أي حديث عن انتشار جديد أو أوسع لفيروس كورونا كفيل بإعادة مشاهد تكدّس المرضى في المستشفيات، والموت، والحجر، ومشاعر الخوف، وهو ما حصل فعلاً بعدما عاد الفيروس للانتشار خلال فصل الصيف. وفي الوقت الحالي، تشهد دول عدة، من بينها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، ارتفاعاً في أعداد الإصابات. ارتفاع يرتبط بالمتغير الفرعي الجديد من متحور أوميكرون، ويطلق عليه اسم إيريس Eris المعروف علمياً باسم EG.5.1 (إي جي.5)، هو المسؤول جزئياً عن الزيادة الأخيرة في عدد الإصابات. وأفادت منظمة الصحة العالمية في بياناتها الأخيرة بأنّ عدد الإصابات بكوفيد التي رُصدت على مستوى العالم ارتفع بنسبة 80 في المائة خلال شهر واحد، مع 1.5 مليون إصابة إضافية من العاشر من يوليو/ تموز الماضي حتى السادس من أغسطس/ آب الجاري. كما أشارت إلى زيادة انتشار "إي جي.5" عالمياً، من 7.6 في المائة من حالات كوفيد-19 المسجّلة إلى 17.4 في المائة خلال فترة الأسابيع الأربعة منذ منتصف يونيو/ حزيران الماضي
في جميع أنحاء العالم، يمثل متغير إيريس حوالي 20 في المائة من تسلسل كوفيد في آسيا، و10 في المائة في أوروبا، و7 في المائة في أميركا الشمالية.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه جرى الإبلاغ عن إصابات في 51 دولة، بما فيها الصين والولايات المتحدة وكوريا واليابان وكندا وأستراليا وسنغافورة والمملكة المتحدة وفرنسا والبرتغال وإسبانيا. وتعد بريطانيا من بين البلدان الأبرز التي رُصد فيها انتشار "إي جي.5" بسرعة في الآونة الأخيرة. فوفقاً لوكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة (UKHSA)، يصيب المتغير الفرعي الجديد الآن حوالي حالة واحدة من كل سبع حالات إصابة، استناداً إلى اختبارات المستشفيات.
كما أبلغ المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) عن زيادة بنسبة 12.5 في المائة في عمليات الاستشفاء الخاصة بتلقّي علاج كوفيد-19 في الأسبوع المنتهي في 29 يوليو الماضي، مع أكثر من تسعة آلاف حالة دخول جديدة إلى المستشفى.
وفي فرنسا، تؤكد مؤشّرات عودة انتشار الوباء، فقد ازداد التردّد إلى أقسام الطوارئ للاشتباه بالإصابة بكوفيد-19، في الأسبوع الممتدّ من 31 يوليو إلى السادس من أغسطس/ آب الجاري بنسبة 31 في المائة، مقارنة بالأسبوع الذي سبق، مع تسجيل 920 حالة، وفقاً لبيانات الوكالة الوطنية للصحة العامة "سانتيه بوبليك فرانس".
وسط كل هذا، يصعب تجاهل مشاعر الخوف والقلق من عودة إلى ما اختبره العالم خلال ذروة تفشي كوفيد، وإن كان معظم الخبراء حتى يومنا هذا، لا يرون فيه خطراً يستدعي الخوف. بداية، كتبت منظمة الصحة العالمية أن الخطر الذي يشكّله المتغير الفرعي "إي جي.5" على الصحة العامة منخفض، بحسب المعلومات المتاحة حالياً. وقالت إنه مماثل للخطر الذي شكّله فيروس "إكس بي بي 1 . 16" وبعض المتغيرات الأخرى المنتشرة حالياً. ويمكن أن يصبح "إي جي.5" قريباً المتغير الفرعي المهيمن في بعض الدول، أو حتى على مستوى العالم. كما عدّلت "إي جي.5" إلى فئة "متغيرات مثيرة للاهتمام"، علماً أن هناك أيضاً ثلاثة متغيرات أخرى الآن في هذه الفئة، وهي: "إكس بي بي 1 . 5″ و"إكس بي بي 1 . 16".
في السياق نفسه، يقول خبراء في مجال الصحة، إن المتغير الفرعي الجديد لا يشكل تهديداً كبيراً، أو على الأقل ليس أكثر خطورة من المتغيرات الموجودة حالياً. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن أستاذ علم الأحياء الدقيقة الجزيئي وعلم المناعة في كلية جونز هوبكنز بلومبيرغ للصحة العامة (BSPH)، أندرو بيكوس، قوله إن "القلق يزداد بشأن المتغير، لكنه لا يبدو مختلفاً تماماً عمّا تشهده الولايات المتحدة خلال الأشهر الأربعة الماضية".
جرى التعرف على المتغير الجديد في الصين في فبراير/ شباط الماضي. ولدى إيريس طفرة تساعده على الهروب من الأجسام المضادة التي طورها الجهاز المناعي استجابة للمتغيرات واللقاحات السابقة. ميزة قد تكون السبب في تحوله إلى السلالة المهيمنة في مختلف أنحاء العالم. ويقول بيكوس إن هذه الطفرة "قد تعني أن المزيد من الناس معرضون للإصابة به، لأنه أكثر قدرة على مقاومة المناعة. لكن لا يبدو أن لديه أي قدرات جديدة عندما يتعلق الأمر بالعدوى أو أعراضها، أو احتمال التسبب في مرض شديد".
من جهته، يقول نائب الرئيس التنفيذي معهد سكريبس للأبحاث (يركز على البحوث في العلوم الطبية الحيوية الأساسية) في لا غولا بكاليفورنيا، إريك توبول، لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، إنه "لا يشعر بقلق مفرط حيال المتغير. مع ذلك، فإنه سيشعر بتحسن إذا كانت تركيبة اللقاح الجديدة، التي من المتوقع طرحها في الخريف المقبل، ستكون متاحة بالفعل". يضيف: "طُوِّر اللقاح التعزيزي بناءً على متغير آخر مشابه وراثياً لـ "إي جي.5"، ويتوقع أن يوفر حماية أفضل ضده".
ويوضح أنه "على الرغم من العدد المتزايد للمتغيرات، فمن غير المرجح أن تتسبب في زيادة شبيهة بتلك التي حدثت في شتاء عام 2022 مع المتحور الأول من أوميكرون"، مؤكداً أن المتغير الفرعي الجديد لا يشبه ما مررنا به مع أوميكرون، لكننا سنشهد مزيداً من الإصابات.
من جهتها، ترى أستاذة البحث التشغيلي في كلية لندن الجامعية كريستينا باجل، أن هناك احتمالاً بأن يتباطأ انتشار المتغير الجديد خلال الصيف، في ظل إغلاق المدارس والإجازات، مشيرة إلى أنه يرجح أن يهيمن مجدداً خلال سبتمبر/ أيلول المقبل مع عودة الأطفال إلى المدارس والطلاب إلى الجامعات والناس إلى أعمالهم، بالإضافة إلى قضاء مزيد من الوقت في الداخل.
وفي ما يتعلق بالأعراض والعلاجات، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن رئيس قسم الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة "بوفالو" الأميركية، توماس روسو، قوله إنّ الأعراض الناجمة عن الإصابة بـ "إي جي.5" تبدو مماثلة لتلك التي تسبّبها متغيّرات فرعية ومتحورات أخرى، وبالتالي لا مخاوف كبيرة نتيجة ذلك. ويشرح أن الأعراض الشائعة شملت سيلان الأنف، والصداع، والوهن، والتهاب الحلق، والعطس، أسوة بالمتغيرات السابقة، ما يتطلب من المرضى عدم الاختلاط، وتناول الأدوية اللازمة، بالإضافة إلى ضرورة تلقي اللقاح.