أسفرت الحرب في سورية عن فقدان وإصابة الكثير من الحيوانات، وخصوصاً في الشمال السوري الذي تعرّض على مدى سنوات الثورة إلى قصف شديد من طائرات النظام وروسيا. كما أثّر الوضع المعيشي للسكان على الاهتمام بتلك الحيوانات، ما أدى إلى تخلّي كثيرين عن حيواناتهم الأليفة التي كانت تربى في المنازل، بسبب حركات النزوح المتلاحقة، وفقدان الأدوية والأطعمة الخاصة بها، وهجرة كثير من الأطباء البيطريين، وتراجع أعداد العيادات البيطرية.
وفي محاولة منهم للاهتمام بتلك الحيوانات، وخصوصاً تلك التي تخلى أصحابها عنها مثل الكلاب والقطط، أنشأ متطوعون محمية حملت اسم "إرنستو"، وذلك في مزرعة على مقربة من مدينة إدلب، فيها عيادة بيطرية، بهدف إيواء الحيوانات الشاردة في مكان واحد، وإعادة تأهيلها، وتقديم الطعام والشراب لها طيلة فترة وجودها في المحمية.
يقول مؤسّس ومدير محمية إرنستو البيطري محمد يوسف، لـ "العربي الجديد": "فكرة إنشاء المحمية ولدت عام 2017، عندما شاهدت حيوانات كانت تصاب من جراء القصف الجوي والصاروخي ولا تجد من يهتم بها أو يداوي جروحها. وتهدف المحمية إلى مداواة وعلاج أي حيوان مصاب". ويلفت إلى أن المحمية كانت عبارة عن عيادة بيطرية تنقّلت في أماكن عدة في محافظة إدلب، حتى استقرّت أخيراً في مدينة إدلب، بالإضافة إلى محمية تضمّ أكثر من 30 نوعاً من الحيوانات، أبرزها القطط والكلاب والخيول والطيور على أنواعها، بالإضافة إلى الأغنام والماعز والحمير.
ويشير يوسف إلى أن الفريق المسؤول عن المحمية يتألف من 13 متطوعاً، يعملون ما بين المزرعة والعيادة الواقعتين في مدينة إدلب، ويقدّمون الرعاية الصحية والغذاء للحيوانات، مؤكداً أنّ المحمية بدأت تستقبل الحيوانات فعلياً في شهر إبريل/ نيسان الماضي. ووصل عدد الحيوانات فيها إلى أكثر من 400 من كافة الأنواع الموجودة في سورية.
ويوضح يوسف أن المحمية ممولة من محبي الحيوانات والمهتمين بها في الداخل السوري والخارج، مشيراً إلى أنهم يواجهون العديد من المصاعب، من بينها تأمين اللقاحات لتلك الحيوانات، وعدم وجود أجهزة تصوير شعاعي، ومختبرات، وفقدان بعض الأدوية النوعية، وخصوصاً بعدما أدى تفشي كورونا وإغلاق المعابر الحدودية إلى صعوبة إيصالها إلى المنطقة.
من جهته، نزح أحمد السعيد، وهو أب لثلاثة أطفال، من ريف مدينة معرة النعمان الواقع جنوبي إدلب مطلع عام 2020 بعدما سيطرت قوات النظام على المنطقة. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه اضّطر للتخلي عن قطّين كان يربيهما بسبب سكنه في خيمة قرب مدينة معرة مصرين شمالي إدلب، وخوفه من ضياعهما أو موتهما جوعاً. ويشير إلى أنّه سمع عن العيادة التي تتبع للفريق في مدينة إدلب، فاتجه إليها وسلّم القطين للقائمين على العيادة، رغبة منه في أن يجدا من يهتم بهما ويوليهما الرعاية الصحية، ويوفّر لهما الطعام والشراب.
وعن آلية نقل الحيوانات إلى المحمية، يقول المدير الإداري للفريق محمد وتّار لـ "العربي الجديد"، إنه داخل المحمية توجد سيارة وخط ساخن لتلقّي الاتصالات. ويوضح أن المحمية تستقبل الحيوانات التي يرغب بعض مربيها في التخلي عنها، بالإضافة إلى تلك الشاردة التي تحتاج إلى رعاية.
يتابع وتّار أن هناك حيوانات أخرى تصل المحمية بهدف العلاج، ثم تعاد إلى أصحابها بعدما تتماثل للشفاء، لافتاً إلى أن من أكثر الحيوانات التي تصل المحمية هي القطط، وتضم اليوم نحو 250 قطاً تحصل على الغذاء والمأوى والعلاج. كما تستقبل بشكل مستمر أي قط شارد أو مصاب ليتم علاجه وتلقيحه باللقاحات اللازمة.
ولا توجد إحصائيات دقيقة لحجم خسائر الثروة الحيوانية في سورية خلال سنوات الحرب، لكنّ القصف والمجاعة والتهريب والذبح العشوائي للمواشي والدواجن، أدّت إلى خسائر كبيرة، بعدما كانت سورية غنية بالثروة الحيوانية في المنطقة.
وأظهرت المؤشرات الصادرة عن وزارة الزراعة التابعة للنظام السوري انخفاضاً في أعداد الثروة الحيوانية بنسبة تتراوح ما بين 50 و60 في المائة، بحسب تقرير نقلته صحيفة "الوطن". ويشير التقرير إلى أن هذا الانخفاض سببه السرقة والتهريب والذبح العشوائي وعدم توافر الظروف المناسبة لحصر شامل للأرقام التي تعتمد على مؤشرات النمو للثروة الحيوانية.
ويلفت التقرير إلى أن حاجة المؤسسة العامة للأعلاف التابعة للنظام تتراوح ما بين 3.5 إلى أربعة ملايين طن، يؤمن منه الفلاح نحو 1.5 مليون طن فقط. ويؤكد أن المؤسسة وبإشراف مؤسسة التجارة الخارجية التابعة للنظام، استوردت هذا العام 100 ألف طن من كسبة فول الصويا والذرة الصفراء.