مبادرات توفير كتب مدرسية لطلاب العراق

07 ديسمبر 2021
لم يتسلم طلاب العراق كامل الكتب المدرسية (ماركو ديلاورو/ Getty)
+ الخط -

يتولى ناشطون عراقيون مهمة توفير الكتب المدرسية عبر نسخها وتوزيعها بالمجان على الطلاب المحتاجين، في ظل معاناة كثير من الأهالي من الوضع المعيشي المتردي، والذي فاقمه انتشار البطالة نتيجة تفشي جائحة كورونا، ثم قرار رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، والذي تبنته الحكومة لتخطي عجز الموازنة، وتوفير رواتب الموظفين.
ويتهم الأهالي وزارة التربية بالفساد والكسب غير المشروع على حساب مستقبل أبنائهم. ويقول ضياء وادي، لـ"العربي الجديد"، إنه اشترى عشرة كتب من المنهاج الدراسي لأبنائه الثلاثة، ورغم أن حالته المادية تسمح له بتوفير المال لشراء الكتب، "لكن هناك عدداً كبيراً من الأهالي يعيشون ضائقة مادية، ولا يمكنهم شراء الكتب التي يحتاجها أبناؤهم لاستكمال العام الدراسي". ويضيف وادي: "جميع الكتب لجميع المراحل الدراسية تباع في الأسواق، رغم أنها طبعت على نفقة وزارة التربية لتوزيعها بالمجان على الطلاب. فكيف تسربت من الوزارة إلى الأسواق؟ ليس هناك جواب سوى أن مسؤولين فاسدين في الوزارة وراء ذلك".
وحاولت وزارة التربية تبرئة ساحتها من هذه التهم عبر المتحدث باسمها، حيدر فاروق، والذي قال، في تصريح للتلفزيون الرسمي، إن تأخر تسليم الكتب المدرسية يعود إلى عدة عوامل، من بينها تأثير ظروف جائحة كورونا، والتحول بين الدوام الحضوري والتعليم عن بعد، مضيفاً أن السبب المباشر هو قلة المخصصات المالية لطباعة الكتب، كما اتهم إدارات المدارس بتسريب الكتب المدرسية إلى الأسواق.

لكن المبررات التي تسوقها وزارة التربية لا تقنع غالبية المواطنين الذين يواصلون كيل التهم إلى مسؤولي الحكومة، ويتسق ذلك مع وجود اعترافات متداولة لسياسيين ومسؤولين كبار في الحكومة حول وجود فساد كبير في جميع مرافق الدولة، وأن ضحيتها المواطن البسيط.
واعتاد العراقيون على تدبير أمورهم خلال الأزمات التي تواجههم من دون انتظار تدخل الحكومة، وباتت المبادرات المجتمعية والإنسانية حلولا بديلة للتقاعس الحكومي، ومن ذلك أزمة الكتب المدرسية التي ظهرت مبادرات مجتمعية عدة لتوفيرها من خلال النسخ، وفي الغالب لا يتم الإعلان عن أسماء الداعمين لتلك المبادرات.
يقول مؤيد الصالح، وهو يملك مكتبة لبيع الكتب ومواد القرطاسية في العاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنه وزع أكثر من مائة كتاب على طلاب من أسر فقيرة في الحي الذي يسكنه، مضيفاً أن "عدداً من فاعلي الخير تعهدوا بدفع تكلفة جميع مستلزمات نسخ الكتب، من الورق والحبر، بينما أتكفل بطباعتها عبر أجهزة النسخ التي أمتلكها، والمتبرعون يصرون على أن تكون الطباعة عالية الدقة، وبالألوان، ما يجعل الطباعة أكثر تكلفة، لكن هناك عددا كبيرا من المتبرعين، وسوف أبلغ فاعلي الخير الذين أعرفهم عن المبادرة ليساهموا في تغطية النفقات في حال زاد عدد المحتاجين إلى الكتب".

لا يملك جميع الأهالي المال لشراء الكتب المدرسية (أحمد موفق/فرانس برس)
لا يملك جميع الأهالي المال لشراء الكتب المدرسية (أحمد موفق/ فرانس برس)

عند التجول في الأسواق العراقية يمكن بسهولة ملاحظة أن أسعار كل شيء في ارتفاع، في المقابل يزداد عدد العائلات التي تقتصد في إنفاقها بسبب الأزمة المعيشية، ما يجعل اضطرارها إلى شراء الكتب المدرسية لأولادها معاناة إضافية، خاصة وأن الدراسة تتطلب احتياجات أخرى منها القرطاسية والزي.
تقول شهباء الدايني، وهي أرملة وأم لثلاث بنات يدرسن في المرحلة الثانوية، لـ"العربي الجديد"، إنها تسلمت الكتب التي تحتاجها بناتها من إحدى المبادرات، كما لم يعد لديهن أي نقص في القرطاسية أيضاً. "لولا هؤلاء الشباب الذين ينشطون لأجل عمل الخير لعانيت كثيراً في توفير مستلزمات الدراسة لبناتي، وفي كل عام يقومون بتوفير ما نحتاجه، ويدعمون عبر هذه الأعمال الخيرية العديد من العائلات المحتاجة للمساعدة".
أصبح حلول العام الدراسي هماً كبيراً متكرراً لدى عدد كبير من العائلات، خصوصاً تلك التي تعاني من ضائقة مادية، وتؤكد نور محمود، وهي مشرفة تربوية في مدرسة ابتدائية، لـ"العربي الجديد"، أنها مطلعة على أحوال كثير من الأسر الفقيرة، ولولا جهود فاعلي الخير والناشطين لما استطاع أبناؤهم وبناتهم مواصلة الدراسة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وبينما ترفض الحديث عن سبب نقص الكتب الدراسية، فإنها تقول إن "العملية التربوية تدار مثل بقية القطاعات في الدولة وفق مصالح شخصية أو فئوية، لكن رغم ذلك، هناك تكاتف اجتماعي، وهو سبب رئيسي في تمكن أبناء الفقراء من مواصلة دراستهم. في مدرستي، يتواصل ناشطون معنا لمعرفة أسماء وأعداد الطلاب المحتاجين للدعم المادي، ويوفرون لهم احتياجاتهم عبر التواصل مع ذويهم، وهذا يحدث كل عام، ومن بين هذه الاحتجاجات توفير الكتب التي لا توفرها المدرسة من خلال شرائها، أو نسخها".
وأكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة، في إبريل/نيسان الماضي، ارتفاع نسب الفقر في العراق إلى ما بين 7 إلى 14 في المائة بعد قرار الحكومة خفض قيمة الدينار، وما رافقه من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية. ويشير التقرير الذي اشتركت في إعداده منظمة الأغذية والزراعة "فاو" وبرنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي، إلى أن "قرار خفض قيمة العملة المحلية سيؤدي على المدى القصير إلى زيادة أعداد الفقراء في البلاد ما بين 2.7 مليون إلى 5.5 ملايين عراقي، وهذه الأعداد ستضاف إلى نحو 6.9 ملايين عراقي فقراء أصلاً من قبل جائحة كورونا".

المساهمون