محادثات صعبة لانتزاع معاهدة لحماية أعالي البحار

04 مارس 2023
تحرك بيئي في نيويورك تزامناً مع المناقشات الخاصة بحماية أعالي البحار (إد جونز/ فرانس برس)
+ الخط -

كانت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لا تزال تسعى بصعوبة، اليوم السبت، بعد ليلة طويلة، إلى تجاوز انقساماتها وإبرام معاهدة طال انتظارها لحماية أعالي البحار، هذا الكنز الحيوي والهش الذي يغطي ما يقرب من نصف الأرض.

وبعد أكثر من 15 عاماً من المحادثات غير الرسمية ثمّ الرسمية، تجاوز المفاوضون بساعات موعد انتهاء أسبوعَين جديدَين من المباحثات، في ثالث دورة "أخيرة" في أقلّ من عام. وبعد ليلة طويلة في نيويورك، عقد المفاوضون جلسة مغلقة للتركيز على المسألة السياسية الحساسة المتعلقة بتوزيع عائدات الموارد الجينية التي تُجمَع تحت الماء في أعالي البحار.

وقالت رئيسة المؤتمر رينا لي، سفيرة سنغافورة للمحيطات وقضايا البحار القانونية، في جلسة إنّه "ما زالت لدينا بضع قضايا ينبغي الانتهاء منها، لكنّه يُصار إلى إحراز تقدّم فيها والوفود تبدي مرونة".

وهذا الفصل الخاص بالموارد الجينية البحرية غائب عن مشروع النصّ المحدّث الأخير الذي نُشر ليل أمس الجمعة، وما زال يحتوي أيضاً على نقاط خلاف عديدة. لكنّ مصادر عديدة قريبة من المفاوضات أكّدت لوكالة فرانس برس، في وقت سابق من اليوم السبت، أنّ المفاوضات أحرزت تقدّماً.

وفي هذا الإطار، كتبت المفاوضة النيوزيلندية فيكتوريا هالوم في تغريدة على موقع تويتر: "أصبحنا قريبين جداً الآن" من اتفاق، مشيرة إلى أنّها حطّمت رقماً قياسياً لها مع أكثر من 24 ساعة متتالية من المحادثات.

اتفاق من دون تبنٍّ

حتى لو توصّل المجتمعون إلى تسويات بشأن كلّ الخلافات المتبقية، لن يكون من الممكن تبنّي المعاهدة رسمياً في هذه الجلسة، بحسب ما قالت سفيرة سنغافورة للمحيطات وقضايا البحار القانونية رينا لي، أمس الجمعة. أضافت أنّه من الممكن "استكمالها" من دون احتمال إعادة فتح مفاوضات "في جوهر" المسائل، قبل تبنّيها رسمياً في موعد لاحق بعد أن تراجعها الأجهزة القضائية وتُترجَم إلى لغات الأمم المتحدة الستّ الرسمية.

من جهتها، رأت فيرونيكا فرانك من منظمة "غرينبيس" في حديث إلى وكالة فرانس برس أنّه حتى من دون إقرار رسمي، فإنّ الأمر سوف يشكّل "خطوة مهمّة".

وتشمل نقاط الخلاف الإجراءات المتعلقة بإنشاء مناطق محمية بحرية، ونموذج دراسات الأثر البيئي للأنشطة المخطط لها في أعالي البحار، وتقاسم المنافع المحتملة للموارد البحرية المكتشفة حديثاً. يُذكر أنّ منطقة أعالي البحار تبدأ من النقطة التي تنتهي فيها المناطق الاقتصادية الخالصة للدول، على بعد 200 ميل بحري (370 كيلومتراً) كحدّ أقصى عن الساحل. وهي لا تخضع لأيّ ولاية قضائية وطنية من الدول.

وبينما تمثّل أعالي البحار أكثر من 60 في المائة من محيطات العالم ونحو نصف مساحة سطح الكوكب، فإنّها لم تستقطب الاهتمام ذاته مثل المياه الساحلية وعدد من الأنواع التي لها دلالات كبيرة. ويحظى نحو واحد في المائة فقط من أعالي البحار بالحماية. وتنتج النظم البيئية للمحيطات نصف الأوكسيجين الذي نتنفّسه، وتحدّ من الاحترار المناخي من خلال تخزين جزء كبير من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الأنشطة الصناعية.

إنصاف ما بين الشمال والجنوب

لكنّ الخدمات التي توفّرها تلك النظم للبشرية باتت عرضة للخطر نتيجة الاحترار وتحمّض المياه والتلوّث على أنواعه والصيد الجائر. وبالنسبة إلى كثيرين فإنّ مصير أيّ اتفاقية يتوقف على تحقيق الإنصاف ما بين الشمال الغني والجنوب الفقير.

وتبقى الأبحاث المنفّذة في أعالي البحار والمكلفة جداً حكراً على البلدان الأكثر ثراءً راهناً، غير أنّ البلدان النامية لا تريد بدورها أن تفوّت عليها الإيرادات التي قد تدرّها الموارد البحرية التي ليست ملكاً لأحد.

وفي خطوة عُدّت مسعى إلى بناء الثقة ما بين الدول الغنية والفقيرة، تعهّد الاتحاد الأوروبي في نيويورك تخصيص 40 مليون يورو (نحو 42.5 مليون دولار أميركي) لتسهيل المصادقة على المعاهدة والشروع في تطبيقها. كذلك تعهّد الاتحاد تخصيص 860 مليون يورو (نحو 915 دولاراً) للأبحاث والمراقبة وحماية المحيطات في عام 2023، في خلال مؤتمر "محيطنا" الذي اختُتمت أعماله أمس الجمعة في بنما، في حين أعلنت الولايات المتحدة الأميركية التزامات بنحو ستّة مليارات دولار.

وقال مراقبون تحدّثت إليهم وكالة فرانس برس إنّ حلّ تلك القضايا المالية الحساسة سياسياً يمكن أن يساهم في حلحلة النقاط الشائكة الأخرى. وفي حال التوصّل إلى اتفاق، سوف يتعيّن الانتظار لمعرفة ما إذا كانت التسويات التي تمّ التوصل إليها سوف تفضي إلى نصّ قوي قادر على حماية المحيطات بطريقة فعالة.

بالنسبة إلى فيرونيكا فرانك من منظمة "غرينبيس"، فإنّ "النص ليس مثالياً لكنّه يتضمّن مساراً واضحاً" نحو تحقيق ذلك الالتزام، في إشارة إلى التزام حكومات العالم بحماية 30 في المائة من أراضي ومحيطات العالم بحلول عام 2030 بموجب ما اتّفق عليه في مدينة مونتريال الكندية في ديسمبر/ كانون الأول 2022، في خلال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع الحيوي (كوب 15).

(فرانس برس)

المساهمون