مأساة التهجير الإسرائيلي للفلسطينيين عام 1948 تتكرر في زمن حقوق الإنسان

12 أكتوبر 2024
نازحون يفرون من القصف الإسرائيلي على مخيم جباليا شمال غزة، 8 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تكرار مأساة التهجير: يعيش الفلسطينيون في غزة تهجيرًا مشابهًا لعام 1948، حيث يفرون من منازلهم بسبب الهجمات الإسرائيلية، وسط مطالبات دولية بإنهاء الاحتلال وتحسين الأوضاع الإنسانية.

- الحق في الحياة: يطالب الفلسطينيون بحقهم في الحياة، حيث يعيشون في ظروف صعبة بمراكز إيواء تتعرض لهجمات، مما يسبب مئات الشهداء والجرحى، مع إدانة دولية للمجازر.

- سرقة الأراضي وخطة الجنرالات: تهدف إسرائيل لسرقة الأراضي وطمس الهوية الفلسطينية، مع استمرار سياسة التهجير وتفجير المنازل، بدعم أمريكي، رغم القرارات الدولية بوقف الإبادة.

للمرة الثانية في حياتهم، يعيش فلسطينيون في قطاع غزة ولدوا قبل النكبة عام 1948 مشاهد التهجير الإسرائيلي القاسية التي عاصروها آنذاك تحت وطأة هجمات العصابات الصهيونية لتتكرر اليوم، لكن في عصر يتغنى بـ"حقوق الإنسان".

وكما حدث عام 1948، اضطر الفلسطينيون منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى حمل القليل من متاعهم والفرار بأرواحهم هرباً من الموت بآلات الحرب الإسرائيلية، مؤكدين أن "العودة قريبة وسريعة". هذه العودة لم تتحقق منذ عام النكبة رغم المطالبات الأممية بإنهاء الاحتلال، فيما يشكل هذا المصير هاجس الفلسطينيين الذين حرموا من منازلهم ومدنهم لأكثر من عام منذ حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

وتعود مأساة التهجير الإسرائيلي مجدداً على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، حيث بات الفلسطيني يعاني لأشهر بحثاً عن مكان آمن في زمن يعد فيه أهم الحقوق "الحق في الحياة" من المسلّمات، وفق قول فلسطينيين اثنين في عقدهم الثامن، للأناضول. وبعد وصول النازحين إلى الأماكن التي ادعت إسرائيل في بيانات رسمية أنها "آمنة" يتعرضون لاستهداف إسرائيلي بهجمات شرسة وغير مسبوقة موقعة مجازر مروعة بحقهم.  ولعدة مرات، قال مسؤولون أمميون إنه "لا وجود للأماكن الآمنة في غزة"، فيما تقول حكومة غزة إن حديث "الاحتلال عن الممرات والمناطق الآمنة محض كذب وخداع".

مأساة التهجير الإسرائيلي متكررة

داخل خيام النزوح وفي أوضاع إنسانية تبدو قاسية، يجلس الفلسطيني الثمانيني سليمان أبو سمرة يشتت تفكيره بطهي بعض الطعام (من المعلبات) على نار أشعلها لتوه مستخدماً أوراق الكرتون. أبو سمرة، الذي عايش تفاصيل الهجرة خلال نكبة الفلسطينيين عام 1948، يقول إن "هاجس الهجرة عام 1948 ما زال يراودني". ويضيف للأناضول: "هذه المظاهر، نزوح الناس (الذين يحملون متاعهم ويمشون لمسافات طويلة)، عايشتها في النكبة عام 1948".

و"النكبة" مصطلح يطلقه الفلسطينيون على ما حدث في 15 مايو/أيار 1948، الذي أُعلن فيه إقامة إسرائيل على أراضٍ فلسطينية محتلة، إثر تهجير نحو 750 ألف فلسطيني. وأوضح أن الفرق الوحيد الذي يميز هجرة عام 1948 عن النزوح القسري للفلسطينيين في الوقت الحالي هو أنه يحدث في "زمن حقوق الإنسان، وتغني "الأمم المتحدة به".

ومنذ بداية حرب الإبادة، اضطر الفلسطينيون إلى حمل القليل من ممتلكاتهم والنزوح إلى مناطق جنوبي القطاع، والتي ادعى الجيش الإسرائيلي أنها إنسانية وآمنة، لكنها تعرضت لتقليص متواصل خلال أشهر الحرب.

"الحق في الحياة"

يقول أبو سمرة والحسرة تملأ صوته إن الفلسطينيين باتوا يطالبون بأدنى حقوقهم وهو "الحق في الحياة". ويوضح أن المهجرين عام 1948 عاشوا في خيام مصنوعة من الأقمشة والنايلون كما يحدث اليوم، لافتاً إلى أن "مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة على سبيل المثال كان من الخيام". واستكمل: "بعد فترة من الزمن اضطر الفلسطينيون إلى وضع ألواح الزينكو لبناء الخيام لحمايتهم من الأجواء الشتوية فيما بدؤوا لاحقاً ببناء جدران وأسقف إسمنتية حتى وصل الأمر إلى بناء المنازل".

وفي المناطق الجنوبية التي نزح إليها الفلسطينيون مع بداية الحرب، لجؤوا إلى نصب الخيام والعيش في مراكز الإيواء من مستشفيات ومدارس وسجون ومراكز صحية ومدن ألعاب في ظل عدم وجود مساكن تؤويهم. وعانى النازحون ظروفاً إنسانية وصحية وصفتها بيانات حكومية رسمية بـ"الكارثية" بالتزامن مع نقص الإمدادات الأساسية من الطعام والمياه والأدوية. وفي هذه المناطق، استهدف الجيش الإسرائيلي خيام النازحين ومراكز الإيواء موقعاً مئات الشهداء والجرحى في مجازر مروعة أدانتها أطراف أممية ودولية.

سرقة الأراضي

يقول الفلسطيني الثمانيني ماجد البلعاوي إن هدف التهجير الإسرائيلي للفلسطينيين من أراضيهم عام 1948 كان بغرض سرقتها. وتابع للأناضول: "هجروا الناس من وطنها وأرضها واستعملوا الجرافات في هدم البيوت وأطلقوا على القرى والمدن أسماء عبرية". وأوضح أن كل "قرية هاجر منها سكانها أطلقت عليها إسرائيل أسماء عبرية لطمس حقيقتها والوجود الفلسطيني فيها".

"وسرقة الأراضي" أكثر ما يثير مخاوف الفلسطينيين خاصة بعد أعمال الإبادة والتطهير العرقي، ولا سيما في مناطق شمال القطاع.. وتزداد هذه المخاوف مع مواصلة إسرائيل سياسية تفجير المنازل والأحياء السكنية وجعلها غير صالحة للحياة.

وبالتزامن مع مرور عام على بدء حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، أنذر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين في بلدات بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا وجباليا بشمال غزة بالإخلاء فوراً نحو المنطقة الإنسانية المزعومة في المواصي، جنوبي قطاع غزة. هذه الخطوة بدت تطبيقاً غير معلن لـ"خطة الجنرالات" التي تهدف إلى تفريغ شمال القطاع وفرض حصار مطبق عليه تمهيداً للاستيطان فيه، بحسب وسائل إعلام عبرية.

وتم الكشف عن "خطة الجنرالات" مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وتقضي بتهجير جميع الفلسطينيين من شمال القطاع ضمن مهلة تستمر أسبوعاً قبل فرض حصار على المنطقة وخيار الموت أو الاستسلام. و"خطة الجنرالات" صاغها قادة سابقون في الجيش الإسرائيلي محسوبون على اليمين المتطرف، بزعامة الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي غيؤرا آيلاند ونشرت بوسائل إعلام عبرية. ولم تعلن الحكومة الإسرائيلية بعد تبني "خطة الجنرالات"، لكن هيئة البث (رسمية) ذكرت في سبتمبر أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) يبحث هذه الخطة.

وبدعم أميركي، أسفرت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة المتواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عن أكثر من 140 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أنهت حياة عشرات الأطفال والمسنين. وتواصل تل أبيب الإبادة متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال "الإبادة الجماعية" وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.

(الأناضول)

المساهمون