يشكو العديد من الليبيّين مدى انشغال أولادهم بالأجهزة والألعاب الإلكترونية، خصوصاً مع دخولهم في فترة الإجازة بعد انتهاء العام الدراسي، في حين يطالب خبراء تربويون بضرورة تحديد أوقات وطرق استخدام الأجهزة الإلكترونية للاستفادة منها والحد من آثارها السلبية.
يقول الليبي محمد بلوق، من تاجوراء، إن الأطفال يقضون ساعات طويلة في اللعب على هواتفهم أو حواسيبهم المحمولة، وعادة تمر الساعات على الألعاب الإلكترونية بدلاً من التطبيقات النافعة التي يمكن أن تضيف إليهم معلومة أو خبرات. ويوضح لـ"العربي الجديد": "أحفادي ولدان وبنتان في المرحلة الابتدائية، وهم يعيشون موجات سلوك غير منضبطة، فبعد سكوت طويل يحدثون ضجيجاً مفاجئاً تفاعلاً مع لعبة ما، قبل أن يعود الهدوء مجدداً"، معبراً عن استيائه مما يعتبره "ثقافات دخيلة على أسرنا، حتى إنها فككت صلة أحفادي بعائلتهم، ولم أعد أستطع ثنيهم عن ترك تلك الألعاب، أو حتى التقليل منها، وعندما أتعامل معهم بحزم، يوافقون على ترك اللعب في مقابل السماح لهم بالخروج إلى نزهة، لأكتشف لاحقاً أنهم يرتادون خلال النزهة المزعومة مقهى مخصصاً للألعاب الإلكترونية في المدينة".
تعاني أسماء الحجازي ذات المشكلات مع ابنها ذي الـ14 سنة، وتقول: "أدمن قبل ثلاث سنوات الألعاب الإلكترونية على الهاتف، وعندما أعاقبه بأخذ الهاتف منه، أجده يلعب مع أقرانه من الجيران ذات الألعاب"، مضيفة لـ "العربي الجديد": "ما يقضيه ابني مع الأسرة بات أقل بكثير مما يقضيه في تلك الألعاب التي أصبحت تقض مضجعه في نومه، حتى بات يتكلم وهو نائم بكلمات لها علاقة بتلك الألعاب".
تتابع الحجازي: "الوضع نفسه تعاني منه زميلاتي في العمل مع أطفالهن، ومن أبرز المشكلات اللغة التي يتحدث بها الأطفال، إذ باتت طريقة تعاملهم مع الألعاب لغة يتحدثون بها فيما بينهم، وهذا شيء خطير لأنه يؤشر على وجود ملامح للتباعد في طريقة التفاهم بين رب الأسرة وأولاده".
ويشير عبد المنعم الطيب، من مرزق (جنوب)، إلى إدمان ولده البالغ من العمر 16 سنة على الألعاب الإلكترونية القتالية، ويقول: "أخشى أن تكون للأمر علاقة بأوضاع النزوح التي عاشتها أسرتي أثناء الحروب الماضية. ربما تعلق الأطفال بأصوات الرصاص، وما يشاهدونه من مقاطع الحروب عبر صفحات (فيسبوك)".
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع مخروم الزروق أن تلك الشهادات تعكس مخاوف حقيقية، وأن انعكاسات ما يفعله الأطفال ستكون وخيمة إن لم تهتم السلطات بتقنين هذه الألعاب الإلكترونية، وتوجيهها عبر قنوات كالمدارس والنوادي. ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "النتائج ستكون سلبية، حتى إن تأخر ظهورها، وعلى سبيل المثال، فالصداقات يجب أن تنشأ في وسط أسري ومحيط صحي، بينما ما يتم هو تنشئة الأطفال على صداقات افتراضية تقلل من فاعلية الكثير من عناصر التنشئة الاجتماعية الصحيحة، والمخاوف تزداد مع كون الشكاوى تتعلق بأطفال صغار دون سن الثالثة عشرة".
وتنتشر في طرابلس وبنغازي، وغيرهما من المدن، مقاهٍ خاصة بالألعاب الإلكترونية، تنظم بعضها مسابقات بين المتبارين، كما أنشأت مجموعة من الشباب اتحاداً خاصاً تحت مسمى "الاتحاد الليبي للرياضات الإلكترونية" يوالي نشر إعلانات عن أنشطته، وآخرها دعوة للتسجيل في الاتحاد بغرض إنشاء منتخب ليبي للرياضات الإلكترونية. وفي فبراير/ شباط الماضي، أعلن هذا الاتحاد عن تنظيم أول بطولة للألعاب الإلكترونية في طرابلس، وضمت ثلاث ألعاب، وشارك فيها 91 فريقاً.
ويثني الزروق على مثل هذه الأنشطة المنظمة، ويقول: "إذا تم وضع قانون منظم لها، فيمكن أن تتسع لتشمل المدارس والنوادي، فالإلكترونيات مستجد فرض نفسه على الأسر والمجتمع، ولا بد من استيعابه والتعامل معه للاستفادة من وجهه الصحيح، وفي ذات الوقت التنبه لخطورة جوانبه السلبية، ومن بينها عزوف الوالدين عن التعرف إلى الثقافة الرقمية، والذي يحدث شرخاً في التوافق بين الوالدين وأطفالهم، وبمرور الوقت ربما يدخل الأطفال في عزلة إذا لم يجدوا تجاوباً ورعاية قريبة".
يتابع: "قبل سنوات، كان الحديث يدور حول لعبة تسببت في إقدام بعض الأطفال على الانتحار، ورغم عدم قبول الفكرة، فإنها تعكس مخاوف الأسر على أطفالهم، وهي مخاوف ناتجة عن عدم تعرفهم إلى تلك الألعاب، أو بقائها مجهولة بالنسبة لهم، وعدم تعاملهم معها سوى عند محاولة منع أطفالهم من التعامل معها".