لا تزال المواسم الزراعية توفر دخلاً إضافياً للشباب في ليبيا الباحثين عن عمل، أو عن مداخيل إضافية، ومن بين أبرز المواسم السنوية جني التمور والزيتون والترفاس (الكما). وقد طوّر بعضهم هذه الأعمال.
انتهى فؤاد المناعي وأبناء عمومته من موسمي قطف التمور والزيتون في مناطق سيلين وترهونة شرق العاصمة الليبية طرابلس، ثم استعدوا لموسم جمع الترفاس (الكما) في مناطق الحمادة الحمراء أقصى غرب ليبيا الذي يتوقعون أن يكون خصباً بسبب غزارة الأمطار هذا العام.
ليس فؤاد وأقرباؤه وحدهم من يستثمرون المواسم الزراعية باعتبارها توفر أعمالاً أساسية أو إضافية، فالركود الاقتصادي وموجات البطالة دفعت الكثير من الشباب والأسر الى استغلال فرص المواسم الزراعية الذي يعززه أيضاً النقص الحاد في العمالة الأجنبية المدربة على العمل في هذه المجالات.
ولا يجد فؤاد صعوبات في هذه المواسم. يقول لـ"العربي الجديد": "تدربنا مع مرور السنوات، وبتنا نعرف احتياجات كل موسم، كما أصبحنا نملك السيولة اللازمة لشراء سيارات مجهّزة لحفظ التمور أثناء نقلها إلى شركات تشتريها منا، وأيضاً حبوب الزيتون التي تحتاج إلى سيارات شحن صغيرة لنقلها إلى المعاصر. نستفيد من شراكتنا مع بعض أصحاب المزارع، إذ لم نعد نعمل كأجراء نتلقى أموالاً مقابل ما نفعله، بل نعمل بحصص مناصفة، أو بأي نسبة نرى أنها تحقق دخلاً مقبولاً لنا".
وتحصي منظمة الأغذية والزراعة "فاو" التابعة للأمم المتحدة وجود 8 ملايين شجرة زيتون في ليبيا، ما يجعلها تحتل المرتبة الـ11 عالمياً في إنتاج زيت الزيتون، في حين تفيد تقارير لوزارة الزراعة الليبية بأن البلاد تضم 9 ملايين نخلة تنتج أكثر من 300 صنف من التمور.
اكتشف بشير الساكت وأولاده بعدما هجروا لسنوات مزارع النخيل الخاصة بهم في منطقة سوكنة، أن الإفادة من تمور مزرعتهم قد يحقق لهم دخلاً أفضل من العمل في الوظائف الحكومية أو المشاريع التجارية الأخرى. يقول بشير لـ"العربي الجديد": "باعتبارنا نملك مزرعة، فلا نحتاج إلى دفع إيجار، ونستطيع التصرف بحسب ما نريد في توزيع الأعمال وتنفيذها لجني الأرباح".
باتت كل أسرة بشير تعمل في المزرعة، إذ يتولى أكبر أولاده تسويق المنتجات في المحال والشركات باستخدام سيارة خاصة للتنقل بين المدن الكبيرة، بينما يعمل ولداه الآخران مع باقي أفراد الأسرة في إعداد رِبّ التمور الذي يلقى إقبالا كبيراً في أوساط الليبيين. ويعلّق: "طورنا عملنا، وأصبحنا نضع ملصقاً باسم العائلة على قناني رب التمور، واشترينا سيارات لحفظ وتخزين الكميات من أجل موسم شهر رمضان الذي يشهد بيع كميات كبيرة من التمور".
يلبي هذا المشروع احتياجات بشير وأسرته، ويساهم في إيجاد فرص عمل لأولاده. ويقول: "لم أعد أفكر على غرار أي من أفراد أسرتي في الاقتراض، أو البحث عن وظائف".
في المقابل، يقول فؤاد الذي تخرج من كلية الاقتصاد قبل ست سنوات، لكنه لم يحصل على وظيفة حكومية، إنه لا يريد أن يتخلى عن وظيفته التي يعمل فيها منذ سنتين كمعلم في مدرسة أساسية. يضيف: "لا أتصوّر أنني سأعمل في مجال الزراعة لسنوات طويلة، فوظيفتي أساسية بينما الأعمال الزراعية مجرد نشاط مؤقت يساهم في تحسين أوضاعنا المالية. هذا العام مثلاً لم يكن موسم الزيتون والتمور جيداً بسبب هطول الأمطار في وقت مبكر، ما أضرّ بالثمار، لكنه ممتاز بالنسبة إلى الترفاس الذي تجهّزت لموسمه عبر جلب سيارة صحراوية ومعدات تخييم للمبيت في عراء الحمادة الحمراء".
وبعكس بعض المتاعب التي يلاقيها فؤاد في مواسم محاصيل الزيتون والتمور، لا يتطلب جمع الترفاس إلا البحث والصبر في التنقيب. يقول: "الأفضل في العمل بموسم الترفاس أننا لا نبحث عن مشترين، إذ نتفق مسبقاً مع شركات تشتري أي كمية نجمعها".
وتعد منطقة الحمادة الحمراء (غرب) من بين أكثر مناطق ليبيا وفرة بالترفاس الجيد، وقد ارتفع سعر الكيلوغرام الواحد إلى أكثر من 500 دولار، ما دفع كثير من الأسر والشباب إلى امتهان جمعه. يقول فؤاد إن "العمل في جمع الترفاس يجذب الكثير من الباحثين عن عمل، والأمر لم يعد يقتصر على جمعه، بل يمتد إلى تجهيزه ونقله، ما فتح مجالات أخرى لأصحاب سيارات النقل الصغيرة، ومصانع التعليب، ومصانع الأكياس، وأيضاً لمحال تأجير سيارات الدفع الرباعي الصحراوية التي باتت تنتشر في المدن والمناطق المحيطة بمنطقة الحمادة الحمراء".