مجاعة في شمال غزة: تحذيرات جديدة وسط الحرب المتواصلة على الفلسطينيين

14 يونيو 2024
طفلة في شمال غزة تتمسّك برغيف خبز وسط الجوع المسيطر، 4 يونيو 2024 (عمر القطّاع/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سكان شمال غزة يواجهون خطر المجاعة بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر 2023، مع تحكم قوات الاحتلال بمداخل ومخارج المنطقة، مما يؤدي إلى نقص حاد في الغذاء.
- الأمم المتحدة ومنظمات أخرى حذرت من خطر المجاعة، ورغم الجهود الدولية، تستمر العراقيل أمام إدخال المساعدات الإنسانية مثل الغذاء والأدوية، مما يزيد من معاناة السكان.
- الوضع الإنساني المتدهور يؤثر بشكل خاص على الأطفال، حيث أدى النقص الشديد في الغذاء إلى سوء التغذية والجفاف، مما تسبب في وفاة 33 طفلاً وتسجيل أكثر من 200 حالة سوء تغذية في مستشفى كمال عدوان.

في شمال غزة المعزول عن بقيّة مناطق القطاع المحاصر وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يُحكى من جديد عن "مجاعة حتمية" شبيهة بتلك التي كانت الأمم المتحدة ووكالاتها قد حذّرت منها إلى جانب منظمات أخرى تُعنى بالشؤون الإنسانية والحقوقية، في ظلّ الجوع المسيطر.

ومنطقة شمال غزة التي عزلتها قوات الاحتلال عن جنوب القطاع ووسطه تضمّ محافظتَي غزة وشمال غزة، والاحتلال يتحكّم بمداخلها ومخارجها ويفصلها عن المنطقة الواقعة إلى جنوبي وادي غزة. وهكذا فإنّ الفلسطينيين، الذين ما زالوا عالقين في الشمال لسبب أو آخر، مهدّدون بالمجاعة اليوم، ولا سيّما أنّ الجوع ينتشر بينهم نتيجة النقص الهائل في الغذاء.

واضطرّ الفلسطينيون في شمال غزة إلى تناول أعلاف الحيوانات لسدّ جوعهم قبل أشهر قليلة، في حين كانت تُبذل جهود أممية ودولية للضغط على إسرائيل من أجل السماح بإدخال مساعدات إنسانية إلى هؤلاء. وبالفعل، بعد محاولات حثيثة شاقة، سُمح بإدخال بضع شحنات هزيلة من دقيق القمح إلى الشمال عبر برنامج الأغذية العالمية.

وكانت الأمم المتحدة قد اشتكت، في أكثر من مرّة، من عرقلة إدخال فرقها مساعدات إنسانية، بما في ذلك الغذاء والأدوية والمستلزمات الطبية، إلى الفلسطينيين المعزولين في شمال غزة وسط ظروف مزرية. وتبدو الأمور اليوم أكثر صعوبة، ولا سيّما مع العملية البرية التي تنفّذها قوات الاحتلال في رفح والتي أدّت إلى إقفال المعبر الواصل بين أقصى جنوبي قطاع غزة ومصر. فالمساعدات الإنسانية المخصّصة للفلسطينيين في القطاع، سواء في شمال غزة أو جنوبه أو وسطه، تدخل من خلاله هذا المعبر.

ولأنّ النقص الهائل في الغذاء من شأنه أن يسبّب سوء تغذية وكذلك تجفافاً في أجسام الأطفال، فقد راحت أعداد كبيرة من أطفال قطاع غزة تعاني من ذلك. ووصل الحال بعدد من هؤلاء إلى الوفاة، خصوصاً مع ترافق سوء التغذية مع مشكلات صحية. وقد توفي 33 طفلاً من جرّاء إصابتهم بسوء التغذية الحاد، آخرهم يُدعى مصطفى حجازي وقد فارق الحياة اليوم في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح بوسط قطاع غزة. وبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، فقد تلقّى أكثر من ثمانية آلاف طفل دون الخامسة من العمر علاجاً لسوء التغذية الحاد في القطاع.

وفي مستشفى كمال عدوان الذي يُعَدّ من بين أكبر مستشفيات شمال غزة في القطاع الفلسطيني المحاصر والمستهدف، سُجّلت معاينة أكثر من 200 طفل، على خلفية سوء التغذية، وقد احتاج 50 منهم إلى عناية مكثّفة، علماً أنّهم في حالة خطرة. ومن بين هؤلاء الذين يستقبلهم مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، الطفل زين حسب الله البالغ من العمر سبعة أعوام. والصغير الذي ترافقه والدته يعاني من ضعف جسدي، علماً أنّ والده استشهد في العملية العسكرية الأخيرة التي شنّتها قوات الاحتلال على مخيم جباليا في شمال غزة الشهر الماضي.

الصورة
أطفال فلسطينيون ينتظرون وجبات غذائية في مركز إيواء في شمال غزة - 19 مايو 2024 (داود أبو الكاس/ الأناضول)
أطفال ينتظرون وجبات غذائية في مركز إيواء في شمال غزة، 19 مايو 2024 (داود أبو الكاس/ الأناضول)

وتخبر والدة زين حسب الله "العربي الجديد" أنّها توجّهت شأنها شأن كثيرين من أهالي شمال غزة إلى السوق، من أجل تأمين أيّ مواد غذائية متوفّرة، لكنّهم لم يعثروا إلا على قليل من الغذاء وبأسعار مرتفعة جداً. ولا تخفي الوالدة، التي تعيش مع أبنائها الآخرين بالقرب من مستشفى كمال عدوان، أنّها تشعر بالجوع كما هي حال أبنائها، وتأمل بإدخال أيّ طعام عاجل إلى شمال غزة.

تضيف هذه الأم الفلسطينية: "كنّا نتوقّع هذا الجوع. فمنذ العملية العسكرية الأخيرة واستشهاد زوجي، رحنا نشعر بتناقص الغذاء. وقد اضطررت إلى تقليل كمية ما نتناوله حتى لا نصل إلى الجوع سريعاً". وتكمل: "لكنّنا، على الرغم من كلّ محاولاتنا، أنا ونساء كثيرات في المنطقة، فقد دخلنا في هذه المرحلة. ونحن ننتظر إدخال أيّ طعام ممكن إلى المنطقة". وتؤكد والدة زين حسب الله "في الوقت الراهن، أعيش ما بين شعور الجوع وتأمين الطعام لأبنائي وبين خوفي من فقدان ابني زين فيلحق بوالده".

لا تختلف حال عبد الفتاح المدهون العالق في شمال غزة كذلك عن حال والدة زين حسب الله. ويحكي لـ"العربي الجديد" أنّه لم يعثر على أيّ طعام منذ أيام، في حين أنّ قوات الاحتلال دمّرت منزله الذي تمكّن من النزوح منه في اللحظات الأخيرة مع مبلغ متواضع. ويفيد المدهون بأنّ "الناس في مناطق مختلفة يبحثون عن أيّ غذاء ممكن من دون جدوى"، مشيراً إلى أنّ "لا منظمات دولية ولا أونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) ولا غيرها في منطقة شمال غزة اليوم". ويكمل المدهون: "نمشي مثل التائهين في الشوارع ونسأل عن أيّ مكان فيه طعام".

في سياق متصل، يقول مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية لـ"العربي الجديد" إنّ "الأغذية التي تحتوي على بروتينات وفيتامينات غير متوفّرة في كلّ محافظة شمال غزة" في الوقت الراهن. يضيف أنّ "في حال توفّر منه القليل، فإنّ الناس صاروا يتبادلون الأغذية في ما بينهم، بناءً على حاجة أطفالهم حتى لا يموتوا جوعاً"، لافتاً إلى أنّ هؤلاء يجهدون للحصول على حليب "حتى لو كان حليباً منتهي الصلاحية مثل ذلك المجفّف الذي أُدخل من ضمن شحنات مساعدات".

تجدر الإشارة إلى أنّ الفلسطينيين في شمال غزة كانوا قد اختبروا الجوع للمرّة الأولى، في خلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ السابع من أكتوبر الماضي، ما بين شهرَي يناير/ كانون الثاني ومارس/ آذار الماضيَين خصوصاً. فهم بمعظمهم اضطرّوا إلى خلط أعلاف الحيوانات بدقيق القمح المتوفّر قبل نفاده كلياً، كذلك أكلوا أوراق الأشجار وراحوا يبحثون عن أيّ بدائل ممكنة حتى لا يموتوا جوعاً. وفي السياق نفسه، أطلق ناشطون أخيراً وسم #شمال_غزة_يجوع على مواقع التواصل الاجتماعي، آملين أن يوصلوا رسالة مفادها أنّ الفلسطينيين في غزة يجوعون في ظلّ الحصار والعدوان، من أجل الضغط لإدخال الأغذية لهم.

المساهمون