ينشط العديد من الجمعيات التطوعية في ليبيا في إطلاق حملات تشجير من أجل مكافحة انحسار الغطاء النباتي والغابات والمحميات، في ظل اهتمام حكومي محدود للغاية وتعديات كبيرة على الغابات، سواء بالبناء المخالف الذي يدمر مساحات واسعة من الغابات، أو بالقطع الجائر للأشجار بغرض تحويلها إلى فحم.
وفي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، أنهى متطوعون حملة لمتابعة ورعاية الأشجار التي غُرست خلال العام الماضي في غابة المرقب بمدينة الخمس (120 كم شرق العاصمة طرابلس)، مؤكدين أنها كانت ناجحة بنسبة 80 في المائة.
وحسب "الحملة الليبية للتشجير" التي تضم مئات المتطوعين، فإنه جرى غرس 15 نوعاً من الأشجار في الغابة، بعضها لتعويض أنواع تكاد تنقرض، مؤكدين أن الغابة "بحلول عام 2025، ستصبح غابة خضراء مليئة بالأشجار".
ولا تقتصر جهود التشجير على مناطق الساحل الليبي، إذ وصلت الحملة إلى مناطق جالوا وأوجلة في عمق الصحراء، حيث تمكن المتطوعون من غرس ما يقارب 2000 شتلة، أغلبها من أشجار السرول الأحمر، لتعويض النقص النباتي في المنطقتين.
وقرر المتطوعون بدء زيارات للمحميات والغابات لدراسة أنواع الأشجار فيها، وإطلاق حملة لجمع التبرعات من رجال الأعمال وأهل الخير من أجل شراء شتلات لتعويض النقص الذي تعاني منه تلك الغابات.
كما تستهدف الحملة أيضا زيارة المدارس، للتشجير والتوعية على حد سواء، وقام متطوعون بزيارة إلى مدرسة "بنت الوطن" في العاصمة طرابلس، نهاية سبتمبر الماضي، جرى خلالها غرس عدد من شتلات الزيتون والكرم، وأفادت الحملة بأن الزيارة ليست الأولى التي تستهدف المدارس، وإنه تم تشجير عشرة مدارس في وقت سابق.
وعلى الرغم من أن ليبيا بلد يغلب عليه الطابع الصحراوي، إلا أن مساحاتها كبيرة تغطيها الغابات، لا سيما في الشمال الغربي والشرقي، وأشهرها غابات الخمس، ومسلاته، بالإضافة إلى غابات الجبل الأخضر الممتدة.
وفي مقابل الإهمال الحكومي لظاهرة التعدي على الغطاء النباتي، ينشط المتطوعون في حملات التشجير للتعويض، ويؤكد معمر القضواري، وهو أحد الناشطين في مجال التشجير، لـ"العربي الجديد"، أن الجهود "لم تعد قاصرة على غرس الشتلات، بل يسبق ذلك زيارات للغابات والمحميات للتعرف على أنوع النباتات التي خسرتها، وبالتالي العمل على توفيرها، ثم زرعها مجدداً، والحملة انضم إليها مهندسون زراعيون استفادت كثيراً من خبراتهم".
ويتابع القضواري: "هناك جهود أخرى للتركيز على الأشجار التي تكاد تنقرض، وبالفعل جرت حملة تشجير لزرع شجرة البطوم في محميات غرب طرابلس، والتي تكاد تنقرض بسبب غلاء أسعار فحمها، ما يجعل المعتدين يقبلون على قطعها بإسراف".
وأعلن مكتب النائب العام الليبي في مطلع عام 2020، تسلّمه ملف التعدي على الغابات والمتنزهات للتحقيق في جرائم إتلاف الغطاء النباتي التي تفرض التشريعات الوطنية منعها، وفرض عقوبات على مرتكبيها، لكنه لم يعلن سوى قرارات محدودة لحماية بعض الغابات، وضبط المعتدين عليها، من دون متابعة حقيقية.
ويؤكد الناشط في مجال البيئة الليبي محيي الدين سلطان، لـ"العربي الجديد"، أن الغطاء النباتي في معظم مناطق البلاد يعاني من انحسار كبير نتيجة التعديات التي يتعرض لها، أو الحرائق التي تزايدت خلال السنوات الأخيرة، وبالتزامن مع إهمال حكومي كبير، وتقاعس عن ردع المعتدين.
ورغم الإعلانات المتوالية لمصلحة أملاك الدولة التي تحذر المعتدين على الغابات والمتنزهات، إلا أن سلطان يرى أنها "إجراءات متقطعة، وعدم تواصلها يجعلها غير فعالة في وقف تلك التعديات".
ويشير الناشط البيئي إلى أن "قوة إنفاذ القانون التابعة لوزارة الداخلية تمكنت من ضبط حالات تعد، وصادرت معدات لقطع الأشجار في بعض المرات، لكن عدم مواصلتها متابعة المعتدين يجعل إجراءاتها غير رادعة، كما أن عمليات المداهمة التي بدأت في مناطق غرب طرابلس، والتي كان من المفترض أن تقوم فيها قوة إنفاذ القانون بهدم المباني المخالفة التي شيدت داخل الغابات، لم تكتمل، وما زال الكثير من تلك المنازل المخالفة مستغلاً حتى اليوم من قبل المعتدين".
ويؤكد سلطان لجوء عدد من النشطاء في مجال البيئة والجمعيات الأهلية العاملة في هذا المجال للقضاء لتقديم شكاوى ضد التعدي الصارخ على الغطاء النباتي، ومن ذلك التجريف، وتحويل الغابات إلى مناطق سكنية، أو حرق الأشجار لتحويلها إلى فحم، وغيرها من مظاهر التعدي، معتبرا ذلك دليلاً على وصول الأمر إلى مستوى لم يعد السكوت عليه ممكنا".