مأزق التربية والتعليم العام في العراق

26 يونيو 2024
تلاميذ خارج المدرسة المبنية من الطوب (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- العملية التعليمية في العراق تعاني من ضعف التطور المهني للمدرسين واعتمادهم على أساليب تعليمية قديمة، بسبب ضعف دور كليات التربية ونقص الكادرات الأكاديمية المؤهلة.
- تواجه المدارس الحكومية والخاصة تحديات تتمثل في نقص الكوادر التعليمية المدربة، المناهج غير المتطورة، ونقص المستلزمات التعليمية، مع ارتفاع رسوم المدارس الخاصة.
- غياب التخطيط الاستراتيجي، النقص الحاد في عدد المدارس مقابل الإقبال، والاكتظاظ في الصفوف يعكس فسادًا مستشريًا يعيق تطور القطاع التعليمي.

تتلاحق الدراسات والأبحاث حول معضلات التعليم العام وجملة الأوضاع التربوية والتعليمية في العراق. لكن هذه الجهود لا تتحول إلى ثمار ومخرجات تطلق الخروج من مأزق القيود، سواء أكانت قديمة أو مستحدثة، علماً أنها تتضافر معاً لتؤدي إلى وضع تعليمي بائس. والحقيقة أن الواقع التعليمي في البلاد سيئ، أو بالأصح بالغ السوء. وبالنظر إلى تراكم المشاكل، خصوصاً على صعيد الموارد البشرية التي تعاني من ضعف في التطور المهني للمدرسين، الذين يفتقدون التدريب على الأساليب والوسائل الحديثة، ما يضطرهم إلى اعتماد ما تعودوه خلال دراستهم من أساليب عفا عليها الزمن. 
ويمكن القول إن هذا الوضع هو نتيجة ضعف دور كليات التربية من جهة، ونقص الكادرات الأكاديمية التي تتولى تنظيم وتدريب المدرسين في مختلف المراحل. لكن الوضع يتجاوز غياب هذا الركن الأساسي إلى فقدان ونقص تجهيزات البنية التحتية في المدارس بمراحلها المتعددة، بدءاً من الروضات وحتى المرحلة الثانوية، بما في ذلك نقص المقاعد والكتب الدراسية العادية والوسائل التقنية والألواح الذكية وغيرها من مقومات باتت متوافرة في مدارس الدول المتقدمة ومتوسطة النمو. ويواجه القطاع أيضاً مشكلة ارتفاع معدلات التسرب في المدارس الحكومية والخاصة في العراق. إذ أشارت بعض الإحصائيات إلى أن نسبة التسرب وصلت في بعض المراحل والمدارس إلى 70%. ويؤدي مثل هذا الوضع إلى ضعف جودة التعليم، كونها لا تزال تعتمد على التلقين والحفظ التقليدي الذي يعتبر في أسفل سلم الذكاء، بالقياس إلى ملكات الاستقراء والربط والنقد والتحليل والابداع.

موقف
التحديثات الحية

وتشرف وزارة التربية على التعليم في العراق بشكل عام، وينقسم إلى مراحل تبدأ من التعليم الابتدائي وتصل إلى نهاية التعليم الثانوي والمهني. لكن اجتياز هذه المراحل لا يعني حيازة المهارات العملية المطلوبة، بالنظر إلى انخفاض مستويات التحصيل العلمي وارتفاع نسب البطالة، إذ لا تتوافر فرص عمل حتى لخريجي الجامعات العراقية. وتنتشر المدارس الحكومية في محافظات العراق كافة ويصل عددها إلى 26 ألف مدرسة، لكنها تعاني من مشاكل كثيرة، كالنقص في الكوادر التعليمية المدربة والمناهج التعليمية غير المتطورة والمحتوى الدراسي الضعيف ونقص المستلزمات المدرسية والتعليمية. أما المدارس الخاصة في العراق، فتمثل نسبة عشرة في المائة من مدارس العراق، وتمتاز بكوادرها المؤهلة للتعليم، ما يوفر جودة عالية في التعليم. وتمتاز أيضاً بتقديمها حرية الاختيار للمناهج الدراسية. لكن الرسوم التي تتقاضاها مقابل توفير المستويات والمستلزمات التعليمية للطلاب مرتفعة، ما يحول دون ارتيادها من قبل الطبقة الوسطى حتى والفقيرة بطبيعة الحال. كما أن هذه المدارس تفتقد الرقابة الحكومية التي تؤدي إلى الانحراف عن المعايير التعليمية والتربوية.
على أن أبرز المشكلات تتمثل في غياب التخطيط الاستراتيجي، والمبادرة إلى اعتماد خطوات متسرعة، ما يقود إلى نتائج عكسية في ظل أوضاع متراجعة للقطاع على صعيد المعلمين أو على مستوى المدارس. والمعروف أن عدد المدارس وتنفيذ أعمال الترميم قليل بالقياس إلى عدد السكان والإقبال على التعليم، حتى أن وزارة التربية تعتمد على مبدأ الدوامين والثلاثة دوامات للمدرسة الواحدة، ويقال إنها في بعض الأنحاء تعتمد على أربعة دوامات مدرسية للبناء الواحد. ولا يزال في العراق حوالي 1200 مدرسة مبنية بالطوب والقصب. ولا يرجع النقص هذا إلى ضعف الإمكانات المالية التي تنفق على الإنشاءات المدرسية، بقدر ما هو نتيجة لحالة الفساد المستشرية في البلاد، والتي تطاول هذا القطاع كما سواه من القطاعات، ما يتسبب في اكتظاظ الصفوف التي تصل في بعض الاحيان إلى 60 طالباً في الصف الواحد.
(باحث وأكاديمي)

المساهمون