"نُطالب الحكومة الباكستانية بزيادة رواتب التقاعد كي نوفّر لعائلاتنا ما تحتاج إليه". هذا ما يقوله المتقاعد من إدارة السكك الحديدية نويد على رانا، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، عن أحواله المعيشية بعد تقاعده من العمل. ويوضح أنّ ما يحصل عليه يبقى أفضل من لا شيء، إلا أنه قليل جداً في الوقت نفسه، في ظل الغلاء الذي تشهده البلاد، عدا عن الأزمة الاقتصادية والبطالة.
ويتطلع المتقاعدون في باكستان إلى اهتمام الحكومة بهم وزيادة رواتبهم. في المقابل، ترى الحكومة أن الميزانية الخاصة بالمتقاعدين تعدّ عبئاً ثقيلاً عليها تسعى إلى التخلص منه إذا ما وجدت حلولاً مناسبة لها. في هذا الإطار، قال رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إن الميزانية الخاصة بالمتقاعدين تكاد تقارب الميزانية المخصصة للعاملين والموظفين حالياً، معتبراً ذلك معضلة كبيرة في وجه الحكومة.
لكن لم يكن أمام الحكومة غير الاستجابة، ولو قليلاً، للضغوط، لترفع نسبة الموازنة المخصصة للمتقاعدين عشرة في المائة. كما شكلت لجنة من الخبراء الباكستانيين لإيجاد حلول مناسبة لأزمة رواتب المتقاعدين، على خلفية تصريحات خان الذي اعتبر أنه لا يمكن للحكومة تحمل الميزانية المخصصة لهم بصورتها الحالية، مؤكداً أن حكومته تستعين بخبراء دوليين في هذا المجال، كما تنظر في القوانين التي سنتها دول مختلفة من أجل التعامل مع المتقاعدين.
كذلك، اتهم خان الحكومات السابقة بزيادة رواتب المتقاعدين ووضع ميزانية ضخمة لهم لأسباب سياسية، مؤكداً أنّ حكومته لا تراعي المصالح السياسية بل تنظر إلى مصلحة البلاد ومستقبلها. فالميزانية الضخمة لرواتب المتقاعدين بصورتها الحالية غير مقبولة.
ويقول الخبير القانوني محمد بصير لـ "العربي الجديد"، إن ما يتقاضاه المتقاعدون هو نتيجة لتخفيض رواتبهم أثناء العمل، باعتبار أن الحكومة تقتطع جزءاً من رواتب الموظفين وتحتفظ بها إلى حين تقاعدهم. وعندما يتقاعد الموظفون، تدفع رواتبهم مما تجمعه على مرّ السنين. ويرى أنه يتوجب على الحكومة تخصيص جزء من الميزانية للمتقاعدين، لأن الأموال التي جمعت لا تؤمن رواتبهم بشكل تام.
وأثارت تصريحات رئيس الوزراء عمران خان الأخيرة، والتي أشار فيها إلى إجراء تعديل في القانون المتعلق برواتب المتقاعدين، حفيظة هؤلاء. وباتت القضية محط اهتمام الأحزاب السياسية وورقة في يدها من أجل انتقاد الحكومة. وتقول نائبة زعيم حزب الرابطة الإسلامية مريم نواز، إن الحكومة مسؤولة عن الغلاء الفاحش والوضع المعيشي الصعب. وتعتزم اليوم حرمان الشريحة الضعيفة من كبار السن من لقمة العيش، أي المتقاعدين، مشيرة إلى فض الحكومة اعتصام المتطوعات في قطاع الصحة من أجل زيادة رواتبهن، وتحديد رواتب تقاعدهن، بالقوة.
يفترض بالمعنيين النظر إلى وضعي وزيادة راتبي كوني مبتور اليد
يذكر أن من بين مطالب الاعتصام المفتوح الشهر الماضي، الذي نفذته متطوعات في مجال الطب وحملة مكافحة شلل الأطفال في إسلام آباد، تحديد رواتب للمتقاعدات، بالإضافة إلى حصولهن على حقوقهن المالية. في هذا الصدد، تقول نورين اختيار، وهي من المتطوعات في القطاع الصحي، لـ "العربي الجديد": "نتقاضى المال بحسب ساعات عملنا. مستقبلنا غير مضمون. لذلك، نطالب الحكومة العمل من أجل مستقبلنا، وهذا حق مشروع لنا وسنجبرها على قبول مطلبنا". وتناشد الأحزاب السياسية ممارسة الضغط عليها، والوقوف معهن من أجل الحصول على مطالبهن.
هكذا تتفاوت المطالب. ففي وقت تسعى نورين، المتطوعة مع أخريات، من أجل الحصول على الراتب التقاعدي، يشكو محمد إسحاق أعوان، الذي عمل في إحدى الادارات الحكومية في مدينة كشمير - الشطر الباكستاني، وتعرّض لحادث أدى إلى بتر يده أثناء العمل، ضعف الراتب، إذ يتقاضى 3300 روبية باكستانية (نحو 20 دولارا) شهرياً. راتب يستطيع من خلاله تأمين أدويته فقط وبدل المواصلات، ليعتمد في معيشته على أقاربه بقية الشهر.
ويقول أعوان لـ "العربي الجديد": "لدي سبع بنات وما رزقت بابن. الفتيات لا يعملن وأحتاج إلى المال من أجل تزويجهن. كما أن زوجتي مريضة، وبالتالي تعتمد عائلتي عليّ من أجل تأمين المال لإعالتها وتأمين احتياجاتها". ويطالب الحكومة بزيادة راتبه الشهري بعد التقاعد، مضيفاً أنه "يفترض بالمعنيين النظر إلى وضعي وزيادة راتبي كوني مبتور اليد، لكنها لم تفعل شيئاً".
في السياق نفسه، تتقاضى زرينه أحمد راتباً قدره خمسة آلاف روبية (نحو 31 دولارا تقريباً)، وهو راتب زوجها المتوفي أحمد، الذي عمل في إدارة التعليم المحلية في إقليم خيبربختونخوا. وبعد وفاته العام الماضي، باتت تتقاضى راتبه وتنفق على ابنتيها. تقول إنها تحتاج إلى الزواج، خصوصاً أنها تعاني من أمراض ضغط الدم والسكري والقلب، ما يعني أنها في حاجة إلى علاج دائم، علماً أن المبلغ الذي تتقاضاه شهرياً لا يكفي لكل ذلك.