وضعت 8 منظمات حقوقية، الخميس، مقترحاً بمعايير وضوابط للإفراج عن جميع السجناء السياسيين في مصر.
ووقعت المبادرة كل من "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، و"مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب"، و"مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، و"المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، و"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، و"الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، و"مبادرة الحرية"، و"كوميتي فور جستس".
وقالت المنظمات الموقعة في بيان مشترك إن "فتح ملف السجناء السياسيين خطوة ضرورية وعاجلة تأخرت كثيراً حتى أصبحت مصر من أوائل دول العالم من حيث ضخامة عدد المحبوسين بتهم سياسية".
وأضافت أن "الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطياً أو المحكوم عليهم من جميع التيارات السياسية بسبب نشاطهم السلمي كان الخطوة الأولى على رأس مبادرة أول سبع خطوات التي أطلقتها ووقعتها في 2021 أكثر من خمسين من منظمات المجتمع المدني والأحزاب وتجمعات المصريين في الداخل والخارج وهيئات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية".
وحسب البيان، يهدف المقترح الجديد إلى "تفادي أخطاء الماضي في التعامل مع هذا الملف أو الاستمرار في نهج ثبت فشله في تصفية مواقف الآلاف من السجناء السياسيين منذ إنشاء لجنة العفو الرئاسي في 2016".
وأشارت المنظمات إلى أن هذا النهج "تمثل في إصدار قرارات موسمية بإخلاء سبيل أعداد محدودة من المعتقلين كل بضعة أشهر أو أعوام في غياب آلية أو معايير أو ضوابط معلومة لاختيار المفرج عنهم أو رفض الإفراج عن غيرهم".
وقالت إنه "في الوقت نفسه استمرت إضافة أعداد جديدة من المحبوسين بتهم سياسية وبما يتجاوز بكثير أعداد المفرج عنهم؛ وهي الطريقة التي أسفرت عن استمرار وتفاقم أزمة السجناء السياسيين دون حل وعلى مدى سنوات".
أربعة ضوابط
وحول الضوابط الحاكمة للإفراج، قال بيان المنظمات إنه "يجب أن يكون الهدف النهائي لأي عملية تتصدى لهذا الملف، الإفراج عن جميع المسجونين بتهم سياسية، بحيث لا يبقى في مصر سجين سياسي واحد. ويجب أن تلتزم الآلية المنشأة للتعامل مع هذا الملف في عملها بضوابط أربعة".
وحسب البيان جاءت "العدالة" على رأس هذه الضوابط، "بحيث يحظى كل مسجون سياسي بفرصة متساوية ومنصفة للنظر في حالته على أسس موضوعية"، ثم "الشفافية"، بحيث تتخذ قرارات الإفراج وفق معايير وضوابط معلنة ومعروفة مسبقاً للمسجونين وذويهم والمجتمع ككل.
أما الضابط الثالث، فيتمثل بـ"الشمول"، بحيث تتضمن قرارات الإفراج كل من تنطبق عليهم المعايير الموضوعية المعلنة دون استثناء، وأخيراً "الاستعجال"، بحيث لا تستغرق هذه العملية كسابقاتها سنوات تضاف إلى ما ضاع بالفعل من أعمار آلاف من المسجونين، وفي ضوء المعاناة الصحية والإنسانية لهم ولأسرهم والثمن الذي دفعه ويدفعه المجتمع ككل نتيجة تفاقم وتجاهل هذا الملف، على حد وصف البيان.
وأشار البيان إلى أنه "بعد إعلان رئيس الجمهورية في 26 إبريل (نيسان)، إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها كإحدى توصيات المؤتمر الوطني للشباب 2016 على أن توسع قاعدة عملها، صدرت تصريحات متواترة عن أعضاء اللجنة المعاد تشكيلها بأن توسيع قاعدة العمل يشير إلى أن نطاق عمل اللجنة سيستمر في التركيز فقط على الشباب المحبوسين مع إضافة ملف الغارمين والغارمات (أي المسجونين بسبب عدم التزامهم أداء ديون مالية)".
وأوضح أن "استمارة طلب العفو التي نشرتها على الإنترنت لجنة العفو الرئاسي بعد إعادة تشكيلها وعقد اجتماعها الأول اقتصرت على طلب الإفراج عن الشباب المحبوسين على ذمة قضايا ولم تصدر بحقهم أي أحكام قضائية".
وقال البيان إن هذا المقترح يرى أن أي مقاربة لملف المسجونين السياسيين لن تتسم بالعدالة والإنصاف والفاعلية ما لم تشمل جميع المحبوسين احتياطياً وكذلك المحكوم عليهم بتهم سياسية كافة وسواء أكانوا من الشباب أم من الأطفال والقاصرين أو كبار السن أو ذوي الحالات الصحية والإنسانية، وكل من يخضع حالياً لتقييد حريته لأسباب أو تهم سياسية".
معايير وأولويات
وحددت المنظمات في بيانها معايير وأولويات الإفراج، وقالت: "إن معيار عدم ارتكاب جرائم عنف يشكل أساساً ملائماً للانطلاق نحو تصفية أوضاع السجناء السياسيين. لكن هذا المعيار يجب أن يتم تحديده بدقة بالغة بحيث لا يجري استثناء الآلاف من سجناء الرأي الذين وجهت لهم النيابة بشكل روتيني ومبهم ودون دليل تهماً مثل الانضمام لجماعة محظورة أو مساعدة جماعة محظورة في تحقيق أهدافها، وغيرها من التهم الفضفاضة التي لا تقيم عليها النيابة العامة أية أدلة ولو حتى بتحديد اسم أو ماهية تلك الجماعة المزعومة".
وأضاف البيان: "علماً بأن هذه التهم قد استُعملت كذريعة لتقييد حرية أعداد هائلة من السجناء السياسيين بتوسع رهيب في الأعوام الماضية، بل وصدرت على بعضهم أحكام بهذه التهم دون أن تقدم النيابة دليلاً واحداً باستثناء تحريات أجهزة الأمن".
وأضاف البيان أنه "يجب أن تعطي قرارات الإفراج عن المسجونين السياسيين أولوية عاجلة لحالات المرضى والقاصرين وكبار السن".
ودعا كذلك إلى "الإفراج عن جميع المحبوسين في قضايا النشر، بالمخالفة لنص الدستور الذي يحظر توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية"، وكذا "الإفراج عن جميع من تجاوزوا الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، حتى لو تم حبسهم على ذمة قضايا جديدة بتهم مماثلة لضمان استمرار حبسهم في ما بات يعرف بظاهرة تدوير المعتقلين السياسيين. وإصدار أمر من النيابة العامة بألّا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بحقهم".
كذلك دعت المنظمات إلى "الإفراج عن كل المحبوسين احتياطياً ممن مرّ على حبسهم ستة أشهر كحد أقصى دون أن يتوافر لدى النيابة ما يكفي من الأدلة لإحالتهم للمحاكمة"، إضافة إلى "العفو عن باقي العقوبة لمن سبق الحكم عليهم بتهم سياسية وقضوا أكثر من نصف العقوبة وتم حرمانهم حقهم في الإفراج الشرطي دون مبرر سوى طبيعة تهمهم".
ودعا البيان إلى "العفو عن باقي العقوبة لمن صدرت ضدهم أحكام من محاكم أمن الدولة طوارئ، لكونها أحكاماً استثنائية غير قابلة للطعن، حرمت المتهمين درجات التقاضي الطبيعية، وفي ضوء انقضاء حالة الطوارئ في 2021، والامتناع عن التصديق على الأحكام الجديدة الصادرة عن هذه المحاكم"، و"العفو عن باقي العقوبة لجميع المدنيين ممن صدرت ضدهم أحكام من القضاء العسكري بتهم سياسية".
وقال البيان إن "من شأن إعطاء الأولوية لهذه الحالات إخراج أعداد هائلة من السجون، يمكن بعدها استكمال إغلاق ملف السجناء السياسيين بالإفراج عن باقي المحبوسين أو المحكوم عليهم بتهم سياسية لا تنطوي على التورط في أعمال العنف".
آلية الاختيار
وعن "آلية اختيار المفرج عنهم" قالت المنظمات إنه "وفقاً لما أعلنته لجنة العفو الرئاسي بعد اجتماعها الأول منذ إعادة تشكيلها، فإن تلقي الالتماسات من ذوي الشأن هو السبيل الوحيد لبدء النظر في حالة سجين سياسي، سواء عبر موقع مؤتمر الشباب أو لجنتي حقوق الإنسان بمجلسي النواب والشيوخ، أو آلية شكاوى المجلس القومي لحقوق الإنسان، أو مباشرة لأعضاء اللجنة".
وأضاف البيان: "غير أن تلقي الالتماسات يجب أن يكون مجرد طريقة واحدة من بين طرق النظر في ملفات السجناء السياسيين المحبوسين دون ارتكاب جرائم عنيفة. بل لا بد من المبادرة بشكل فوري بفحص ملفات والإفراج عن جميع المتهمين في قضايا سياسية دون استثناء أو إبطاء وانطلاقاً من قاعدة البيانات المتوافرة بالفعل لدى الجهات المعنية كالمكتب الفني للنائب العام أو المحامي العام لنيابات أمن الدولة العليا أو إدارة القضاء العسكري بوزارة الدفاع".
وأضافت المنظمات أنه "يجب إتاحة الفرصة للسجناء السياسيين أنفسهم من داخل السجون لتقديم طلبات النظر في ملفاتهم والإفراج عنهم، خاصة ممن ليس لهم أقارب أو لا يملك أقاربهم إمكانية تقديم الالتماسات على الإنترنت أو السجناء محرومي الزيارات والمراسلات".
وقالت إن "اقتصار دور لجنة العفو حالياً على تلقي المعلومات ثم تقديمها لأجهزة الأمن (حسب ما ذكر عدد من أعضاء اللجنة في تصريحات إعلامية بشأن طريقة عملهم حالياً) يعني وضع مصير السجناء السياسيين في أيدي نفس الأجهزة التي أمرت أو نفذت أوامر اعتقالهم وحبسهم حتى الآن. لذلك، إن أي عملية عادلة ومنصفة وشفافة تهدف حقاً للإفراج عن السجناء السياسيين يجب أن تديرها آلية رسمية تضمن تطبيق معايير موضوعية بقرارات معلنة على النحو السابق ذكره".
وشددت المنظمات في بيانها على ضرورة أن تعلن لجنة العفو دورياً أسماء المخلى سبيلهم، وأن تتيح إمكانية الالتماس بإعادة النظر في الحالات المرفوضة متى انطبقت عليها المعايير الموضوعية المعلنة.
وقالت إنه "يجب وضع جدول زمني لعمل اللجنة يشمل تاريخ انتهاء عملية فحص ملفات المسجونين السياسيين كافة وإعلان نتائج عملها للرأي العام"، مضيفة أنه "لا معنى لمعالجة حقيقية لملف السجناء السياسيين في مصر إن استمرت قرارات القبض على مواطنين بتهم سياسية كما هو الوضع الآن".
ولفت البيان إلى أنّ "من شأن ذلك أن يبقي على سياسة الباب الدوار التي تلقي بواسطتها أجهزة الأمن بسجناء جدد في السجون، في الوقت نفسه الذي تفرج فيه عن أعداد محدودة من غيرهم".