مبادرات جزائرية... المجتمع يدعم جهود مكافحة كورونا

21 نوفمبر 2020
ناشط بوزع كمامات بالجزائر (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -

مع تزايد مخاوف الجزائريين من انتشار فيروس كورونا الجديد، وتحسس مخاطره على الصحة العامة في البلاد بسبب مظاهر اللامبالاة المتزايدة التي يشهدون عليها في يومياتهم، لدى كثيرين، تتسابق منظمات المجتمع المدني والكشافة الإسلامية الجزائرية ومجموعات متنوعة معظمها شبابية، على إطلاق المبادرات التي تستهدف التوعية بمخاطر الفيروس، وضرورة التزام تدابير الوقاية والحجر الصحي، بالإضافة إلى توزيع الكمامات وتنظيم صفوف المواطنين في المراكز الخدمية كالبريد لضمان التباعد الجسدي المطلوب، وكذلك جمع المساعدات لشراء المعدات الطبية لصالح المستشفيات.
وتعيد الكثير من المنظمات الأهلية ولجان الأحياء حشد قوتها وأعضائها لإعادة بعث جهود مكافحة كورونا وإسناد المجهود الحكومي، بعد بروز مؤشرات لافتة لانتشار موجة ثانية من الوباء، اذ استبقت قبل أيام الدخول المدرسي وعودة التلاميذ والطلبة الى الدراسة بتنظيم عمليات تعقيم للمدارس والمؤسسات التعليمية، كما تعاود إطلاق حملات للتوعية وجمع التبرعات لاقتناء التجهيزات اللازمة لصالح المستشفيات، وهو ما دفع رئيس الحكومة عبد العزيز جراد الأسبوع الماضي الى حث السلطات المحلية على إشراك مؤسسات المجتمع المدني في جهود مكافحة كورونا.     
ومنذ اكتشاف أولى الإصابات بفيروس كورونا في الجزائر في مارس/ آذار الماضي، لعب المجتمع المدني دوراً بارزاً في مكافحة الوباء، خاصة في البلدات والقرى، اذ قرر سكان قرى منطقة القبائل منذ بداية ظهور الوباء، اللجوء إلى التنظيم الذاتي وإغلاق القرى في المنطقة التي تقع في شمال شرقي البلاد، لمنع دخول الغرباء إليها، قبل فحصهم للتثبت من عدم إصابتهم بالفيروس. هذا الإجراء ساعد كثيراً في تجنيب السكان، كباراً وصغاراً، التقاط عدوى الفيروس. 
كذلك، بادر سكان منطقة المشرية، في ولاية النعامة، إلى الغرب من الجزائر العاصمة، إلى الدخول في الحجر الصحي الكلّي ابتداء من 21 يوليو/ تموز الماضي، واستمر الحجر بمحض إرادتهم، لأربعة أشهر، بعيداً عن إجراءات كانت الحكومة الجزائرية قد أقرتها خلال الفترة الأخيرة، وذلك في التفاتة فعلية لقيت صدى كمبادرة وقائية، لم يسبق لأيّ منطقة في الجزائر الإقدام عليها من تلقاء نفسها. 
من جهتها، قادت جمعية "ناس الخير" التي تنشط في عدد من أحياء منطقة المشرية، المبادرة التي جرى الاتفاق عليها بتشجيع من شباب المنطقة وجمعيات شبابية تحولت في ظلّ انتشار الوباء إلى العمل التوعوي وتكثيف الزيارات إلى الأحياء والقرى من أجل توزيع المطهرات الطبية والأقنعة الواقية. وازدادت مخاوف سكان المشرية من انتشار الوباء بعد وصوله إلى الولاية، وهو ما دفع البعض إلى تنظيم مجموعات لإيصال المؤونة في ظروف صحية آمنة، إلى السكان عبر الأحياء السكنية تفادياً للتجمعات في الأسواق الشعبية. وفي هذا الإطار، يقول وليد دحاوي، وهو عضو في إحدى الجمعيات الناشطة ضمن هذه المبادرة لـ"العربي الجديد" إنّ الدعوة وجهت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف تنظيم خروج السكان إلى العمل وتنظيم بعض النشاطات على مستوى المؤسسات العامة.

الجزائر (رياض كرامدي/ فرانس برس)
(رياض كرامدي/ فرانس برس)

وقررت أكثر من 76 جمعية خيرية تنشط على مستوى كلّ من ولايات باتنة وسطيف وبسكرة والشلف وعنابة، تنظيم قوافل خيرية من أجل تمكين المئات من المواطنين من إجراء الفحوص الطبية الخاصة بفيروس كورونا. وتنشط هذه الجمعيات منذ أسابيع في إطار مكافحة الجائحة، بهدف الحدّ من الانتشار الرهيب للوباء. وتقول الناشطة في جمعية "دير الخير" التي تنشط في ولاية عنابة سعاد بن الشيخ الحسين، وهي طالبة جامعية في كلية الصيدلة، إنّ القافلة الخيرية تضم طلاباً جامعيين وشباباً ممن يسعون إلى توعية المواطنين بضرورة الالتزام بوسائل الوقاية، وجميع شروط النظافة والتباعد الجسدي. 
وتشدد بن الشيخ الحسين في حديثها إلى "العربي الجديد" على أنّ القوافل الخيرية المعنية بمحاربة الوباء تهدف بالدرجة الأولى إلى "تخفيف الضغط عن المستشفيات ومساعدة الجيش الأبيض (الكوادر الطبية والتمريضية والمساعدة) في مهمته النبيلة".

بادر سكان منطقة المشرية إلى الدخول في الحجر الصحي الكلّي بإرادتهم


بات عدد من المناطق الجزائرية، عبارة عن أحياء تشبه مدن الأشباح، لا سيما تلك التي وسمت بالبؤرة الحقيقية لانتشار الفيروس مثل ولايات بسكرة والوادي، جنوبي البلاد، وسطيف شرقي الجزائر، وغيرها من البؤر التي أصبح سكانها يتوجسون من تفشي الوباء وانتشاره وعدم التحكم فيه، بالرغم من كلّ الجهود التي تقوم بها السلطات المحلية والجمعيات الخيرية. وتخفيفاً للضغط عن المستشفيات، قرر شباب من ولاية سطيف وهي عاصمة التجارة في الجزائر، تجهيز قاعة المعارض في الولاية، التي تتسع لنحو 1500 كرسي، من أجل استقبال المواطنين المشتبه بإصابتهم بكورونا وإجراء الفحوص اللازمة لهم، مع أخذ عينات الدم إذا اقتضت الضرورة ذلك، مع احترام شروط الوقاية والتباعد الجسدي، فضلاً عن التكفل بإيصال المرضى إلى المستشفيات، أو إلى فنادق من أجل اتخاذ إجراءات العزل المناسبة لهم. 
وسخّرت الجمعيات الخيرية في ولاية سطيف التي سجلت أعلى الإصابات في الجزائر، قائمة من التجهيزات، من بينها توفير الأكل والنقل للمرضى في بلديات ولاية سطيف وخارجها، وتوفير سيارات الإسعاف وإرسال المرضى إلى المستشفيات إن كانت حالتهم خطيرة، كما تكفلت هذه الجمعيات بتسخير إمكانيات وظروف خاصة للممرضين الذين يتولون أخذ قياس الحرارة والفحص الدوري للمواطنين المتقدمين للكشف. كذلك، بادرت بعض الجمعيات التي تنشط في ولاية الشلف غربي الجزائر، من جهتها، إلى التبرع بصهاريج المياه وعبوات الأوكسيجين للمستشفيات هناك.
تعكس هذه المبادرات بحسب الناشطة الحقوقية إيمان عويمر "روح المسؤولية لدى شريحة من المجتمع سارعت لتقديم المساعدة لأنّها مدركة تماماً لحجم الكارثة الوبائية ولسلبيات المنظومة الصحية التي لا يمكن إغفالها". وتقول عويمر لـ"العربي الجديد" إنّه بمرور الوقت وارتفاع عدد الإصابات بشكل قياسي، تبيّن أنّ بيانات الحكومة وتأكيدها أنّ الوضع تحت السيطرة ليست إلا محاولة للتستر على وضع سيئ، لكنّ تلك المحاولة لم تدم طويلاً، لا سيما مع انتشار مقاطع فيديو صادمة من داخل المستشفيات، خصوصاً أنّ تزايد معدلات الإصابة بكورونا، خلق وضعاً أليماً تكابده الفرق الطبية، في ظل نقص لافت للإمكانات المادية، مع نقص في العنصر البشري.

كورونا في الجزائر (رياض كرامدي/ فرانس برس)
(رياض كرامدي/ فرانس برس)

بالإضافة إلى المبادرات الجماعية ودعمها ميدانياً، تبرز مبادرات فردية خاصة، إذ تكفّل رجل أعمال شاب في منطقة المشرية بتوظيف عشرة ممرضين على نفقته، وذلك بهدف تعزيز الكادر الطبي في المنطقة، كما تولى تقديم دعم مادي لعدد من المتخصصين في الأجهزة الطبية لتوفير المساعدة للسلك الطبي في المؤسسات الاستشفائية بالمدينة لمواجهة كورونا. ورحب كثيرون بهذه المبادرة، واعتبروها فريدة من نوعها، إذ تخلق روح التنافس لدى كثيرين في مختلف المناطق الجزائرية، خصوصاً أنّ السلطات وحدها غير قادرة على محاربة الوباء. في دوره، ومع تواصل تسجيل الإصابات بكورونا، وتزايد المرضى في المستشفيات مع ضغط كبير على الكوادر الطبية وشبه الطبية في مختلف المناطق، بادر رجل أعمال آخر في منطقة العلمة، شرقي البلاد، إلى شراء خزان كبير للأوكسجين لصالح مستشفى المدينة. وهناك مبادرات فردية عدة من هذا النوع، بعضها فضل أصحابه أن يبقوا مجهولين بالنسبة للعامة.

ودفعت المساهمة البارزة لفعاليات المجتمع المدني خلال الأزمة الوبائية، رئيس البلاد عبد المجيد تبون، إلى إسداء تعليمات إلى الحكومة لفتح باب المبادرة لصالح الجمعيات والمنظمات من جهة، كما حثّ الحكومة على تنظيم المبادرات المجتمعية من جهة أخرى. وهو ما ذهبت إليه وزارة الداخلية الجزائرية التي أعلنت عن تقديم تسهيلات غير مسبوقة للشباب والناشطين لتأسيس الجمعيات، عبر ملف بسيط يقدم إلى مكتب في الولاية التي تنتمي الجمعية إليها، بدلاً من متاعب وملف ثقيل كان يستدعيه ذلك في وقت سابق. وفي هذا الإطار، كشفت وزارة الداخلية عن تأسيس نحو 4000 جمعية محلية في زمن قياسي في الفترة الأخيرة.
وبخلاف فترات سابقة، كان فيها العمل المجتمعي والجمعيات تحت غطاء سياسي، أو لغايات سياسية، فإنّ اللافت هذه المرة في الأزمة الوبائية وانتشار فيروس كورونا الجديد، أنّ تنامي المبادرات الفردية والجماعية، يجري من دون غطاء سياسي، بل يشكل فحوى المجتمع المدني بصورته الإيجابية، وهو ما يعكس التلاحم الاجتماعي في الجزائر، لا سيما أنّ الوباء بات قريباً من كلّ منزل ولا يستثني أحداً، كما أنّ هذه التبرعات والمبادرات ستزيد من عزيمة الأطباء الذين هم في حاجة ماسة إلى التشجيع والتحفيز، لأنّهم في الجبهة الأمامية لمحاربة الوباء، ويدفعون ثمن تفكّك منظومة صحية كانت في آخر اهتمامات الدولة في الفترات السابقة.

المساهمون