شهدت بلدة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، هجمات قاسية خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، إذ دُمّرت عشرات المنازل، وامتد القصف إلى بلدة بيت حانون القريبة، خصوصاً في ليلة الرابع عشر من مايو/أيار الماضي. هذا القصف العنيف قتل أحلام الطفل محمد شعبان (7 أعوام) الذي فقد بصره، وأصيب بصدمة.
في منزل متواضع وصغير، يعيش محمد مع أسرته المؤلفة من تسعة أفراد. لم يعد قادراً على رؤية العصافير، كما جرت العادة، في الصباح الباكر على مقربة من الأراضي الزراعية التي تحيط بمنزله، أو أصدقائه وزملائه في الحي الذي يلعبون في الشارع الرملي القريب من منزله.
والد الطفل هاني شعبان (39 عاماً) عاطل عن العمل في الوقت الحالي. سابقاً، كان قد تنقّل في مهن عدة، من دون أن يحصل في حياته على أي فرصة عمل رسمية. ويعتمد على المساعدات الإنسانية لتربية أولاده السبعة. ويشير إلى أنه قبل عام، كانت مياه الأمطار تتسرب إلى داخل المنزل، إلا أن الوضع تحسّن بعد إصلاحه.
في العاشر من مايو/أيار الماضي، كان محمد يرافق والدته لشراء الملابس الخاصة بعيد الفطر. في ذلك اليوم، بدأ القصف الإسرائيلي يستهدف مدنيين في سوق جباليا البلد شمال قطاع غزة. تقول الوالدة أم نائل: "كان محمد سعيداً لشرائه الملابس، خصوصاً حذاء العيد، وكان يتقدمني بخطوات. أذكر أنني عدت إلى الوراء بقوة وأغمي عليّ للحظات، ثم نهضت ولم أعثر على محمد. رحت أبحث عنه وسط الدمار واتصلت بزوجي الذي حضر بعد ربع ساعة. كان الناس يتحدثون عن نقل أشلاء أطفال إلى المستشفى، وأنّ الجميع قد استشهد".
تتابع: "توجهنا إلى المستشفى الإندونيسي وبحثنا في ثلاجات الشهداء للتعرف على الجثث. أخبرونا أنه لا يوجد أطفال شهداء بل جرحى. توجهنا إلى قسم الاستقبال لنجد ابنة عمه مصابة. وهناك وجدنا محمداً ممدداً ووجهه مغطى بالضمادات. ثم حوّله الأطباء إلى مستشفى العيون الحكومي في غزة، لأن الإصابة هي في العين مباشرة".
كان محمد قد أصيب مباشرة بشظايا صاروخ إسرائيلي في عينيه وقدمه. وبعد التشخيص الأوّلي، تبين للأطباء أنه فقد النظر في عينه اليسرى، بينما كان يمكن إخراج الشظايا من اليمنى، وقد خضع لعملية جراحية. لكن نتيجة العملية لم تكن مضمونة، ولم يتمكن الأطباء من إخراج جميع الشظايا، وكان يفترض أن يسافر إلى مصر لاستكمال العلاج. إلا أن ذلك تأخر بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي لمدة 11 يوماً، عدا عن تأخر التنسيق مع وزارة الصحة في رام الله. وفي مصر، تبين للأطباء أن الالتهابات وصلت إلى عصب العين، وبالتالي فقد بصره.
يشير والده إلى أنه بعد انقضاء العدوان الإسرائيلي، التقى بالشاب الذي أنقذه ونقله إلى المستشفى. وقال الأخير إنه لدى نقله إلى المستشفى، كان محمد يردد أنه يريد ثياباً وحذاء العيد، غير آبه بإصابته. ويوضح والده أن محمد أكثر تمسكاً بالحياة من أشقائه. وكان يحب كرة القدم ويلعبها مع أبناء الحي، وكان يحب اكتشاف عالم الطيور والحيوانات، بالإضافة إلى الآلات الصناعية التي كثيراً ما كان يسأل عن تفاصيل حولها.
نتيجة الصدمة، لم يعد محمد يتكلم كما في السابق. وإذا ما سأله أحد الأطفال عما حدث معه، يبقى صامتاً لدقائق ثم يجلس بعيداً عنهم. تسانده أسرته في المشي والاستحمام وغير ذلك. وعند سماعه الأطفال يلعبون، يحاول التفاعل معهم واللعب، لكن قليلاً ما يتحدث معهم، ويكتفي بمشاركتهم بألعاب اليدين والضحك أحياناً.
يقول والده هاني لـ"العربي الجديد": "لدى إصابته، كان في الصف الأول الابتدائي. لكن نتيجة التعليم الإلكتروني ثم عدم قدرته على أداء امتحانات نهاية العام الدراسي بسبب فقدانه بصره، سيضطر إلى إعادة هذا الصف، على أن يلتحق بمركز النور لتأهيل الأشخاص المعوقين بصرياً التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)".
في الوقت الحالي، يحصل على علاج لحماية العين من الالتهاب الذي من الممكن أن يؤثر على الدماغ. وصار أكثر تفاعلاً مع أبناء الحي. لكن، عندما يسمع قصفاً أو أصوات الطائرات، يشعر بقلق ويصمت لساعات، خصوصاً أنّهم يقيمون في منطقة حدودية. يضيف الوالد: "بدأ يميز أصوات أشقائه وأبناء الحي ويتفاعل معهم قليلاً، لكنّه لا يتعامل مع الغرباء عندما يسمع أصواتهم. وعندما يحضر الصحافيون، يتعامل باللمس لمعرفة هوية الشخص. مثلاً عندما يحضر الصحافيون، يحاول إمساك الكاميرا بالضغط على الزر وسماع صوت التقاط الصورة، فيبتسم فقط".
وكان العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة قد بدأ في العاشر من مايو/أيار هذا العام واستمر 11 يوماً، استشهد خلاله 260 فلسطينياً وأصيب أكثر من 8 آلاف، عدا عن تدمير مئات المباني وبعض المنشآت المدرسية.