وبموجب المادة الرابعة من نظام المحميات والمتنزهات الوطنية يجري تعديل حدود أي محمية طبيعية أو متنزه وطني بقرار من مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح الوزير الذي يستند إلى توصية لجنة فنية ونتائج دراسة مقدمة للوزارة المختصة".

جدل رؤية الاستثمار
في هذا السياق، تقول الصحافية المتخصصة في الإعلام البيئي فرح عطيات لـ"العربي الجديد": "في الأردن تتغلب أحياناً كثيرة مشاريع الاستثمارات على الواقع البيئي ومتطلبات التنمية المستدامة، وليست ضانا استثناءً لهذا الواقع، علماً أن محمية دبين (عجلون) خضعت لإجراء مماثل قبل نحو 10 سنوات، ما مهد لإنشاء مشروع فلل استثمارية عليها. كذلك جُرف قسم من محمية فيفا لدواعٍ ٍأمنية، ثم أُوقفت الأعمال بعد فوات الأوان، ونُفذت مشاريع أخرى لاستخراج يورانيوم وصخر زيتي في مناطق محميات، قبل أن يظهر لاحقاً عدم جدواها الاقتصادية. وترى عطيات أن "الحكومات الأردنية لا تملك أحياناً رؤية بعيدة للاستثمار المستدام، على الرغم من أن دولاً كثيرة تستثمر في السياحة البيئية عبر محميات تشهد حملات ترويج كبيرة لجذب السياح بهدف در مبالغ كبيرة للبلاد، علماً أن سياحة المغامرات يمكن أن توفرها مناطق سياحية عدة في الأردن، وهي ترتبط برغبة السياح الأجانب في مشاهدة مناظر طبيعية مختلفة". وتلفت عطيات إلى أن "العالم يتجه إلى التعافي الأخضر الذي يتمحور حول الحفاظ على بيئة مستدامة. وقد تبين بعد جائحة كورونا أهمية عدم الاستمرار في الاعتداء على البيئة التي تسهم حمايتها في تعافي العالم من الأوبئة". وتوضح عطيات أن "القائمين على محمية ضانا يحددون دخلها بنحو ثلاثة ملايين دولار أميركي سنوياً، علماً أن هذا المبلغ قد يرتفع في شكل كبير في حال تعزيز الاستثمارات وتوفّر الإرادة الحكومية للإفادة من تجارب دول أخرى في هذا النوع من السياحة".

مصير محمية ضانا قد يتغير (فريديريك سلطان/ Getty)
مصير محمية ضانا قد يتغير (فريديريك سلطان/ Getty)

"زوابع" القضايا
وتعتبر العطيات أن "الشعب الأردني يهتم بقضاياه عبر عواصف إلكترونية تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي، وتموت وتنتهي سريعاً بلا تحقيق نتائج غالباً، وهو ما تدركه الحكومة المقتنعة بأن الرأي العام زوبعة تنتهي سريعاً. لذا سينتهي الدفاع عن ضانا فتواصل تنفيذ قراراتها، إلا إذا كان نفس المواجهة طويلاً". وتصنف العطيات جمعيات حماية البيئة بأنها "بغالبيتها ظواهر صوتية تعمل ضد بعضها البعض. ثمّة نحو 150 جمعية تُعتبر أكثر اهتماماً بالصراع في ما بينها من قضايا البيئة، وفي مقدمتها قضايا الحصول على منح. وهي لا تعمل يداً واحدة كما الحال في دول أخرى".

ضد "بيئة الأردن 2030"
من جهته، يقول الناشط البيئي علي الحموري من المركز الوطني للعدالة البيئية: "ما حدث في محمية ضانا مفاجئ، إذ جرى تطويع التشريعات حتى تلك البيئية للمضي قدماً في موضوع التنقيب عن النحاس. والجهات التي عملت على ذلك، أكانت رسمية أم لا، أهملت التاريخ والطبيعة والاقتصاد والمعاهدات الدولية الخاصة بمحمية ضانا وقيمتها باعتبارها الأولى في الأردن التي تُدرج على قائمة محميات الإنسان والمحيط الحيوي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو)".
يضيف الحموري: "تضمنت الاتفاقات البيئية الدولية والتشريعات الوطنية الحق في بيئة آمنة ومناسبة تضمن الصحة والسلامة للأجيال الحالية من دون الانتقاص من حقوق الأجيال القادمة عبر منع التلوث والتدهور البيئي، والحدّ من أي نشاطات تؤثر سلباً على عناصر البيئة واستدامتها، علماً أن وزارة البيئة تُعد وثيقة مرجعية باسم بيئة الأردن 2030 تهدف إلى دمج البعد البيئي بكل الخطط والاستراتيجيات الوطنية التي يفترض إنجازها بحلول عام 2030 في مجالات الزراعة والمياه والطاقة وتغيّر المناخ والصناعة والتنمية الحضرية. وهنا نسأل هل ستستطيع الوثيقة إيجاد توازن بين البيئة والاقتصاد، والتزام بنود الاتفاقات الدولية للبيئة، وتواكب استعداد العالم لعقد مؤتمر المناخ 26 لاستعادة العلاقة مع الطبيعة، في ظل ظروف وتحديات كبيرة يشعر العالم معها بخطر، ويتمسك بالحفاظ على الكوكب؟".

ويرى الحموري أن "الاقتصاد يضطلع بدور مهم في حياة الإنسان لدرجة وصفه بأنه عصب الحياة. لكن إدارته بطريقة لا تتناسب مع احتياجات المجتمع، مع عدم مراعاة قضايا البيئة والمناخ، تقود إلى الفشل". ويوضح أن "الاقتصادي البيئي يواجه مشكلتَي الآثار البيئية الخارجية، والإدارة السليمة للموارد الطبيعية والتوزيع الأمثل للموارد بين الأجيال". ويشير الحموري إلى أنه "لا يمكن فصل الإدارة البيئية عن الاقتصاد الذي يهتم بمسألة التلوث البيئي وآثاره الاقتصادية، فالعلاقة بينهما متبادلة، إذ تزود البيئة الاقتصاد بموارد طبيعية تتحوّل من خلال الإنتاج إلى سلع استهلاكية، ثم تعود هذه الموارد والطاقة إلى البيئة على شكل نفايات غير مرغوب فيها، ومن الممكن الإفادة منها في مشاريع لإعادة التدوير، في وقت بدأ العالم يتجه إلى الاقتصاد الأخضر".

مساحات من الصخور (Getty)
مساحات من الصخور (Getty)

ووفق الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، يعمل 85 موظفاً من أبناء المجتمع المحلي في محمية ضانا، وتستفيد من وجودها 500 عائلة بشكل غير مباشر. أما قيمة منفعة المجتمع المحلي السنوية الناتجة من المحمية، فتناهز ثلاثة ملايين دولار. في المقابل، تتحدث وزارة الطاقة والثروة المعدنية عن مشروع استثمار تناهز قيمته 200 مليون دينار أردني (282 مليون دولار)، يوفر نحو 1000 وظيفة مباشرة و2500 وظيفة غير مباشرة لأهالي المناطق وتلك المحيطة بها. لكن لا تتوفر حتى الآن دراسات دولية محكمة في هذه الشأن تظهر حاجة إلى توفير كميات كبيرة من المياه للتعدين. تجدر الإشارة إلى أنّ وزيرة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية هالة زواتي كانت قد أكدت أن الدراسات أثبتت وجود احتياط كافٍ من معادن النحاس لجعل الاستثمار مجدياً.

المساهمون