لا تزال السلطات في ليبيا تتباطأ في إنقاذ مرضى الأورام الذين لا تزال دائرة أعدادهم تتسع، وسط نقص حاد في الأدوية والتجهيزات التي تحاول المراكز الطبية سد عجزها من خلال مساعدات الخيرين والمنظمات الإنسانية.
وفي وقت لا تزال الحكومة في طرابلس تتحدث عن استمرار بناء منظومة إلكترونية لإدارة الملفات الطبية لمرضى الأورام، بما فيها الاحتياجات الدوائية الخاصة، تقول الحكومة إن رئيسها أسامة حماد عقد اجتماعاً خاصاً مع وزير الصحة عثمان عبد الجليل، لبحث ملفات مرضى الأورام وأوضاع المستشفيات والمراكز الصحية المتخصصة في علاج الأورام، وإمكانية توفير احتياجاتها لتقديم خدماتها للمرضى.
ويعاني حوالي 25 ألف مريض، بينهم 5 آلاف طفل، نقصاً حاداً في الأدوية والتجهيزات الطبية، الأمر الذي دفع المراكز والمستشفيات الحكومية المتخصصة بعلاج الأورام إلى طلب الإعانة من المحسنين والمنظمات والجمعيات الخيرية، للاستمرار في تقديم الرعاية الصحية للمرضى. وبعدما أعلن جهاز الإمداد الطبي الليبي (حكومي) في يناير/ كانون الثاني الماضي، بدء توزيع الأدوية على المراكز والمستشفيات المتخصصة في علاج الأورام في مختلف المناطق والمدن، تراجع عمله بدءاً من مارس/ آذار الماضي.
لم يحصل حامد انبيه منذ مارس/ آذار الماضي على الدواء اللازم لطفله الذي يعالج في المعهد القومي لعلاج الأورام بمدينة مصراتة. وكان عدد من الأطفال المصابين بالأورام، قد نظموا في وقت سابق بصحبة ذويهم، وقفة احتجاجية داخل مقر قسم الأطفال في المعهد نهاية يونيو/ حزيران الماضي، بسبب نقص الأدوية والعلاج داخل القسم، وفق الصفحة الرسمية للمعهد على موقع "فيسبوك"، طالب فيها أهالي الأطفال المسؤولين في الحكومات "ضرورة التدخل العاجل وتوفير العلاج لأبنائهم".
وعلى الرغم من أن انبيه متفائل حيال إمكانية تعافي ابنه الذي لا يزال في مراحل مرضه الأولى، إلا أنه يعبر عن أسفه في الوقت نفسه حيال ما آلت إليه مراكز علاج الأورام. يقول لـ "العربي الجديد": "زرت أكثر من مركز حكومي ومعهد الأورام في مصراتة، ورأيت مآسي كبيرة لم يتمكن الأطباء من تجاوزها، منها الازدحام الذي يؤدي إلى عدم حصول بعض المرضى على جرعاتهم من الدواء الكيميائي في وقته"، مشيراً إلى أن غالبية مرضى الأورام في البلاد يقبلون على معهد الأورام في مصراتة بسبب سوء المراكز الأخرى.
وفي ليبيا حوالي ستة مراكز حكومية لعلاج الأورام، منها مركزان يواجهان خطر الإقفال الكلي بسبب النقص الحاد في الكوادر الطبية والأدوية، وفقاً لشهادة الطبيب المتخصص في علاج سرطان العظام إبراهيم عثمان. يقول في حديثه لـ "العربي الجديد": "حتى المقار والمباني لم تعد تستوعب الأعداد المتزايدة من مرضى الأورام، والطبيب مجبر على أن يرى مريضه الذي أرهقه المرض يقف وينتظر دوراً قد لا يحصل عليه إلا بعد أيام". يتابع: "بعض فترات العلاج تتطلب تصويراً شعاعياً. وبسبب نقص أجهزة التصوير وتزايد الطلب عليها، ينتظر المريض مدة أسبوعين، الأمر الذي يؤثر على استمرار المتابعة الطبية، وخصوصاً إذا كانت الحالة حرجة وتستلزم متابعة متوالية وسريعة".
وبحسب آخر إحصائيات المعهد القومي للأورام، فإن عدد المترددين على العيادات الخارجية في المعهد خلال النصف الأول من العام الجاري، بلغ 30,205 حالات، وعدد المترددين على مختبر التحليل بلغ 63,051 حالة. أما من سجّلوا دخولهم للإيواء فهم 2422 حالة. وتلقى 5011 شخصاً جلسات علاج كيميائي، فيما بلغت الوفيات 116 حالة. ويؤكد نائب المدير العام لمستشفى الأطفال في بنغازي صلاح العمروني أن علاج 61 طفلاً يعتمد على التبرعات الخيرية لتوفير الأدوية اللازمة.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، نشرت طبيبة في المعهد القومي للأورام في مصراتة ورقة تضم الاحتياجات الطارئة لقسم أورام الأطفال ضمنتها رسالة استغاثة للمحسنين، تعكس عجز المعهد عن توفير الأدوية.
إلى ذلك، يتحدث عثمان عن ضرورة إجراء دراسات حول أسباب تزايد أعداد المصابين بالأورام في البلاد، معتبراً أن "تحديد الأسباب هو إحدى وسائل مقاومة ومكافحة هذا المرض". يضيف: "لدينا من الكفاءات والقدرات البشرية ما يجعلنا قادرين على إجراء مثل هذه الدراسات. لكن في غياب أبسط الإمكانات كالإحصاءات الدقيقة، سنبقى عاجزين"، مشيراً إلى أن الأرقام المعلنة "تقديرية من قبل أطباء مهتمين بهذا الجانب أو منظمة الصحة العالمية".