مأساة أنطاكيا... الكوارث تلاحق اللاجئين السوريين

08 فبراير 2023
يستمر الإنقاذ رغم الدمار (براك كارا/ Getty)
+ الخط -

كانت مدينة أنطاكيا الواقعة في ولاية هاتاي، والقريبة من الحدود السورية، الأكثر تأثراً بسلسلة الزلازل التي ضربت جنوب تركيا يوم الإثنين الماضي، وقد غادرها سكانها بعدما انهارت مبانيها أو تصدعت وباتت غير صالحة للسكن. سلسلة الزلازل التي ضربت المنطقة (بلغت قوة الأول 7.7 درجات، والأخير 7.4 درجات، بالإضافة إلى هزات ارتدادية بلغت قوتها 6.6 درجات)، أدت إلى أضرار في 10 ولايات هي قهرمان مرعش، أدي يامان، غازي عنتاب، شانلي أورفة، ديار بكر، ملاطية، عثمانية، أضنة، هاتاي، وكيليس.
وتعد الضربة التي تلقتها مدينة أنطاكيا، أكبر مدن ولاية هاتاي، الأقسى. ويقول شهود عيان إن المدينة منكوبة، وما يزال عدد كبير من المواطنين تحت الأنقاض، عدا عن انقطاع التيار الكهربائي والاتصالات والمواصلات وكافة الاحتياجات الإنسانية. ويقيم عدد كبير من السوريين في المدينة. 
ويبلغ عدد سكان ولاية هاتاي مليوناً و670 ألف شخص تقريباً بحسب إحصائيات رسمية عام 2022. ويقطن أكثر من ربعهم في أنطاكيا، مركز الولاية. ويبلغ تعداد السوريين في الولاية، بحسب موقع رئاسة إدارة الهجرة، أكثر من 354 ألفاً، وهي رابع أكبر ولاية يتواجد فيها سوريون، ما وضعهم أمام محنة جديدة بعد الزلازل الأخيرة تضاف إلى محنة لجوئهم.
وكان وزير الصحة فخر الدين قوجة قد أشار إلى تدمير 2749 مبنى في هاتاي وحدها بشكل كامل، فيما بلغ إجمالي المباني المنهارة بحسب نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي 5775 مبنى، أي أن عدد المباني المنهارة في ولاية هاتاي يعادل تقريباً نصف عدد المباني المهدمة في إجمالي الكارثة. 
وتأخر وصول فرق الإنقاذ إلى أنطاكيا في اليوم الأول، بعدما دمر الزلزال البنية التحتية وشبكات الاتصالات والانترنت. وكان هناك صعوبة في معرفة حجم الكارثة فيها، وإبلاغ السكان السلطات بما حصل. حتى أن رئيس بلدية هاتاي لطفي سافاش اضطر في اليوم الأول للخروج من الولاية ليتمكن من التحدث إلى وسائل الإعلام، كما صرح لاحقاً.
وبدأت تصل المعلومات عن أنطاكيا مع خروج البعض منها. وهذه الحالة من الغموض والضبابية أدت إلى انتشار مجموعات على تطبيق "واتساب" للسوريين، وتم تداول أسماء المفقودين للبحث عنهم، أو أسماء من لم يتم الوصول إليهم، مع نشر عناوين إقامتهم وسكنهم. ويتحدث شهود عيان عن غياب فرق الإنقاذ في اليوم الأول بشكل شبه تام، وعزا المسؤولون الأمر إلى صعوبة المواصلات وحال الطقس والعواصف الثلجية. وبدأت فرق الإنقاذ بالوصول في اليوم الثاني، إلا أن حجم الكارثة كان أكبر من قدرات الفرق، التي ضمت، بحسب وزير الصحة، 2902 عنصراً. وتتواصل عمليات تعزيز فرق الإنقاذ بمزيد من العناصر والمتطوعين.

تركيا (هاكان أكغون/ Getty)
حجم الكارثة مهول (هاكان أكغون/ Getty)

عودة إلى العصور القديمة

توجه السوري خالد فاروسي إلى أنطاكيا قادماً من إسطنبول في اليوم الأول لوقوع الزلزال، للمساعدة في إغاثة أهله الذين اتصلوا به عقب الزلزال الأول، قبل أن يفقد الاتصال معهم. وانتقل أهله إلى مكان آخر ليتمكنوا من التواصل معه. ويقول: "وصلت إلى المدينة في ساعات المساء. كان الظلام يحيط بكل مكان، لم تكن هناك أية أضواء سوى بعض ما أشعله المواطنون يمنة ويسرة. بدت المدينة وكأنها من العصور القديمة في ظل الدمار الكبير وغياب كامل للبنية التحتية". 
يضيف: "مع انقشاع ضوء النهار، تبين أن حجم المأساة أكبر. لم تكن المدينة التي عرفتها. رأيت الكثير من المباني المنهارة، وخصوصاً القديمة منها، بالإضافة إلى عدد من المباني الحديثة. والمباني المتبقية هي إما منهارة بشكل جزئي أو متصدعة، وكل من بقي على قيد الحياة غادر المدينة بعدما باتت غير صالحة للسكن". 

ويصف حال الطرقات في المدينة بأنها "متصدعة ومتشققة بفعل الزلزال"، مؤكداً: "لاحظت غياب عمليات الإنقاذ في اليوم الأول بسبب صعوبة الوصول إلى المنطقة. ونظراً لحجم الكارثة، عمت الفوضى وعمد بعض الناجين إلى كسر أبواب المتاجر للحصول على المواد الغذائية". 
وعن حال الخدمات ومسألة تأمين المستلزمات الأساسية والمواد الغذائية، يقول فاروسي: "هناك صعوبة في شراء المستلزمات الأساسية بسبب قلة المتاجر ولجوء الناس إلى شراء ما تبقى. وفي ظل غياب الكهرباء والاتصالات، هناك صعوبة تتعلق بسحب الأموال من الصرافات الآلية لعدم إمكانية الشراء بالبطاقات المصرفية والائتمانية". يتابع: "الاتصالات داخل المدينة ما زالت مقطوعة والخدمات الطبية شبه متوقفة، ولا يمكن الحديث عبر الهواتف إلا من المناطق المجاورة. وصلنا إلى مدينة الريحانية وننتظر أن ننطلق إلى وجهة جديدة أكثر أماناً. كان أخي مصاباً وعانينا لعلاجه. فالإمكانيات قليلة وهناك تركيز على الحالات الخطرة". 

لن تزول الصمة بسهولة (هاكان أكغون/ Getty)
لن تزول الصدمة بسهولة (هاكان أكغون/ Getty)

صدمات... فحياة جديدة

من جهته، يروي السوري محمد العلي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، ما عاشه ورآه في المدينة. وصل إلى بلدة يايلاداغي الحدودية مع سورية في الولاية، والتي لم تتضرر رغم أن سكانها شعروا بقوة الزلزال. ويقول: "كتبت لنا حياة جديدة بعدما تلقينا الصدمة الأولى، ولكن الصدمة الثانية كانت في الأهوال التي عاشتها أنطاكيا والتي كنا شهوداً عليها". يضيف أن "الزلزال كان قوياً جداً لكن تمكنت من الخروج من المبنى. كانت الاتصالات صعبة ولم نستطع التواصل مع أقاربنا وأصدقائنا. وبعدما لجأنا إلى مدرسة في المنطقة المجاورة، خرجنا لتأمين بعض الاحتياجات. وعندها، رأينا المأساة الكبيرة وخصوصاً بعد الزلزال الثاني الكبير. ما حدث كان كارثة بكل ما للكلمة من معنى، وكأننا غريبون عن هذه المدينة التي نعيش فيها منذ سنوات".
تركيا (محمت كاغماز/ Getty)
يبكي من فقدهم (محمت كاغماز/ Getty)

يتابع العلي: "أعتقد أن ثلث مباني المدينة تعرض للانهيار بسبب الزلزال. وفي اليوم الأول، كان هناك غياب شبه تام لفرق الإنقاذ. وفي اليوم الثاني كان الوضع أفضل، وكانت هناك نداءات من داخل بعض المباني المدمرة ولكن ما من مغيث". 
يتابع أنه غامر بدخول منزله في المبنى المتصدع لأخذ بعض الحاجيات من أوراق ومال وغير ذلك، وشعر برعب شديد لكنه كان مضطراً. وفي اليوم التالي، انتقل إلى بلدة يايلاداغي قاصداً معارفه وأقاربه، وسيبقى فيها في الوقت الحالي.

طواقم طبية غائبة

من جهته، يتحدث يحيى محمد عما عايشه خلال الزلزال، قائلاً لـ "العربي الجديد"، "استيقظت مع زوجتي وابنتي على اهتزازات قوية، فخرجنا من المنزل بسرعة. كانت ثمة أصوات تشبه إطلاق الرصاص". يضيف أنه استقل سيارته مع أفراد أسرته، وانتقل إلى منزل أخيه الذي يقع في أطراف المدينة. فأمام منزل أخيه فسحة واسعة ما أشعرهم ببعض الأمان. ويشير إلى أن بقية أقاربه يفتقدون أدنى مقومات الحياة في ظل البرد الشديد.
ويقول: "وصلنا بصعوبة إلى منزل شقيقي في ظل انهيار المباني وانقطاع الكهرباء. وفي طريقنا، شاهدنا حجم المأساة والجثث على الطريق. نمنا ليلتنا الأولى داخل السيارة. وفي اليوم التالي، ذهبنا إلى المنزل لجلب بعض الأغراض الضرورية. كان كل شيء داخل المنزل محطماً، ولم يعد صالحاً للسكن". يضيف أنه "يفكر بالانتقال إلى ولاية أخرى، إذ أن بقية أقاربه انتقلوا إلى أماكن أخرى ما بين بلدة يايلاداغي وولايات أخرى. لم تعد أنطاكيا صالحة للسكن ولم تعد ملاذاً آمنا". 

ويتضح من روايات شهود العيان وضع المدينة المزري. وتعج وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار عن أشخاص فقدوا حياتهم في هذه المدينة، وخصوصاً المباني القديمة والمهملة.
وغالباً ما يقطن السوريون في مبان قديمة بسبب انخفاض بدل إيجارها، ما يرجح ارتفاع أعداد الضحايا السوريين في هذه المدينة. كما يروي شهود عيان عن إنقاذ بعض العالقين من الجرحى. لكن في ظل عدم توفر الطواقم الطبية وغياب الاتصالات، لم يتمكنوا من إبلاغ أي جهة بوجود جرحى ما أدى إلى وفاتهم، وهو ما يظهر أن معاناة مدينة أنطاكيا هي الأكبر في الزلزال الذي ضرب المنطقة. وأعاق غياب الاتصالات والإنترنت والخدمات الصحية في ظل انهيار المستشفيات الحكومية إنقاذ الجرحى، وقد لجأت السلطات التركية إلى إجلاء الحالات الحرجة من الولاية عن طريق البحر عبر مرفأ مدينة إسكندرون ونقلهم بالسفن إلى ولاية مرسين المجاورة. كما أن مطار الولاية هو الوحيد الذي خرج عن الخدمة بسبب دمار المهبط، بالإضافة إلى تصدعات في الطرقات المجاورة. وأظهرت لقطات مصورة انهيار عدد من الطرقات.

المساهمون