ماذا عن التعليم الأساسي؟

23 اغسطس 2021
تلاميذ يستعدون لإجراء امتحان (ألكسندر ريومين/ Getty)
+ الخط -

لا يخضع تلامذة الحضانة للامتحانات، لكن مخاطر الخلل الذي أصابهم، كما تبين، تنسحب على المراحل اللاحقة. فالتلميذ الذي يفتقد قدرات استعمال اللغة في المراحل الأولى، كما تُظهر الدراسات، يتعرض لصعوبات بالغة يحملها معه. يمكن الانطلاق من هذا الاستنتاج المثبت علمياً نحو منطقتنا العربية. ففي بريطانيا حيث أجريت الدراسة، رصدت الحكومة 18 مليون جنيه استرليني لسد هذه الفجوة، من خلال تكثيف حضور المرشدات الاجتماعيات والنفسانيات في دور الحضانة لمحاولة علاج الفجوة.
يصعب التصديق أن الدول العربية التي تتمتع بموازنات فعلية للتربية، فكرت في مثل هذا الاحتمال. ولذلك يبدأ التلميذ دراسته الابتدائية أو الأساسية وهو محمَّل هذا العبءَ الثقيل الذي يلقيه المعنيون على كاهل الأهل ويتخففون من حمله. وإذا كانت الدول الأكثر ثراءً لا تلتفت بالكامل إلى مثل هذه المشكلة، فكيف بالدول الباقية؟ وبينها دول فعلت المستحيل عبر البراميل المتفجرة وغيرها للتخلص من "السكان الفائضين" الذين لا يدخلون ضمن قائمة "الجماعات المفيدة"، مع ما تركه ذلك من ندوب لا تُمحى. 
أكثر من ذلك، من شبه المستحيل التحدث عن عام دراسي في مدارس العديد من الدول. ما يعني في ظل الفقر والأمية التكنولوجية، هذا إذا افترضنا توافر البنية التحتية الملائمة، أن أجيالاً سجلت على قيودها ضياع عامين دراسيين تقريباً على نحو كلي أو نسبي. ومصدر هذا الافتراض أن الوباء قد يجري القضاء عليه. ولكن حتى لو حدث هذا الأمل، فالتلميذ الذي سيعود إلى المدرسة، يرجع إليها وهو فاقد للمقومات التأسيسية التي يُبنى عليها. وهو بالتالي يعاني من ضعف حقيقي يجعل وجوده في صفه عبارة عن ظلم حقيقي، طالما لم يُعَد تأهيله من خلال الإفادة من العطلة الصفية، والعودة إلى فتح المدارس وقيام المدرسين بواجباتهم في محاولة تعويض ما فات. 

موقف
التحديثات الحية

كل هذا يحتاج لاحتضان رسمي ومجتمعي متكامل. ثم إنّ الأدهى، أنّ المرحلة الأساسية تنتهي بالشهادة المتوسطة قبل الثانوية العامة. وهنا الطامة الكبرى، علماً أن العديد من الدول العربية قررت إلغاءها هذا العام وقبله أيضاً. وهو حل لا يمكن وصفه بأنه مثالي، مثله مثل إجراء الامتحانات دون توافر مقوماتها. خصوصاً أنّ الامتحانات العامة هذه كانت تستبقها المدارس بامتحانات تجريبية لتعويد التلامذة الأجواء وأنماط الأسئلة. هذا دون أن نشير إلى أنّ معلمي المواد كانوا يعملون طوال العام على إجراء اختبارات لتلامذتهم، لقياس قدراتهم وتحديد عناصر الضعف للتركيز على معالجتها في ما بقي من العام الدراسي. الملاحظة الأهم أنّ عنصر التعليم عن بُعد قام في جانب منه على مساندة الأهل. ويُفترض بهؤلاء أن يكون لديهم إلمام بكل المواد المطلوبة عند أبنائهم، التي يتولى مسؤولية شرحها معلمون متخصصون، أو على قدر من الاختصاص (دور معلمين، كليات تربية وغيرهم)، وهو أمر لا علاقة له من قريب أو بعيد بالواقع. 
حاولت بعض وزارات التربية العربية أن تتلافى واقع تعذّر حصول هؤلاء التلامذة على خدمات الإنترنت عبر تعيين ثلاثة أو أربعة أسابيع للدراسة الصفية المباشرة نهاية العام في إطار التعليم المدمج الذي يجمع بين التعليم الرقمي والمباشر. ولكن تبين أن التلامذة الذين حضروا إلى المدرسة بعد أشهر متلاحقة من الانقطاع هم في عالم آخر. أما السبب، باختصار، فهو أنهم لم يتعلموا شيئاً عن بُعد. لذلك، دخلوا إلى الامتحانات المفروضة دون حد أدنى من العدة المعرفية، رغم إلغاء قسم من المواد المقررة سابقاً.
(باحث وأكاديمي)

المساهمون