مبادرات خيرية تستهدف النازحين والأهالي في الرقة

14 يناير 2023
النازحون والأهالي يعانون في مدينة الرقة (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

تُسجَّل مبادرات أهلية عديدة في مدينة الرقة الواقعة في شمال سورية، تقوم على جمع تبرّعات من ميسورين وغيرهم، في حين أنّ المدينة تستقبل عائلات سورية عديدة فرّت من ويلات الحرب بمناطق أكثر سخونة. وراحت تلك المبادرات تُرصَد منذ خروج الرقة عن سيطرة النظام السوري في مارس/ آذار من عام 2013.
وأُنشئت في هذا السياق مطابخ خيرية عدّة في المدينة، راحت تقدّم وجبات ساخنة للمحتاجين منذ عام 2014 وحتى عام 2016، وذلك في حين كان تنظيم داعش قد فرض هيمنته على المنطقة. لكنّ تلك المطابخ توقّفت نتيجة ظروف الحرب وعمليات النزوح ذات الصلة وعملية "غضب الفرات 2017"، قبل أن تعاود نشاطها إلى جانب أخرى جديدة بعد سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) على الرقة التي ما زالت قائمة حتى الآن.
يقول أحد الإداريين في "مطبخ باب بغداد" ومبادرة "صنائع المعروف" عيسى السطم لـ"العربي الجديد"، إنّه "نتيجة الأوضاع المأساوية التي تعيشها العائلات في الرقة والوافدين إليها، قمنا ومجموعة من أهل الخير بتأسيس مبادرة صنائع المعروف ومطبخ باب بغداد الخيري"، ويشرح أنّه "على مدى ثلاثة أيام في الأسبوع، تُقدَّم وجبات ساخنة وفي بعض الأحيان نوزّع حصصاً من المواد الخام من قبيل اللحوم الحمراء أو لحوم الدواجن والأرزّ وغيرها من مواد غذائية".
يضيف السطم أنّ "مبادرة صنائع المعروف تقدّم مبالغ نقدية للعائلات التي تعاني من أوضاع معيشية صعبة، وتسدّد مستحقات مالية للحالات المرضية وغيرها"، لافتاً إلى أنّ "عدد العائلات المسجّلة في إطار هذه المبادرة يُقدَّر بحو 400 عائلة من أهالي الرقة و200 عائلة وافدة".
ويتابع السطم أنّه "مع توافد عائلات من المخيّمات، خصوصاً مخيّم الهول، وارتفاع نسبة العائلات التي تفتقر إلى معيل، ارتأينا مع مجموعة من شيوخ عشائر الرقة بدعم من منظمة شباب أوكسيجين، إنشاء لجنة حلّ النزاع التي تتابع أحوال العائلات والأرامل العائدات من مخيّم الهول وأيضاً الأطفال. وهو أمر استطعنا من خلاله توفير بعض ممّا تحتاجه العائلات، وأطلقنا حملة شتاء دافئ لتأمين مستلزمات التدفئة للعائلات المسجّلة لدينا في صنائع المعروف ولجنة حلّ النزاع".
من جهته، يقول الطبيب فراس ممدوح الفهد، أحد القائمين على مبادرات طبية وتعليمية وأخرى تهتمّ بشؤون ضحايا الحرب في الرقة، لـ"العربي الجديد": "أسّسنا منظمة صنّاع الأمل الإنسانية التي تُعنى بتركيب الأطراف الصناعية لضحايا الحرب، وذلك في عام 2018. وحتى عام 2021، كان العدد الإجمالي الذي أحصيناه عبر جولات ميدانية في معظم أحياء الرقة هو 1300 حالة بتر للأطراف العلوية. وفي أربعة أعوام، من دون أيّ دعم من أيّ جهة، قمنا بتركيب 53 طرفاً صناعياً سفلياً للحالات الأكثر فقراً".
ويبيّن الفهد أنّ "أطباءً عديدين تطوّعوا معنا في العمل، وهم متخصّصون في تركيب أطراف صناعية وفي جراحة العظام. كما أنشأنا في منزلي، وهو مقرّ صنّاع الأمل في حيّ الفردوس، مركز علاج فيزيائي مجانياً لمئات من ذوي الإعاقة، على مثال المصابين بالشلل النصفي أو ضمور الدماغ أو مبتوري الأطراف".

أزمة الخبز تتفاقم في الرقة السورية (دليل سليمان/فرانس برس)
أزمة الخبز متفاقمة في الرقة (دليل سليمان/فرانس برس)

ويشير الفهد إلى أنّه "نظراً إلى قلّة الدعم الطبي المجاني المقدّم للفئات الأكثر فقراً، عملت بالتعاون مع جمعية دكتور ممدوح الفهد الخيرية ومنظمة شباب تفاؤل الإنسانية على إنشاء أوّل مركز للعيادات الشاملة الخيرية المجانية للأيتام والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة ومصابي الحرب ومرضى السرطان، وجهّزناه بماكينات للفحوص الطبية من قبيل التصوير بالموجات فوق الصوتية وأخرى لتخطيط القلب، وصيدلية، ومركز علاج فيزيائي مجاني، وعيادات تخصصية بالتعاون مع 80 طبيباً من 17 تخصصاً. وقد استقبلنا حتى الآن، بدعم ذاتي ومن دون دعم من أيّ جهة دولية أو مؤسسة محلية، ألفَي مريض في مركزنا وسط الرقة". 
ويكمل الفهد أنّهم أطلقوا أخيراً بمساعدة 10 معاهد تعليمية خاصة في الرقة مبادرة خاصة بالتعليم، لا سيّما إقامة دورات مجانية للتلاميذ الأيتام والفقراء الذين يخضعون لامتحانات لنيل الشهادتَين الإعدادية والثانوية، ويوضح أنّ "أكثر من 200 تلميذ وتلميذة تمكّنوا من الالتحاق بالدروس الخصوصية في كلّ مواد الشهادتَين".
في هذا الإطار، يقول المدرّس أحمد رشاد، في معهد الروّاد الخاص بالرقة، لـ"العربي الجديد"، إنّه "منذ إنشائنا المعهد، نعمد إلى حسومات تستفيد منها العائلات الفقيرة والتلاميذ الأيتام، بالإضافة إلى إعفاء تلاميذ كثيرين في المرحلتَين الثانوية والإعدادية من التكاليف". ويبيّن رشاد أنّ هذا "أمر طوعي نجده في معظم المعاهد ولدى معظم المدرّسين الخصوصيين في الرقة، إذ إنّ الأوضاع المعيشية الصعبة مسألة عامة تمسّ كلّ فئات المجتمع في الرقة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويلفت رشاد إلى أنّه "أخيراً، وعلى أثر الدعوة التي وجّهها الدكتور فراس ممدوح الفهد عبر صفحته على موقع فيسبوك، في ما يتعلّق بتعليم الفقراء والأيتام، استجبنا نحن وعشرة معاهد للدروس الخصوصية في الرقة لتلك الدعوة".
وفي سياق متصل، يؤكد الناشط أسامة أبو عدي لـ"العربي الجديد"، أنّ "الرقة حالياً، نتيجة توافد عائلات عديدة إليها من مناطق سورية أخرى، تتحمّل على عاتقها وعاتق أهلها الوقوف على أحوال تلك العائلات، لا سيّما تلك التي تعيش في مراكز الإيواء ومخيّمات النزوح"، وقد قدّر أبو عدي عدد تلك العائلات بـ"16 ألفاً و145 تتوزّع في 61 مخيماً".
ويشرح أبو عدي أنّ "الناشطين تمكّنوا من تأمين بعض من الاحتياجات، من خلال مبادرة الرقة بعيون أهلها التي تُعنى بالمناشدات الإنسانية وجمع التبرّعات عبر منصات التواصل الاجتماعي. كما تعمد جهات أخرى إلى نشر تقارير ومواد إعلامية دولية (تُعنى بالشؤون الإنسانية والحقوق)، من قبيل المرصد السوري لحقوق الإنسان". ويقول أبو عدي إنّ "ثمّة ناشطين وإعلاميين في الرقة نذروا أنفسهم للوقوف على أحوال الفقراء والأشدّ فقراً والنازحين، وقد تمكّنوا من خلال مناشداتهم من جعل المنظمات والإدارة الذاتية تستجيب" للاحتياجات.

المساهمون